لا تمثل تجربة «العدالة» المغربي الأولى في الحكم، حالة قُطرية لبلد عربي فقط، ولكن لمجمل قراءات ورصد هذه التجربة، من كونها مشروعا تنفيذيا، لحالة التطوّر الفكري للإسلاميين، في الوطن العربي بعودة مدرسة المقاصد، والبناء عليها لبرنامج سياسي، يَخرج من افق الحركات الإسلامية، التي حوصرت بمنظور الدعوة الحزبية، وهو حكم نسبي وليس كليا، ونقصد أن الدستور ومفهوم الدولة المغربي، يضع الوزارات السيادية الكبرى، في يد الملك، فضلاً عن الأعراف المهمة، لدور المخزن في توجيه سياسات الحكم.
وقبول «العدالة» بهذا المستوى كان تحدياً مهماً في ذاته، ولذلك أعاد عزل د. عبد الإله بنكيران، ووقف مشروعه ومشروع «العدالة» الإصلاحي، سؤال المعترضين، على أفق الربيع المغربي، بين اليسار إلى جماعة الإمام الراحل عبد السلام ياسين، وكأنهم يقولون ألم نقل لكم، لا إصلاح دون تعديل صلاحيات المخزن، وربط الأفق الدستوري بسلطات الشعب مع بقاء العهدة الملكية، لوحدة الدولة الاجتماعية وهويتها الفكرية، وقد سبق أن تطرقنا للرأيين في مقال سابق في «الوطن».
غير أن السؤال الذي يُطرح على هذا الموقف ذاته، هو أين يُذهب بالمغرب ومستوى الاستقرار الاجتماعي، والتداول السياسي الذي تحقق رغم جوانب الأزمة وتحييد الديمقراطية الكبير فيها، لو اختار الإسلاميون المصادمة، وهو سؤال حرج يملك جزء من جانبه «المخزن» ذاته.
وأما الموقف مما يشاع، من أن قرار عزل بنكيران، هو مقدمة لطي التوافق السياسي الذي دشنه الدستور الجديد، والذي استبق به الملك محمد السادس أي مساحة للمواجهة، خلال رياح الربيع العربي، فرغم أن الملك هاجم الربيع العربي، بصورة غير مسبوقة في قمة الرياض الخليجية، إلّا أنني استبعد هذا التوجه، وهو فض تلك العهدة الوطنية التوافقية الجديدة، وشراكة الإسلاميين فيها، فهي اليوم قاعدة متينة للاستقرار الوطني، ولا يوجد أي مبرر لهدمها، وهو ما أظن انه سيبقى ثابتاً في توجهات الملك، كمصلحة للعهد السياسي له، وللمصلحة القومية الكبرى للدولة.
وهذا يعيدنا إلى ما هي دلائل النجاح المجملة لفترة بنكيران، وهي تتلخص في محافظته على مبادئ الإصلاح، وتوسيع الهامش الديمقراطي، كآلة تنفيذ حكومية تنحاز للشعب، ورفض معادلات الحصار المشروطة عليه، في عهدته، أو في تكليفه الأخير من شركاء العمل السياسي، والمتنفذين فوق الدستور.
ومن خلال الإمكانيات المتاحة، وصراع الهوامش الصعب في التجربة المغربية والعربية، فإن نجاة العهدة من الفساد، وتمسكها بمصالح الشعب، معيار مهم، لا يمكن إغفاله في تقييم بنكيران وحزبه.
ويدخل «العدالة» اليوم، في بعد أكثر حساسية، حيث قبوله بالتكليف بعد تسمية الملك د. سعد الدين العثماني، وضَعَهُ أمام احتجاج شعبي ضمني، لماذا لم تتحول «العدالة»، إلى المعارضة ليواصل نجاحه وتقدمه في الانتخابات المقبلة، لكن أهل المغرب ومن يعرف إشكالية الرفض المباشر، ومواجهة المخزن، يُدرك أنه تحدٍ قد يهدد كل التجربة السياسية للعدالة، ومن باب آخر يُعرض الحالة التوافقية للانهيار.
ولذلك حرص الحزب بعد اجتماع الأمانة العامة على الجمع بين الباب الموارب مع الملك، ودعم وتثبيت الثقة ببنبكيران، وتحميل خصومه مسؤولية عدم تشكيل الحكومة، وهي مساحة السعيُ فيها، بين حقل اشواك صعب، ولا بد له من توازنات دقيقة تحكمه، وهي في مجمل تقدير الموقف، تعتبر تماسكا إيجابيا للعدالة.
ستبقى الآن مسؤولية ما الذي يستطيع أن يقدمه د. سعد الدين العثماني، وخاصة في ظل الترويكة السياسية ذاتها، وبعد مستوى الإنجاز الذي حققه شريك الفكر والعمر السياسي ورفيقه د. بنكيران، ولعل البعض يتخوف من قضية فشل المفكر في العمل السياسي، وهو تخوف في محله، وإن كان د. العثماني تولى وزارة الخارجية، لكن مسؤولية رئاسة الوزراء مختلفة، والبعض يحتج بتجربة تركيا، عبر المفكر د. احمد داوود اوغلو، ويعتبرونها فشل سياسي في قرار استقالته الأخير، وهذا غير صحيح.
فاستراتيجية د. احمد داوود اوغلو نجحت في حقب مهمة، ورسّخت اختراق تاريخي، تقدم به «العدالة» التركي مساحة كبيرة ومهمة، وحين أظهرت انتخابات حزيران يونيو 2015، بعض الأخطاء الكبيرة للحزب، عاد لتصحيحيها بقيادة اوغلو، وانتصر في انتخابات نوفمبر من نفس العام.
وأمام د. العثماني أيضا مسألة الكاريزما التي كسبها د. بنكيران، وحيوية التفاعل والخطاب، لتتحول إلى مواصلة النجاحات الممكنة لعهدة «العدالة»، والبناء على ما تحقق سابقاً لصالح الشعب، والاستعداد الشخصي والحزبي، للتحوّل إلى المعارضة، حين يكون الخيار إما فشل ومواجهة سخط شعبي، أو الاصطدام بتابو الفيتو الذي حاصر بنكيران مجدداً، حينها لن يكون الأمر مواجهة مع المخزن ولكن قاعدة لعبة، تُبقي علاقة الإسلاميين بالشعب وبالاستقرار السياسي معاً.
بقلم : مهنا الحبيل
وقبول «العدالة» بهذا المستوى كان تحدياً مهماً في ذاته، ولذلك أعاد عزل د. عبد الإله بنكيران، ووقف مشروعه ومشروع «العدالة» الإصلاحي، سؤال المعترضين، على أفق الربيع المغربي، بين اليسار إلى جماعة الإمام الراحل عبد السلام ياسين، وكأنهم يقولون ألم نقل لكم، لا إصلاح دون تعديل صلاحيات المخزن، وربط الأفق الدستوري بسلطات الشعب مع بقاء العهدة الملكية، لوحدة الدولة الاجتماعية وهويتها الفكرية، وقد سبق أن تطرقنا للرأيين في مقال سابق في «الوطن».
غير أن السؤال الذي يُطرح على هذا الموقف ذاته، هو أين يُذهب بالمغرب ومستوى الاستقرار الاجتماعي، والتداول السياسي الذي تحقق رغم جوانب الأزمة وتحييد الديمقراطية الكبير فيها، لو اختار الإسلاميون المصادمة، وهو سؤال حرج يملك جزء من جانبه «المخزن» ذاته.
وأما الموقف مما يشاع، من أن قرار عزل بنكيران، هو مقدمة لطي التوافق السياسي الذي دشنه الدستور الجديد، والذي استبق به الملك محمد السادس أي مساحة للمواجهة، خلال رياح الربيع العربي، فرغم أن الملك هاجم الربيع العربي، بصورة غير مسبوقة في قمة الرياض الخليجية، إلّا أنني استبعد هذا التوجه، وهو فض تلك العهدة الوطنية التوافقية الجديدة، وشراكة الإسلاميين فيها، فهي اليوم قاعدة متينة للاستقرار الوطني، ولا يوجد أي مبرر لهدمها، وهو ما أظن انه سيبقى ثابتاً في توجهات الملك، كمصلحة للعهد السياسي له، وللمصلحة القومية الكبرى للدولة.
وهذا يعيدنا إلى ما هي دلائل النجاح المجملة لفترة بنكيران، وهي تتلخص في محافظته على مبادئ الإصلاح، وتوسيع الهامش الديمقراطي، كآلة تنفيذ حكومية تنحاز للشعب، ورفض معادلات الحصار المشروطة عليه، في عهدته، أو في تكليفه الأخير من شركاء العمل السياسي، والمتنفذين فوق الدستور.
ومن خلال الإمكانيات المتاحة، وصراع الهوامش الصعب في التجربة المغربية والعربية، فإن نجاة العهدة من الفساد، وتمسكها بمصالح الشعب، معيار مهم، لا يمكن إغفاله في تقييم بنكيران وحزبه.
ويدخل «العدالة» اليوم، في بعد أكثر حساسية، حيث قبوله بالتكليف بعد تسمية الملك د. سعد الدين العثماني، وضَعَهُ أمام احتجاج شعبي ضمني، لماذا لم تتحول «العدالة»، إلى المعارضة ليواصل نجاحه وتقدمه في الانتخابات المقبلة، لكن أهل المغرب ومن يعرف إشكالية الرفض المباشر، ومواجهة المخزن، يُدرك أنه تحدٍ قد يهدد كل التجربة السياسية للعدالة، ومن باب آخر يُعرض الحالة التوافقية للانهيار.
ولذلك حرص الحزب بعد اجتماع الأمانة العامة على الجمع بين الباب الموارب مع الملك، ودعم وتثبيت الثقة ببنبكيران، وتحميل خصومه مسؤولية عدم تشكيل الحكومة، وهي مساحة السعيُ فيها، بين حقل اشواك صعب، ولا بد له من توازنات دقيقة تحكمه، وهي في مجمل تقدير الموقف، تعتبر تماسكا إيجابيا للعدالة.
ستبقى الآن مسؤولية ما الذي يستطيع أن يقدمه د. سعد الدين العثماني، وخاصة في ظل الترويكة السياسية ذاتها، وبعد مستوى الإنجاز الذي حققه شريك الفكر والعمر السياسي ورفيقه د. بنكيران، ولعل البعض يتخوف من قضية فشل المفكر في العمل السياسي، وهو تخوف في محله، وإن كان د. العثماني تولى وزارة الخارجية، لكن مسؤولية رئاسة الوزراء مختلفة، والبعض يحتج بتجربة تركيا، عبر المفكر د. احمد داوود اوغلو، ويعتبرونها فشل سياسي في قرار استقالته الأخير، وهذا غير صحيح.
فاستراتيجية د. احمد داوود اوغلو نجحت في حقب مهمة، ورسّخت اختراق تاريخي، تقدم به «العدالة» التركي مساحة كبيرة ومهمة، وحين أظهرت انتخابات حزيران يونيو 2015، بعض الأخطاء الكبيرة للحزب، عاد لتصحيحيها بقيادة اوغلو، وانتصر في انتخابات نوفمبر من نفس العام.
وأمام د. العثماني أيضا مسألة الكاريزما التي كسبها د. بنكيران، وحيوية التفاعل والخطاب، لتتحول إلى مواصلة النجاحات الممكنة لعهدة «العدالة»، والبناء على ما تحقق سابقاً لصالح الشعب، والاستعداد الشخصي والحزبي، للتحوّل إلى المعارضة، حين يكون الخيار إما فشل ومواجهة سخط شعبي، أو الاصطدام بتابو الفيتو الذي حاصر بنكيران مجدداً، حينها لن يكون الأمر مواجهة مع المخزن ولكن قاعدة لعبة، تُبقي علاقة الإسلاميين بالشعب وبالاستقرار السياسي معاً.
بقلم : مهنا الحبيل