+ A
A -
عندما استقر المفكرون السياسيون والعسكريون الأميركيون في عام 1989 من خلال ورش عمل مختصة بمستقبل الحروب، على مفهوم حرب الجيل الرابع، كان تصورهم أن الحرب تدخل بالفعل حقبة جديدة، تنتقل بها من المراحل التقليدية للحروب السابقة التي تعتمد على مواجهات مسلحة من جيوش دول متحاربة، إلى النفاذ إلى داخل مجتمع الدولة المستهدفة، لإدارة المعارك في داخلها، وهي معارك تستخدم ما يمكن وصفه بالقوة الناعمة، التي تركز على تدمير الإرادة السياسية للعدو، والتأثير التدميري على عقول صناع القرار السياسي.
وكانت هناك بحوث تجريها وزارة الدفاع الأميركية استمرت لعشر سنوات وجهت الاهتمام بقوة نحو حرب التكنولوجيا الحديثة، باعتبارها أداة أساسية في آليات حرب الجيل الرابع، من خلال استخدام كافة أساليب الحرب النفسية للنفاذ إلى عقل المجتمع المستهدف، سواء بتشكيكه في نفسه، وفي قدراته، أو بإحداث انقسامات وصراعات داخلية، تفكك المجتمع، والوصول بالإرادة الجمعية للمجتمع إلى حالة تقويض غريزة البقاء لدى الإنسان.
واتفق المشاركون في صياغة مفهوم حرب الجيل الرابع، على المعنى القائل إن العقول هي الهدف الذي يتجه إليه الهجوم، ليسبق بذلك استهداف القوات المحاربة، والمنشآت العسكرية للدولة الأخرى.
وهذا النوع من الحروب، يوفر على الدولة التي تديرها، ما كانت تتكبده في الحروب التقليدية القديمة، من خسائر بشرية في صفوف جنودها، ومن أموال باهظة تقتضيها ضرورات الحشد العسكري للمقاتلين، وانتقالهم إلى مناطق المواجهة، ومن إنفاق بالمليارات، وهي أشياء لم تعد شعوب القوى الكبرى على استعداد لتحملها، في ظروف تزايد المشكلات المالية والاقتصادية لهذه القوى.
وطبقا لما ورد في دراسة صادرة في الولايات المتحدة عام 2004، بعنوان
GLOBAL GUERRILLAS – FOURTH GENERATION WAR
حرب العصابات العالمية حرب الجيل الرابع، لا يدخلون في مواجهات مباشرة مع القوات المسلحة للدولة المستهدفة، لكنهم يستهدفون مجتمعها من الداخل. وأن هذه الحرب تختار أحيانا مناطق في خلفية الدولة، أي في ساحات خارج المدن، سواء كانت فراغا عمرانيا، أو صحراوات، حتى تستطيع أن تقيم فيها لنفسها وجودا منعزلا عن الدولة، وتبني لنفسها نوعا من المستعمرات التي تديرها بنفسها، وهو النمط الذي أقامته منظمات الإرهاب في سيناء، مستغلة المساحات الشاسعة بها، والخالية من الوجود السكاني.
ويتصل مباشرة بما جاء في هذه الدراسة، ما أوردته مصادر بحثية أخرى في الولايات المتحدة وأوروبا، عن تبني الغرب مفهوم الوكلاء المحليين المسلحين، ليقوموا نيابة عن الدولة الأجنبية، بتنفيذ جانب مهم وأساسي من خطط حرب الجيل الرابع، وهو الدور الذي تلعبه بشكل واضح المنظمات الإرهابية، في سيناء، وفي سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا.
ووفق ما اتفق عليه الذين صاغوا مفهوم حرب الجيل الرابع في أميركا عام 1989، فإن هؤلاء الوكلاء، ليسوا قوة مستقلة بذاتها، ولكنهم يقاتلون بالوكالة عن أطراف خارجية تستخدمهم كعملاء. FIGHTING PROXY وهو تطبيق عملي بعقود حرب الجيل الرابع من حيث بقاء القوة الأجنبية المحركة لهذه الصراعات، بعيدا عن ميادينها، وعن خطوط المواجهة المباشرة التي لم تعد لها ضرورة، في وجود الوكلاء المحليين، الذين تتدفق عليهم الكميات الهائلة من الأسلحة المتقدمة، والتمويل الذي يمول أعمالهم.
وحسب ما ذكره الكولونيل توماس هامز في كتابه «الحروب في القرن الحادي والعشرين»، فإن على أميركا أن تكون مستعدة لخوض حرب لا تتوقف عند وقوع الصدام فحسب، بل تمتد لسنوات قد تطول.
إن ما تتعرض له بلادنا العربية، من تدفق غير مسبوق لجماعات تتعدد جنسياتها، إلى جانب من تجذبهم من عناصر محلية شاردة، لم يكن ظاهرة ظهرت فجأة لظروف محلية فحسب، لكنها كانت في الأساس تنفيذا لمخططات خارجية بدأت عمليا في عام 1989، واستغلت بالطبع الظروف المحلية التي تهيئ لها مناخا يساعدها على إشعال هذا الشكل المتغير من الحروب.
بقلم : عاطف الغمري
وكانت هناك بحوث تجريها وزارة الدفاع الأميركية استمرت لعشر سنوات وجهت الاهتمام بقوة نحو حرب التكنولوجيا الحديثة، باعتبارها أداة أساسية في آليات حرب الجيل الرابع، من خلال استخدام كافة أساليب الحرب النفسية للنفاذ إلى عقل المجتمع المستهدف، سواء بتشكيكه في نفسه، وفي قدراته، أو بإحداث انقسامات وصراعات داخلية، تفكك المجتمع، والوصول بالإرادة الجمعية للمجتمع إلى حالة تقويض غريزة البقاء لدى الإنسان.
واتفق المشاركون في صياغة مفهوم حرب الجيل الرابع، على المعنى القائل إن العقول هي الهدف الذي يتجه إليه الهجوم، ليسبق بذلك استهداف القوات المحاربة، والمنشآت العسكرية للدولة الأخرى.
وهذا النوع من الحروب، يوفر على الدولة التي تديرها، ما كانت تتكبده في الحروب التقليدية القديمة، من خسائر بشرية في صفوف جنودها، ومن أموال باهظة تقتضيها ضرورات الحشد العسكري للمقاتلين، وانتقالهم إلى مناطق المواجهة، ومن إنفاق بالمليارات، وهي أشياء لم تعد شعوب القوى الكبرى على استعداد لتحملها، في ظروف تزايد المشكلات المالية والاقتصادية لهذه القوى.
وطبقا لما ورد في دراسة صادرة في الولايات المتحدة عام 2004، بعنوان
GLOBAL GUERRILLAS – FOURTH GENERATION WAR
حرب العصابات العالمية حرب الجيل الرابع، لا يدخلون في مواجهات مباشرة مع القوات المسلحة للدولة المستهدفة، لكنهم يستهدفون مجتمعها من الداخل. وأن هذه الحرب تختار أحيانا مناطق في خلفية الدولة، أي في ساحات خارج المدن، سواء كانت فراغا عمرانيا، أو صحراوات، حتى تستطيع أن تقيم فيها لنفسها وجودا منعزلا عن الدولة، وتبني لنفسها نوعا من المستعمرات التي تديرها بنفسها، وهو النمط الذي أقامته منظمات الإرهاب في سيناء، مستغلة المساحات الشاسعة بها، والخالية من الوجود السكاني.
ويتصل مباشرة بما جاء في هذه الدراسة، ما أوردته مصادر بحثية أخرى في الولايات المتحدة وأوروبا، عن تبني الغرب مفهوم الوكلاء المحليين المسلحين، ليقوموا نيابة عن الدولة الأجنبية، بتنفيذ جانب مهم وأساسي من خطط حرب الجيل الرابع، وهو الدور الذي تلعبه بشكل واضح المنظمات الإرهابية، في سيناء، وفي سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا.
ووفق ما اتفق عليه الذين صاغوا مفهوم حرب الجيل الرابع في أميركا عام 1989، فإن هؤلاء الوكلاء، ليسوا قوة مستقلة بذاتها، ولكنهم يقاتلون بالوكالة عن أطراف خارجية تستخدمهم كعملاء. FIGHTING PROXY وهو تطبيق عملي بعقود حرب الجيل الرابع من حيث بقاء القوة الأجنبية المحركة لهذه الصراعات، بعيدا عن ميادينها، وعن خطوط المواجهة المباشرة التي لم تعد لها ضرورة، في وجود الوكلاء المحليين، الذين تتدفق عليهم الكميات الهائلة من الأسلحة المتقدمة، والتمويل الذي يمول أعمالهم.
وحسب ما ذكره الكولونيل توماس هامز في كتابه «الحروب في القرن الحادي والعشرين»، فإن على أميركا أن تكون مستعدة لخوض حرب لا تتوقف عند وقوع الصدام فحسب، بل تمتد لسنوات قد تطول.
إن ما تتعرض له بلادنا العربية، من تدفق غير مسبوق لجماعات تتعدد جنسياتها، إلى جانب من تجذبهم من عناصر محلية شاردة، لم يكن ظاهرة ظهرت فجأة لظروف محلية فحسب، لكنها كانت في الأساس تنفيذا لمخططات خارجية بدأت عمليا في عام 1989، واستغلت بالطبع الظروف المحلية التي تهيئ لها مناخا يساعدها على إشعال هذا الشكل المتغير من الحروب.
بقلم : عاطف الغمري