نجحت أحيانا وأخفقت مرارا..
هذا هو حال جامعتنا العربية، وقد عقدت اجتماعات دورتها العادية الثامنة والعشرين، على مستوى القمة، وهو ما يعيدنا إلى السؤال الذي بقي دون إجابة حتى اليوم: أين الخلل..؟!
البعض يعيد الفشل إلى الجامعة كمؤسسة، والبعض يرى فيها انعكاسا لحال الدول العربية، وأنا شخصيا أميل إلى فكرة أن الجامعة كمؤسسة هي مرآتنا جميعا، تفشل بفشلنا، وتنهض بنجاحاتنا، لكن هذه النجاحات كانت محدودة، لذلك «كبت» الجامعة وطالت كبوتها.
قامت جامعة الدول العربية في 22 مارس 1945، بهدف ترسيخ وتقوية العلاقات بين أعضائها، ورسم سياسات اقتصاديّة، واجتماعية، وثقافية، وأمنية، لتحقيق التعاون وحماية الأمن العربي المشترك.
المتأمل في المشهد الراهن اليوم سوف يخلص سريعا إلى أن الجامعة العربية، التي احتفلت منذ بضعة أيام بمرور «72» عاماً على نشأتها، فشلت فشلا ذريعا، وهو محق، لكن الصورة أكثر تعقيدا بكثير، ذلك أن هذا الفشل لا يمكن إرجاعه إلى الجامعة كمؤسسة وإطار للعمل المشترك، وإنما إلى الدول الأعضاء الذين ساهموا بشكل أو بآخر فيما آلت إليه الأمور.
وللإنصاف، فإن عوامل الفشل تعود إلى أسباب خارجية أيضا، ذلك أن الجامعة قامت أساسا في ظل ظروف دولية كانت سائدة آنذاك، الأمر الذي طبع نشأتها ودفع بها إلى مسارات لم يكن في مقدور أحد تجنبها.
يبلغ المجموع الكلي لمساحة الدول الأعضاء في الجامعة العربية 13.953.041 كم²، وهذا يجعلها الثانية عالمياً بعد روسيا، وتشير إحصاءات 2007 إلى وجود 339.510.535 نسمة فيها، بمجموع سكان هو الرابع عالمياً بعد الصين، الهند، والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يثير الكثير من الشكوك حول موقف القوى العالمية منها، ذلك أن استثمار هذه المساحة، واستغلال ثروتها البشرية، بالإضافة إلى ثرواتها الأخرى سوف يجعل منها أحد أقوى الكيانات في العالم، وهو أمر لا تريد هذه القوى أن تراه واقعا على الأرض.
لست في وارد الحديث عن النشأة والتاريخ والجغرافيا والظروف والملابسات، فهذه معروفة للقارئ الكريم، لكن هناك ما يتعين التوقف عنده قبل الحديث عن القمة الحالية، وهو أن هذه المؤسسة بحاجة إلى إصلاح حقيقي لتحويلها إلى قاعدة لعمل مشترك من شأنه تحقيق تطلعات العرب، وحماية أمنهم، وتطوير اقتصاداتهم، ومواجهة التحديات التي تواجههم، وهم يمتلكون كل هذه الإمكانات، وهي هائلة.
لنعد إلى القمم السابقة، وكانت جميعها تنعقد في ظروف ومنعطفات تاريخية، لكنها جميعا لم تثمر عن أي نتائج، والآن، فإن هذه القمة انعقدت في ظل ظروف هي الأخطر على الإطلاق، وربما تنعقد القمة المقبلة في ظروف أكثر خطورة بكثير، ما لم ندرك جميعا أن الوقت بدأ ينفد، وربما يكون قد نفد بالفعل، مع انعقاد القمة المقبلة.
استمعت إلى كلمات المشاركين في أعمال هذه القمة، قارنت الأولويات التي وردت على ألسنة المتحدثين، وعادت بي الذاكرة إلى الكثير من الكلمات التي ألقيت في القمم السابقة، ولم تخرج في مجموعها عن فكرة أن «قمتنا تنعقد وسط ظروف وتحديات تاريخية»، مع إضافة بعض النكسات والمآسي الجديدة التي أضافت أبعادا أخرى للأوضاع المأساوية القائمة منذ عقود، وعلى رأسها قضية اللاجئين المروعة.
سمعت تحذيرات من خطورة التدخلات الخارجية في شؤون المنطقة، والعديد من الدول العربية تعج بهذه التدخلات التي أخذت أبعادا غير مسبوقة، ومن ذلك التواجد العسكري الأجنبي، والميليشيات والمرتزقة، والسفن الأجنبية التي تنقل السلاح لعصابات وميليشيات رهنت أوطانها ومستقبل شعوبها لهذه القوى.
خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، استوقفني طويلا، فهو جاء خارج السياق الذي اعتدنا سماعه، لم تكن كلمة صاحب السمو من هذا النوع، كانت كلمة قائد عروبي يحمل همَّ أمته.
كلمة شاملة متكاملة، وصفت الداء، واقترحت الدواء لأمراض إن تفاقمت فسوف تصبح عصية على العلاج.
في قراءة للخطاب السامي لابد من التوقف أمام بدايته، فهو لم يكتف بالتأكيد على خطورة المرحلة الراهنة، وإنما قدم مجموعة من المقترحات الهامة لتجاوز هذه المرحلة:
التحلي بالواقعية والصراحة والوعي.
تطابق الأقوال والأفعال لتجنيب أمتنا العربية المخاطر.
التضامن العربي الحقيقي لتحقيق التطلعات.
توحيد الرؤى ومواجهة مختلف التحديات.
نحن أمام خطة واضحة، فعبر الواقعية والصراحة والوعي يمكن تداول كل القضايا بروح إيجابية، ويمكن التوصل إلى تضامن حقيقي فعال، يقود إلى توحيد الرؤى ومواجهة التحديات.
لم يغفل سموه وجود تباينات، لذلك كان واضحا للغاية في هذه النقطة تحديدا:
«لا توجد اختلافات أو خلافات تستعصي على الحل بين الأشقاء. وحتى إن وُجِدَت، على الرغم من كل الجهود، فلا يجوز أن تؤثّر على مجالات التعاون التي تهم مواطنينا ومجتمعاتنا».
هذا الفصل بين الاختلافات هو كلمة السر للتقدم الذي ننشده، عبر الفصل التام بين الاختلافات السياسية وبين مجالات التعاون المختلفة التي تهم شعوبنا ومجتمعاتنا.
هذه البداية الموجزة انطوت على رؤية عميقة ثاقبة، رؤية قائد عربي مهموم بقضايا الأمة، يحمل آمالها وأحلامها، ويسعى لترجمتها على أرض الواقع، متى تطابقت الأقوال بالأفعال، ومتى ما تحلينا بالصراحة والواقعية، بعيدا عن كل الأساليب التي اختبرناها حتى الآن، وانتهت إلى فشل ذريع.
إذ هو الفصل بين السياسة وبين القضايا الأخرى، الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية، وعندما نتمكن من تحقيق ذلك، فإن الخلافات أو الاختلافات السياسية سوف تنتهي وتزول تلقائيا.
إنها وصفة النجاح ومنهاج العمل الذي يتعين علينا أن نسلكه إن أردنا الخير لأوطاننا وشعوبنا، لذلك اختتم سموه قائلا إن دولة قطر ستظل على عهدها، لا تألو جهداً في المساهمة الفاعلة في العمل العربي المشترك من أجل تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة لشعوبنا.
هذا هو ديدن قطر، ورؤيتها، ومواقفها، وما بين البداية والنهاية كان لصاحب السمو وقفات مشهودة، عبر فيها باسم العرب جميعا عن كل ما يؤرقهم ويشغلهم، وكانت القضية الفلسطينية في الصدارة، كما هو العهد، حيث مواقف قطر ثاقبة قوية لجهة دعم الشعب الفلسطيني، والوقوف إلى جانبه ومساندته من أجل نيل حقوقه المشروعة، أشار صاحب السمو لموضوع توحيد الصف الفلسطيني باعتباره ركيزةً أساسية في إنهاء الاحتلال، فلا معنى ولا جدوى للخلاف على سلطة بلا سيادة في ظل بقاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية، فلن تقوم دولة بدون غزة ولن تقوم دولة في غزة، كما قال سموه، حفظه الله، وفي ذلك اختصار له دلالاته، يضع المسؤولين الفلسطينيين والعرب جميعا أمام مسؤولية تاريخية كبيرة من أجل الدفع باتجاه تحقيق الوحدة الوطنية في أسرع وقت ممكن.
في الشأن السوري، مازالت قطر على موقفها الإنساني والسياسي، لقد عبر صاحب السمو عن ذلك بكل صراحة: «لا يمكن الفصل بين واجبنا الإنساني والسياسي تجاه هذا الشعب»، وهذا ما أكدته قطر عبر سنوات الصراع، حيث دعمت الشعب السوري لنيل حقوقه في الحرية والكرامة، عبر كل منبر وفي كل مناسبة، دون أن تنسى معاناة هذا الشعب الناجمة عن تجاوزات النظام وجرائمه، حيث قدمت قطر الغالي والنفيس لمده بأسباب الحياة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
في الشأن الليبي، كرر صاحب السمو مواقف قطر الداعمة لحكومة الوفاق الوطني الشرعية لكي تقوم بكامل مهامها في وضع حد لمعاناة الشعب الليبي الشقيق ومجابهة خطر التنظيمات الإرهابية وإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع ليبيا.
كما جدد سموه حرص قطر على وحدة واستقلال اليمن وسلامة أراضيه، وعلى دعم الشرعية الدستورية، وصولا إلى الحل السياسي وفقا لمرجعية المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني اليمني وقرارات الشرعية الدولية.
أما في موضوع الإرهاب، فأعتقد أن ما قاله صاحب السمو قد جاء بمثابة خطة حقيقية للقضاء على هذه الآفة واستئصالها، وقد حدد سموه ما يمكن اعتباره الوسيلة المثلى لمواجهته عبر مجموعة من الشروط هي:
التوافق على رؤية مشتركة.
إيجاد مقاربة شاملة تتضمن كل الأبعاد السياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية لاجتثاث هذا الوباء.
عدم الانسياق وراء اعتبار تيارات سياسية نختلف معها إرهابية، على الرغم من أنها ليست كذلك.
التنبه إلى وجود ميليشيات إرهابية من مذاهب مختلفة ترتكب جرائم ضد المدنيين والمرافق المدنية لأهداف سياسية بعلم وأحياناً برضى حكوماتهم.
الاهتمام بالتنمية الإنسانية، بما فيها التعليم.
المساواة أمام القانون.
معالجة الحرمان واليأس وانعدام الأفق.
وقف إذلال الناس في المعتقلات والسجون، سواء أكان بسبب الاحتلال أم الطغيان.
تكريس حكم القانون والقضاء على سياسات الإقصاء والتهميش.
وفي هذا السياق أشار صاحب السمو إلى قضية في غاية الأهمية، عندما أكد على ضرورة عدم السكوت على التحريض ضد حضارتنا العربية والإسلامية، وبث سموم الكراهية ضد المسلمين، خلال تنافس الأحزاب والقوى الشعبوية في الغرب، وهو موقف في غاية الأهمية لابد من التعاون معه من خلال تنسيق عربي مشترك لوضع حد لهذه الحملات التي تستهدف تاريخنا ككل.
مع كل كلمة كان يزداد فخري، ومع كل عبارة كنت أشعر باطمئنان أكبر، ومع كل جملة صارت رؤيتي أفضل للمستقبل.
لو سألت أي مواطن عربي عن اجتماعات القمة العربية لوجدت عدم الاهتمام، وكنت أشعر كما يشعرون، لكن بوجود زعماء بحجم صاحب السمو ورؤيته لا بد من حدوث تغيير، يعيد للمواطن العربي ثقته بأمته، ويعيد له إيمانه بأن المستقبل سيكون لأصحاب الرؤى والمواقف، الذين يعملون بشجاعة وإخلاص من أجل خير أمتنا..
ونختم بقوله تعالى:
«كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ»
- محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
هذا هو حال جامعتنا العربية، وقد عقدت اجتماعات دورتها العادية الثامنة والعشرين، على مستوى القمة، وهو ما يعيدنا إلى السؤال الذي بقي دون إجابة حتى اليوم: أين الخلل..؟!
البعض يعيد الفشل إلى الجامعة كمؤسسة، والبعض يرى فيها انعكاسا لحال الدول العربية، وأنا شخصيا أميل إلى فكرة أن الجامعة كمؤسسة هي مرآتنا جميعا، تفشل بفشلنا، وتنهض بنجاحاتنا، لكن هذه النجاحات كانت محدودة، لذلك «كبت» الجامعة وطالت كبوتها.
قامت جامعة الدول العربية في 22 مارس 1945، بهدف ترسيخ وتقوية العلاقات بين أعضائها، ورسم سياسات اقتصاديّة، واجتماعية، وثقافية، وأمنية، لتحقيق التعاون وحماية الأمن العربي المشترك.
المتأمل في المشهد الراهن اليوم سوف يخلص سريعا إلى أن الجامعة العربية، التي احتفلت منذ بضعة أيام بمرور «72» عاماً على نشأتها، فشلت فشلا ذريعا، وهو محق، لكن الصورة أكثر تعقيدا بكثير، ذلك أن هذا الفشل لا يمكن إرجاعه إلى الجامعة كمؤسسة وإطار للعمل المشترك، وإنما إلى الدول الأعضاء الذين ساهموا بشكل أو بآخر فيما آلت إليه الأمور.
وللإنصاف، فإن عوامل الفشل تعود إلى أسباب خارجية أيضا، ذلك أن الجامعة قامت أساسا في ظل ظروف دولية كانت سائدة آنذاك، الأمر الذي طبع نشأتها ودفع بها إلى مسارات لم يكن في مقدور أحد تجنبها.
يبلغ المجموع الكلي لمساحة الدول الأعضاء في الجامعة العربية 13.953.041 كم²، وهذا يجعلها الثانية عالمياً بعد روسيا، وتشير إحصاءات 2007 إلى وجود 339.510.535 نسمة فيها، بمجموع سكان هو الرابع عالمياً بعد الصين، الهند، والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يثير الكثير من الشكوك حول موقف القوى العالمية منها، ذلك أن استثمار هذه المساحة، واستغلال ثروتها البشرية، بالإضافة إلى ثرواتها الأخرى سوف يجعل منها أحد أقوى الكيانات في العالم، وهو أمر لا تريد هذه القوى أن تراه واقعا على الأرض.
لست في وارد الحديث عن النشأة والتاريخ والجغرافيا والظروف والملابسات، فهذه معروفة للقارئ الكريم، لكن هناك ما يتعين التوقف عنده قبل الحديث عن القمة الحالية، وهو أن هذه المؤسسة بحاجة إلى إصلاح حقيقي لتحويلها إلى قاعدة لعمل مشترك من شأنه تحقيق تطلعات العرب، وحماية أمنهم، وتطوير اقتصاداتهم، ومواجهة التحديات التي تواجههم، وهم يمتلكون كل هذه الإمكانات، وهي هائلة.
لنعد إلى القمم السابقة، وكانت جميعها تنعقد في ظروف ومنعطفات تاريخية، لكنها جميعا لم تثمر عن أي نتائج، والآن، فإن هذه القمة انعقدت في ظل ظروف هي الأخطر على الإطلاق، وربما تنعقد القمة المقبلة في ظروف أكثر خطورة بكثير، ما لم ندرك جميعا أن الوقت بدأ ينفد، وربما يكون قد نفد بالفعل، مع انعقاد القمة المقبلة.
استمعت إلى كلمات المشاركين في أعمال هذه القمة، قارنت الأولويات التي وردت على ألسنة المتحدثين، وعادت بي الذاكرة إلى الكثير من الكلمات التي ألقيت في القمم السابقة، ولم تخرج في مجموعها عن فكرة أن «قمتنا تنعقد وسط ظروف وتحديات تاريخية»، مع إضافة بعض النكسات والمآسي الجديدة التي أضافت أبعادا أخرى للأوضاع المأساوية القائمة منذ عقود، وعلى رأسها قضية اللاجئين المروعة.
سمعت تحذيرات من خطورة التدخلات الخارجية في شؤون المنطقة، والعديد من الدول العربية تعج بهذه التدخلات التي أخذت أبعادا غير مسبوقة، ومن ذلك التواجد العسكري الأجنبي، والميليشيات والمرتزقة، والسفن الأجنبية التي تنقل السلاح لعصابات وميليشيات رهنت أوطانها ومستقبل شعوبها لهذه القوى.
خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، استوقفني طويلا، فهو جاء خارج السياق الذي اعتدنا سماعه، لم تكن كلمة صاحب السمو من هذا النوع، كانت كلمة قائد عروبي يحمل همَّ أمته.
كلمة شاملة متكاملة، وصفت الداء، واقترحت الدواء لأمراض إن تفاقمت فسوف تصبح عصية على العلاج.
في قراءة للخطاب السامي لابد من التوقف أمام بدايته، فهو لم يكتف بالتأكيد على خطورة المرحلة الراهنة، وإنما قدم مجموعة من المقترحات الهامة لتجاوز هذه المرحلة:
التحلي بالواقعية والصراحة والوعي.
تطابق الأقوال والأفعال لتجنيب أمتنا العربية المخاطر.
التضامن العربي الحقيقي لتحقيق التطلعات.
توحيد الرؤى ومواجهة مختلف التحديات.
نحن أمام خطة واضحة، فعبر الواقعية والصراحة والوعي يمكن تداول كل القضايا بروح إيجابية، ويمكن التوصل إلى تضامن حقيقي فعال، يقود إلى توحيد الرؤى ومواجهة التحديات.
لم يغفل سموه وجود تباينات، لذلك كان واضحا للغاية في هذه النقطة تحديدا:
«لا توجد اختلافات أو خلافات تستعصي على الحل بين الأشقاء. وحتى إن وُجِدَت، على الرغم من كل الجهود، فلا يجوز أن تؤثّر على مجالات التعاون التي تهم مواطنينا ومجتمعاتنا».
هذا الفصل بين الاختلافات هو كلمة السر للتقدم الذي ننشده، عبر الفصل التام بين الاختلافات السياسية وبين مجالات التعاون المختلفة التي تهم شعوبنا ومجتمعاتنا.
هذه البداية الموجزة انطوت على رؤية عميقة ثاقبة، رؤية قائد عربي مهموم بقضايا الأمة، يحمل آمالها وأحلامها، ويسعى لترجمتها على أرض الواقع، متى تطابقت الأقوال بالأفعال، ومتى ما تحلينا بالصراحة والواقعية، بعيدا عن كل الأساليب التي اختبرناها حتى الآن، وانتهت إلى فشل ذريع.
إذ هو الفصل بين السياسة وبين القضايا الأخرى، الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية، وعندما نتمكن من تحقيق ذلك، فإن الخلافات أو الاختلافات السياسية سوف تنتهي وتزول تلقائيا.
إنها وصفة النجاح ومنهاج العمل الذي يتعين علينا أن نسلكه إن أردنا الخير لأوطاننا وشعوبنا، لذلك اختتم سموه قائلا إن دولة قطر ستظل على عهدها، لا تألو جهداً في المساهمة الفاعلة في العمل العربي المشترك من أجل تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة لشعوبنا.
هذا هو ديدن قطر، ورؤيتها، ومواقفها، وما بين البداية والنهاية كان لصاحب السمو وقفات مشهودة، عبر فيها باسم العرب جميعا عن كل ما يؤرقهم ويشغلهم، وكانت القضية الفلسطينية في الصدارة، كما هو العهد، حيث مواقف قطر ثاقبة قوية لجهة دعم الشعب الفلسطيني، والوقوف إلى جانبه ومساندته من أجل نيل حقوقه المشروعة، أشار صاحب السمو لموضوع توحيد الصف الفلسطيني باعتباره ركيزةً أساسية في إنهاء الاحتلال، فلا معنى ولا جدوى للخلاف على سلطة بلا سيادة في ظل بقاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية، فلن تقوم دولة بدون غزة ولن تقوم دولة في غزة، كما قال سموه، حفظه الله، وفي ذلك اختصار له دلالاته، يضع المسؤولين الفلسطينيين والعرب جميعا أمام مسؤولية تاريخية كبيرة من أجل الدفع باتجاه تحقيق الوحدة الوطنية في أسرع وقت ممكن.
في الشأن السوري، مازالت قطر على موقفها الإنساني والسياسي، لقد عبر صاحب السمو عن ذلك بكل صراحة: «لا يمكن الفصل بين واجبنا الإنساني والسياسي تجاه هذا الشعب»، وهذا ما أكدته قطر عبر سنوات الصراع، حيث دعمت الشعب السوري لنيل حقوقه في الحرية والكرامة، عبر كل منبر وفي كل مناسبة، دون أن تنسى معاناة هذا الشعب الناجمة عن تجاوزات النظام وجرائمه، حيث قدمت قطر الغالي والنفيس لمده بأسباب الحياة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
في الشأن الليبي، كرر صاحب السمو مواقف قطر الداعمة لحكومة الوفاق الوطني الشرعية لكي تقوم بكامل مهامها في وضع حد لمعاناة الشعب الليبي الشقيق ومجابهة خطر التنظيمات الإرهابية وإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع ليبيا.
كما جدد سموه حرص قطر على وحدة واستقلال اليمن وسلامة أراضيه، وعلى دعم الشرعية الدستورية، وصولا إلى الحل السياسي وفقا لمرجعية المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني اليمني وقرارات الشرعية الدولية.
أما في موضوع الإرهاب، فأعتقد أن ما قاله صاحب السمو قد جاء بمثابة خطة حقيقية للقضاء على هذه الآفة واستئصالها، وقد حدد سموه ما يمكن اعتباره الوسيلة المثلى لمواجهته عبر مجموعة من الشروط هي:
التوافق على رؤية مشتركة.
إيجاد مقاربة شاملة تتضمن كل الأبعاد السياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية لاجتثاث هذا الوباء.
عدم الانسياق وراء اعتبار تيارات سياسية نختلف معها إرهابية، على الرغم من أنها ليست كذلك.
التنبه إلى وجود ميليشيات إرهابية من مذاهب مختلفة ترتكب جرائم ضد المدنيين والمرافق المدنية لأهداف سياسية بعلم وأحياناً برضى حكوماتهم.
الاهتمام بالتنمية الإنسانية، بما فيها التعليم.
المساواة أمام القانون.
معالجة الحرمان واليأس وانعدام الأفق.
وقف إذلال الناس في المعتقلات والسجون، سواء أكان بسبب الاحتلال أم الطغيان.
تكريس حكم القانون والقضاء على سياسات الإقصاء والتهميش.
وفي هذا السياق أشار صاحب السمو إلى قضية في غاية الأهمية، عندما أكد على ضرورة عدم السكوت على التحريض ضد حضارتنا العربية والإسلامية، وبث سموم الكراهية ضد المسلمين، خلال تنافس الأحزاب والقوى الشعبوية في الغرب، وهو موقف في غاية الأهمية لابد من التعاون معه من خلال تنسيق عربي مشترك لوضع حد لهذه الحملات التي تستهدف تاريخنا ككل.
مع كل كلمة كان يزداد فخري، ومع كل عبارة كنت أشعر باطمئنان أكبر، ومع كل جملة صارت رؤيتي أفضل للمستقبل.
لو سألت أي مواطن عربي عن اجتماعات القمة العربية لوجدت عدم الاهتمام، وكنت أشعر كما يشعرون، لكن بوجود زعماء بحجم صاحب السمو ورؤيته لا بد من حدوث تغيير، يعيد للمواطن العربي ثقته بأمته، ويعيد له إيمانه بأن المستقبل سيكون لأصحاب الرؤى والمواقف، الذين يعملون بشجاعة وإخلاص من أجل خير أمتنا..
ونختم بقوله تعالى:
«كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ»
- محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول