أعقب اجتماع مدينة سلوق (50 كم جنوب غرب بنغازي الليبية)، اجتماعا في مدينة الأبرق (200 كم شرق بنغازي)، والفارق بين الاجتماعين كبير من عدة أوجه، أولها أن الأول كان جهدا اجتماعيا طوعيا لا علاقة للسلطة في الشرق به، بل لم تخف تخوفها منه ومعارضتها له، فيما كان ملتقى الأبرق عملا رسميا بامتياز. خطاب تجمع سلوق الذي ضم مكونات اجتماعية مثلت جل تكوينات الشرق الليبي، من بدو وحضر، ومختلف القبائل الرئيسية ممثلين عبر وجهاء معروفين، كان بنَّاء يجنح للسلم والوحدة وتكريس الديمقراطية عبر صندوق الانتخابات، واجتماع سلوق، الذي وُصف بالتاريخي حتى من قبل مبرزين من المعارضين لحفتر ومن ناصروه من بين الحاضرين للاجتماع، مثّل حالة متقدمة من الحراك الذي تشهده مدن الشرق الليبي منذ هزيمة حفتر وجيشه وداعميه. فقد كانت الغاية واضحة، وهي تقديم ليبيا والمصلحة العامة لليبيين بمختلف توجهاتهم واتجاهاتهم على المصالح الجهوية وعلى حكم الفرد والعائلة وعلى الاستقطاب السياسي. وبرغم وصول رسائل مباشرة وصريحة تعبر عن تحفظ حفتر وأنصاره على الاجتماع، وما تبع ذلك من إجراءات لمنع انعقاده، إلا أن وضوح الموقف لدى المنظمين والإصرار عليه كان كافيا لعقد الاجتماع، ولقد كان الحضور مؤشرا على تجذر هذا التوجه.اجتماع الأبرق ضروري لحفتر في محاولة للتغطية على اجتماع سلوق وردود الفعل القوية عليه في الشرق والغرب، وهو مهم بدرجة أكبر له؛ لأن مرور اجتماع سلوق دون رد مكافئ سينعكس سلبا على اتجاه الحوار والتفاوض في القاهرة، خاصة أنه جاء قبيل انطلاق الجولة الثالثة للحوار، المعنية بمسائل تهم حفتر؛ من بينها شروط الترشح للانتخابات الرئاسية. ليس من المستبعد أن يكون من بين أهداف ملتقى الأبرق الضغط على التكتل العريض الذي بات يناوئ حفتر في الشرق، أو لا يواليه في أفضل التقديرات، ذلك أن قبائل الشرق تتحسس بشكل كبير من الانقسام وتصدع النسيج الاجتماعي «البرقاوي»، فليس التهديد بالملاحقة الأمنية مجديا لوجهاء من قبائل وازنة، لكن اتهامهم بتمزيق اللُّحمة «البرقاوية» وتهديد الوئام الاجتماعي في الشرق، قد يدفعهم إلى مراجعة مشروعهم، الذي من المفترض أن يكون له برامجه ومناشطه الممتدة شرقا وغربا وجنوبا. إن وقع هذا، وهو ليس راجحا، فلا يعني أن حفتر لملم شعث نفوذه، ذلك أن المعادلة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، تدفع باتجاه تعميق الهوة بينه وبين الرأي العام في الشرق، وخيارات حفتر لأجل جسرها باتت اليوم محدودة. عربي 21