تعتبر دبلوماسية أي بلد أدقّ الخطط السياسية وأخطرها؛ لأنها وجه البلاد الخارجي ومحدد موقعه وصورته بين الأمم، بناء عليه فإن منصب وزير الخارجية يمثل ضمن الطيف السياسي أكثر المناصب حساسية ومسؤولية إذ هو يتعامل مع ملفات خارجية تختلف جذريا في سياقاتها وتداعياتها عن الملفات الداخلية. فالسياقات الخارجية تخضع لقوانين دولية ومتغيرات جيواستراتيجية غير ثابتة ولا يمكن التحكم فيها لكن الدبلوماسية ملزمة، رغم ذلك بالتعاطي مع هذه المتغيرات والتفاعل معها لتحقيق أكبر قدر من النجاحات وأقل نصيب من الخسائر.
هذا على المستوى العام أما على المستوى الخاص فإن دولة قطر قد رسمت لنفسها رؤيتها الخاصة على مستوى العلاقات الدولية سواء في الإقليم أو خارجه وهو ما يضاعف من التحديات التي تواجهها في محيط متقلب.
لقد برهنت قطر على القدرات النوعية للدبلوماسية القطرية برئاسة معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الذي حقق نجاحات هامة في تفكيك الألغام التي زرعت في طريق الرؤية القطرية. هذه الصعوبات كانت مزدوجة الخطورة لأنها من جهة أولى تتغذى من رغبات محمومة في شيطنة قطر، وهي من جهة ثانية صعوبات تندرج ضمن سياقات دولية حساسة تتعلق بعلاقات الدولة الصاعدة مع شركائها في الغرب خاصة وفي بقية دول العالم.
يبرز هذا النجاح أساسا في القدرة على إذابة الكتل الصخرية التي استهدفت منع النموذج القطري من بلوغ غايته في تحقيق الاشعاع المطلوب والذي توّج بتنظيم أهم المناسبات الرياضية العالمية في 2022، كما تمكنت قطر من التوسط في حسم أعقد الملفات الدولية مثل الملف الأفغاني.
لم يكن هذا النجاح ممكنا لولا القدرات الدبلوماسية التي حققتها الخارجية القطرية في الإيفاء بالتزاماتها الدولية كشريك فعال وثابت سواء في الموقف السياسي أو في الدعم الاقتصادي والطاقي. نجحت الدبلوماسية القطرية في إثبات زيف الادعاءات والأراجيف التي حاول البعض إلصاقها بها، واصطف كثيرون على أبواب الدوحة للتعبير عن حاجتهم إلى الإسناد القطري سواء في الملفات الدولية أو في قضايا الاقليمية.
لقد أكّدت الأحداث الأخيرة رصانة الموقف القطري وصلابته لأنه متأسس على مبدأ السيادة وفرض الرؤية المستندة بدورها إلى الحق في اتخاذ القرار المستقلّ.