في مباغتة جميلة ومن خلال البرنامج الناجح لقناة الجزيرة، قفز لدي اسم ضيف جديد لإحدى حلقات برنامج المقابلة الذي يقدمه أ. علي الظفيري، فأثار لديّ السؤال القديم، أين اختفى المفكر الإسلامي الكويتي إسماعيل الشطي، ولماذا غاب رجل الإعلام الصحفي الإسلامي الأول عن الساحة الفكرية؟ وهنا حكاية مهمة في تحرير سؤال الحضور والتواري، لرموز الفكر الإسلامي العربي.

وبالطبع ليس مجهولاً خلاف الشطي مع تيار الإخوان المسلمين، والذي كان أحد مواضيع الحلقة، وهل هو خلاف مع تيار أو تنظيم؟ يظل الجدل قائماً، ولن أستوفي هذا المسرح الضخم، الذي لا تزال دفاتره في أرشيف الفكر الإسلامي الحديث، ذات أهمية بالغة.

ولكن في الكويت على الأقل هناك ثلاث شخصيات كبرى في العمل الإسلامي، وجّهَت نقداً للتنظيم، كان د. عبدالله النفيسي أشهرهم، ومحاضراته وكتبه ولقاءاته معروفة، كما أن د. طارق السويدان مؤخراً في بودكاست بدون ورق، مثل النقد من الداخل، ولكن كان بميل شديد للتضامن مع الجماعة، والدفاع عن ارثها الفكري، تجاوز فيه عن أخطاء رئيسية، نظراً لما تتعرض له الجماعة اليوم من محن.

هنا للدكتور الشطي قصة أخرى مهمة، كون اختلافه فكريا منهجياً ومقاصدياً، وليس تموضعاً سياسياً، وذلك في تحديد معنى أن يحضر الإسلام في مرجعية الحياة العربية، وفي إطار قومي عربي، وهو نقدٌ سياسي بقاعدة فكرية، ولا يمكننا شرح كامل فكرة د. الشطي، وإن كنتُ شخصياً مهتماً للغاية بفهم رؤيته الجديدة.

رأس د. الشطي تحرير مجلة المجتمع الإسلامية في الكويت، لمدة طويلة مثلت فيه الصوت الإسلامي العربي، المعارض لسياسات بعض الأنظمة، والمواجه لتيارات علمانية عربية عديدة، كما أنها غطّت ذلك المشهد المهمش لمآسي المسلمين، والأقليات المسحوقة منهم، وشاركت حينها في نشر تصورات الفكر الإسلامي الحركي وغيره، وتفاعله مع المجتمع العربي، وفي المهجر الغربي، وأفادت الإسلاميين كثيراً في ظل الحصار الذي فُرض عليهم، فضلاً عن قضايا المسلمين المتعددة تربوياً وسياسياً، فكانت فارقاً مهما لبلاغ منبرهم.

وخاضت الصراع الفكري والسياسي معاً، ودعمت بعض التجارب التي أُعلنت لتطبيق الشريعة الإسلامية، أو استُغلت حين رفعتها أحزاب سياسية في سوق الصراع الصاخب، الذي كان محاطاً بقوى توظيف كبرى، تبين بعد زمن أن مشاركات الإسلاميين فيها، ضُبطت بقاعدة لعبة للأنظمة، وإن كان استغلال مساحة التقاطع مع الأنظمة العربية وغيرها، مسألة دقيقة لا تخص الإسلاميين وحدهم.

ولذلك لا يمكن أن يُحاسب الإسلاميون على استثمارهم في هذه اللعبة بالجملة، وفي ذات الوقت لا يمكننا اغفال النقد، وكان د. إسماعيل الشطي حينها يقود أبرز مجلة تمثل التوجه الإسلامي العربي، في عالم الصحافة، في ظل شراسة هجوم مشترك على الإسلاميين بل على الإسلام ذاته، في الإعلام الضخم الآخر.

وهي حالة ساهمت في اختناق الفكر الإسلامي، في ميدان صراع شرس، عطّل بالفعل مواصلة رحلة شروط النهضة والمعرفة الإسلامية معاً.

وبعد زلزال الغزو الآثم للنظام العراقي للكويت، والذي استثمر من الغرب بأسوأ وأبشع طريقة، تعرضت الحركة الإسلامية إلى صدمةٍ كبرى، طُرح فيها سؤال الذات الإسلامية مع نفسها، من نحن وماذا نريد؟ كحركة إسلامية عالمية، فافترق الموقف فيها بين مسارين، وتوازنت قلة فيهم، وهو ملف أثاره د. إسماعيل الشطي في المقابلة.

المهم هنا هو أن هذا الخلاف، تضمن انقساماً اجتماعياً وتصنيفاً، داخل المنظومة الحركية، بين تيارات الخليج العربي، التي كانت تُعتبر حركة ظل، تركز دورها في نقل صدى التنظيم وجمع الدعم الخيري، وبين مركز الحركة المسيطر على القرار في مصر، ومشاركة لبعض شخصيات أخرى، فأثار الموقف ما هو أبعد من القرار السياسي، أو الخلاف على نتيجة مبادرة وفد العلماء لتجنب الحرب بسحب النظام قواته، التي اقترحها الشيخ حمد الصليفيح المفكر الإسلامي، رحمه الله، أحد أبرز مؤسسي الندوة العالمية للشباب الإسلامي.

فتغير مجرى المبادرة لصالح النظام العراقي، خلافاً للهدف المنشود من شخصيات العمل الإسلامي في الخليج العربي، وأعلام كبرى كنجم الدين اربكان، وعلامة الشام الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وجيّر الموقف عبر الشيخ الترابي حينها، وآخرين في التنظيم العالمي لصالح النظام العراقي، رغم أن الجميع كان إما رافضاً أو متحفظاً بشدة على الغزو العراقي للكويت، الذي خسرت فيه الكويت، وثم العراق الكثير، خاصة أنهُ مهّد لجريمة احتلاله.. وللحديث بقية.