كلنا دون استثناء ننشد النجاح، ونتوق لتحقيق الحرية، ونيل احترام الناس ومحبتهم. بعضنا يسعى جاهداً لتحقيق أهدافه وأحلامه دون كلل أو ملل، والبعض الآخر يصارع في سبيل البقاء ضمن مضمار السباق حيث المنافسة الشرسة التي لا ترحم.
في كل الأحوال، سواء كنت ممن يمتلكون القدرات والإمكانيات ومنهجية التفكير اللازمة لصناعة النجاح، أو كنت ممن يكابدون كل يوم حتى يحافظوا على تركيزهم في الوقت الذي يشعرون فيه بالرغبة في الاستسلام والركون إلى الراحة، فإنك بحاجة إلى الآخرين.
أنت بحاجة للناس لأن النجاح ليس صناعة ذاتية بحتة، ولأنك أحياناً قد تدخل في ضائقة، فلا يوجد أحد على مر التاريخ كله استطاع أن يحقق كل شيء بمفرده ولم يحتج أحداً طوال حياته. إننا نعيش في عالم حيث ينبغي علينا الاختلاط بالناس من حولنا ومشاركتهم أحلامنا والاستعانة بهم لتحقيق أهدافنا أو بهدف مساعدتنا على النهوض من جديد.
المدير الناجح لا مكان له ولا نجاح، لولا وجود موظفين يعملون تحت إشرافه، وينفذون أوامره وتعليماته في سبيل تحقيق الأهداف المرسومة. والخباز الذي يعيش من وراء مهنته، لم يكن ليكسب رزقه لولا الناس الذين يشترون الخبز كل يوم. وحتى العصاميون الذين بنوا أنفسهم من الصفر، ألم يستعينوا بالعمال والموظفين في سبيل نجاح مشاريعهم الخاصة؟! أليسوا بحاجة إلى العملاء حتى يبيعوا خدماتهم ومنتجاتهم أم يبيعونها للهواء؟! أليس أعظم إنسان على وجه الأرض جاء إلى الدنيا طفلاً صغيراً احتاج إلى أب وأم أو أحدهما على أقل تقدير ليرعاه حتى يشتد عوده ويقدر على مواجهة الحياة؟!
إذن فنحن جميعاً دون استثناء بحاجة إلى بعضنا البعض، ولا عيب في طلب المساعدة واللجوء إلى الآخرين خصوصاً في وقت الشدة والأزمات. لكن العيب كل العيب أن تساعد شخصاً ثم تخبر الجميع من حولك أنك ساعدته، فتضعه في موقف حرج، وتهين كرامته بقصد أو دون قصد، وتجعله يندم على الوقت الذي لجأ إليك طلباً للمساعدة.
إن أساس فعل الخير هو أن تعطي من دون أن تطالب بالمقابل، والمقابل يمكن أن يكون ماديّاً أو معنويّاً. بعض الناس يختارون أن يسترجعوا ما أعطوه، وبعضهم الآخر يطالبون بالشكر والامتنان المتواصل، وفريق ثالث تراهم يتحدثون إلى القاصي والداني ليخبروا الجميع بأنهم كانوا سبباً في نجاح فلان أو سبباً في إنقاذ علان.
لكن كل هذه السلوكيات ما هي إلا رياء يقصد من ورائه نيل إعجاب الناس واستحسانهم، بمعنى أن صاحبها لم يفعل الخير لوجه الخير، وإنما فعله طلباً للشهرة، وهذا يتنافى مع الأصل في تقديم المساعدة أو الإسهام بتقديم أي عمل نبيل.
فبمجرد أن تطالب الطرف الآخر بمقابل مادي أو معنوي لقاء مساعدتك إياه، فأنت تفقد معنى عملك في تلك اللحظة على الفور، أي يصبح ما قدمته مفرغاً من أي مغزى ولا قيمة له أبداً؛ لأن الهدف الرئيسي منه هو الحصول على مقابل له، لا تقديم المساعدة فحسب.
إن من يأتي إليك طلباً للعون لا يطلبه إلا وفي نفسه غصة وإحساس بالدونية، فلا تثقل عليه وتزد همه بإخبار الناس عن حالته وكيف وقفت إلى جانبه. إذا أردت أن تعطي بحق وتكون يداً حانية فعليك أن تساند من يلجأ إليك ثم تنسى تماماً أنك ساعدته، فلا تذكر ذلك في أي مناسبة بينك وبينه أو بينك وبين أحد آخر، فذلك هو العطاء الحقيقي. وخير ألف مرة أن ترفض مساعدة أحدهم، من أن تساعده ثم تعلن على الملأ أنك أعطيته نقوداً وأنقذته من وضع صعب؛ لأن قيامك بذلك سيتسبب في إحساسه بالإهانة والخجل والدونية. فما الفائدة مما فعلته بالمقام الأول إذن؟!
كن مثالاً للعطاء غير المشروط، واعلم أن الحياة ستضمن لك من يساعدك عندما تحتاج، واتخذ المثل القائل: «عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك» عنواناً لحياتك، إذ إنه على الأغلب خير منهجية تختصر في بضع كلمات كل ما أريد إيصاله لك من معانٍ إنسانية.