+ A
A -
تبدو مرحلة ما بعد داعش هي المعلم الأبرز لقراءة مستقبل العراق، وان لم تنته حرب الموصل، وما تبقى من أحياء في الشق الأيمن، لكن الصورة النهائية هي سقوط نموذج داعش الحالي، وإن لم يُضمن ولا يُعرف كيف تسرب بقية المقاتلين، وأين وكيف، ستتولد نسخة جديدة من السلفية الجهادية على حطام داعش، أو أنه سيتحول إلى تنفيذ مجموعة تفجيرات إرهاب استنزافية، ضد المدنيين في بقية مدن العراق.
لكن في كل الأحوال فإن حسم معركة الموصل، سواءً استغرق أشهر أو أسابيع، فهو في حكم الواقع القادم للموصل، وبالتالي كل الشعب العراقي سواء السُنّة أو الشيعة العرب، هم أمام هذا السؤال الكبير، ما هو القاسم المشترك لديهم، الذي تقوم عليه مصلحتهم الإنسانية المبدئية، لمدنهم وأحيائهم.
وتبدو مهمة هذا السؤال صعبة، أمام آلية حسم الحرب مع داعش، التي اعتمدت على تحالف أميركي وإيراني، ساندته مجموعات طائفية إرهابية كالحشد الشعبي، فضلا عن تغوّل القضية الطائفية في مؤسسات الدولة العراقية، ومنها المؤسسات الأمنية، وإن كان هذا لا يلغي وجود جنود وضباط مهنيين، في بعض المؤسسات العسكرية التي خاضت الحرب، لصالح شعب الموصل.
لكن ذلك لا يجب أن يعيق طرح هذا السؤال، والوصول إلى مساحة التوافق مع أي قوى وطنية، داخل الطائفتين، على الأقل لتأمين سلم أهليهم ومدنييهم، وإخراجهم من دوامة الحرب والقتل، قبل الوصول إلى أرضية تفكير تؤهل العراق، لصناعة مشروع مدني انتقالي يخرجه من أزمات معادلة العملية السياسية، التي صنعت ابارتايد طائفي مجنون، لم يعد يؤثر على السنة، ولكن كل الشعب العراقي، ومكوناته بما فيهم أبناء العرب الشيعة.
ونلاحظ في هذا السياق عدة عناصر، تساعد على فهم واقعية هذا السؤال:
1- البنية العسكرية للحالة السنية، لم يعد لها وجود هيكلي، وقد انسحبت منذ أن صادر مشروع داعش الميدان، وسوف تعود اضطراراً لو تحوّل تواجد مكاتب الحشد الطائفي، والمؤسسات الشيعية المتطرفة إلى حصار السنة المدنيين من الداخل.
وهي حالة تدخل وقمع ستخلق نواة فتن مذهبية أخرى، من مصلحة الجميع غلقها، وإخراج هذه المجموعات الطائفية من محيط المدن السنية، وتشكيل قوة للحرس الوطني من شعب هذه المدن، كفيل بتأمينها وتعزيز الثقة الشعبية الغائبة.
2- غالبية سنة العراق بما فيهم رافضي العملية السياسية توجهوا مؤخرا، إلى مفهوم المقاومة السياسية من داخل أو خارج العملية السياسية، ويذكر في هذا الصدد مؤتمر باريس وسياقاته، وهم يحتاجون لمواثيق مشتركة لمصلحة الديمغرافية السنية، وكل مدنيي العراق، تبني لعهد سلمي للدماء على الأقل في واقع جغرافيا العراق.
وقضية الصراع الإقليمي العربي وتوظيفاته المختلفة سياسيا وإعلامياً، لم تجد مطلقا في ردع التغول الإيراني، فضلاً عن دوره في إنهاك الجسم السني، وتهجيره من مدنه.
3- قاعدة الاستقرار المدني لا تعني عدم وجود صراع سياسي، ولا تعني خمودا كبيرا لرياح الطائفية، لكنها ستخلق أجواء استقرار واهتمام الشعب بسنته وشيعته، بصناعته المدنية تعليما وصحة ونهضة ثقافية، ورفاهية للطفولة المسحوقة في العراق، لتدرك الحياة لا ثقافة الملاعنة ومآتم الموت، وتبدأ بخلق جسور مشتركة بينها، قاعدتها المصلحة الطبيعة لنجاة الإنسان، ومفهوم الايمان الأكبر برسالة الإسلام وقيمه الأخلاقية، دون مذهبيات لن يتوافق عليها السنة والشيعة، قروناً.
4- في الحالة الشيعية تصاعدت موجات نقد ديني جديدة، للخطاب المرجعي الذي حقن الكراهية، واستثمرته كتل الفساد، وستبقى منابر محدودة الإمكانيات، لكنها قد تساهم في تشجيع صناعة ميثاق السلم الأهلي، ومطاردة أي أرضية لصناعة العنف.
5- هناك خياران أمام بغداد، لمستقبل العملية السياسية الحالي، قدرة نوري المالكي، وفريقه والدعم الإيراني لقلب الطاولة من جديد، وبالتالي تعفّن الأوضاع مجدداً، وعودة فادحة لمواسم الدماء.
والثاني ضمن مساحة الممكن، وهو تطوير واستقلال وآليات حكومة د. حيدر العبادي، عن الغلواء الطائفية والدور الإيراني المركزي، وفسح المجال أمام عودة الشراكة المدنية السنية، والمدنية الشيعية، بدلاً من إعادة صناعة ثقافة الصراع والانتقام بين الشعب، التي لم تحل أبدا مأزق الحياة والنهضة للسنة أو الشيعة العرب.
6- لن تتخلّى إيران، ولا غيرها عن قدرات صراعية لتحريك الميدان العراقي، لصالح حساباتها القومية، خاصةً لو تطور الميدان السوري في صراع الحسابات بين موسكو وواشنطن، وضحايا اللعبة هنا، مدنيو العراق من الطائفتين، فتعاضد الجميع في العملية السياسية وخارجها، من الطائفتين على اخراج الشارع المدني العام لبلدهم من الحرب، فريضةُ اليوم.
وقد خرجت أوروبا، من حروب دامية أتت على الملايين، وانتهت إلى دولة مدنية معاصرة، ولن ننتظر هنا الوصول إلى هذه الخلاصة، لكن على الأقل قرار تضامني جماعي يقول، يكفينا حرباً ودعوا العراق يتنفس الحياة، ومن أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا.
بقلم : مهنا الحبيل
لكن في كل الأحوال فإن حسم معركة الموصل، سواءً استغرق أشهر أو أسابيع، فهو في حكم الواقع القادم للموصل، وبالتالي كل الشعب العراقي سواء السُنّة أو الشيعة العرب، هم أمام هذا السؤال الكبير، ما هو القاسم المشترك لديهم، الذي تقوم عليه مصلحتهم الإنسانية المبدئية، لمدنهم وأحيائهم.
وتبدو مهمة هذا السؤال صعبة، أمام آلية حسم الحرب مع داعش، التي اعتمدت على تحالف أميركي وإيراني، ساندته مجموعات طائفية إرهابية كالحشد الشعبي، فضلا عن تغوّل القضية الطائفية في مؤسسات الدولة العراقية، ومنها المؤسسات الأمنية، وإن كان هذا لا يلغي وجود جنود وضباط مهنيين، في بعض المؤسسات العسكرية التي خاضت الحرب، لصالح شعب الموصل.
لكن ذلك لا يجب أن يعيق طرح هذا السؤال، والوصول إلى مساحة التوافق مع أي قوى وطنية، داخل الطائفتين، على الأقل لتأمين سلم أهليهم ومدنييهم، وإخراجهم من دوامة الحرب والقتل، قبل الوصول إلى أرضية تفكير تؤهل العراق، لصناعة مشروع مدني انتقالي يخرجه من أزمات معادلة العملية السياسية، التي صنعت ابارتايد طائفي مجنون، لم يعد يؤثر على السنة، ولكن كل الشعب العراقي، ومكوناته بما فيهم أبناء العرب الشيعة.
ونلاحظ في هذا السياق عدة عناصر، تساعد على فهم واقعية هذا السؤال:
1- البنية العسكرية للحالة السنية، لم يعد لها وجود هيكلي، وقد انسحبت منذ أن صادر مشروع داعش الميدان، وسوف تعود اضطراراً لو تحوّل تواجد مكاتب الحشد الطائفي، والمؤسسات الشيعية المتطرفة إلى حصار السنة المدنيين من الداخل.
وهي حالة تدخل وقمع ستخلق نواة فتن مذهبية أخرى، من مصلحة الجميع غلقها، وإخراج هذه المجموعات الطائفية من محيط المدن السنية، وتشكيل قوة للحرس الوطني من شعب هذه المدن، كفيل بتأمينها وتعزيز الثقة الشعبية الغائبة.
2- غالبية سنة العراق بما فيهم رافضي العملية السياسية توجهوا مؤخرا، إلى مفهوم المقاومة السياسية من داخل أو خارج العملية السياسية، ويذكر في هذا الصدد مؤتمر باريس وسياقاته، وهم يحتاجون لمواثيق مشتركة لمصلحة الديمغرافية السنية، وكل مدنيي العراق، تبني لعهد سلمي للدماء على الأقل في واقع جغرافيا العراق.
وقضية الصراع الإقليمي العربي وتوظيفاته المختلفة سياسيا وإعلامياً، لم تجد مطلقا في ردع التغول الإيراني، فضلاً عن دوره في إنهاك الجسم السني، وتهجيره من مدنه.
3- قاعدة الاستقرار المدني لا تعني عدم وجود صراع سياسي، ولا تعني خمودا كبيرا لرياح الطائفية، لكنها ستخلق أجواء استقرار واهتمام الشعب بسنته وشيعته، بصناعته المدنية تعليما وصحة ونهضة ثقافية، ورفاهية للطفولة المسحوقة في العراق، لتدرك الحياة لا ثقافة الملاعنة ومآتم الموت، وتبدأ بخلق جسور مشتركة بينها، قاعدتها المصلحة الطبيعة لنجاة الإنسان، ومفهوم الايمان الأكبر برسالة الإسلام وقيمه الأخلاقية، دون مذهبيات لن يتوافق عليها السنة والشيعة، قروناً.
4- في الحالة الشيعية تصاعدت موجات نقد ديني جديدة، للخطاب المرجعي الذي حقن الكراهية، واستثمرته كتل الفساد، وستبقى منابر محدودة الإمكانيات، لكنها قد تساهم في تشجيع صناعة ميثاق السلم الأهلي، ومطاردة أي أرضية لصناعة العنف.
5- هناك خياران أمام بغداد، لمستقبل العملية السياسية الحالي، قدرة نوري المالكي، وفريقه والدعم الإيراني لقلب الطاولة من جديد، وبالتالي تعفّن الأوضاع مجدداً، وعودة فادحة لمواسم الدماء.
والثاني ضمن مساحة الممكن، وهو تطوير واستقلال وآليات حكومة د. حيدر العبادي، عن الغلواء الطائفية والدور الإيراني المركزي، وفسح المجال أمام عودة الشراكة المدنية السنية، والمدنية الشيعية، بدلاً من إعادة صناعة ثقافة الصراع والانتقام بين الشعب، التي لم تحل أبدا مأزق الحياة والنهضة للسنة أو الشيعة العرب.
6- لن تتخلّى إيران، ولا غيرها عن قدرات صراعية لتحريك الميدان العراقي، لصالح حساباتها القومية، خاصةً لو تطور الميدان السوري في صراع الحسابات بين موسكو وواشنطن، وضحايا اللعبة هنا، مدنيو العراق من الطائفتين، فتعاضد الجميع في العملية السياسية وخارجها، من الطائفتين على اخراج الشارع المدني العام لبلدهم من الحرب، فريضةُ اليوم.
وقد خرجت أوروبا، من حروب دامية أتت على الملايين، وانتهت إلى دولة مدنية معاصرة، ولن ننتظر هنا الوصول إلى هذه الخلاصة، لكن على الأقل قرار تضامني جماعي يقول، يكفينا حرباً ودعوا العراق يتنفس الحياة، ومن أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا.
بقلم : مهنا الحبيل