+ A
A -

في خريف كل عام مع تغير فصول السنة، تهاجر أسراب كبيرة من الإوز من خلال التحليق لآلاف الكيلومترات صوب وجهتها من نصف الكرة الشمالي باتجاه الجنوب، لتقضي الشتاء في مناطق أكثر دفئا على شواطئ وانهار وبحيرات القارة الإفريقية، ولطالما أثارت هجرات هذه الطيور فضول العلماء.

وبعد البحث وجد العلماء أسرارا عجيبة أودعها الله في هذا المخلوق الضعيف، ومن أحد أهم هذه الاسرار هي أنها تطير بشكل جماعي على شكل حرف (V) وليس بشكل عشوائي، حيث يعمل طائر واحد كقائد للمجموعة ساعياً إلى تقليل مقاومة الرياح للطيور التي تقف خلفه. وعندما يتعب الطائر الرئيسي فإنه يتراجع مُفسحاً المجال بحيث يمكن لطائر آخر أن يتحمل مسؤولية قيادة السرب، بينما لو قرر كل طائر القيام بتلك الرحلة الطويلة بمفرده، فإنه سيفشل بلا شك.

قلة هم الذين يدركون أهمية العمل الجماعي وبأن الجماعة يمكن أن تحقق ما لا يستطيع الفرد تحقيقه بمفرده. إن العمل الجماعي هو بوتقة تنصهر فيها مواهب وجهود مجموعة من الأشخاص معًا لتحقيق هدف مشترك. في الواقع، لكل شخص مواهبه وطرقه في التفكير ونقاط (قوة وضعف) فعندما يتم الجمع بين قدرات العديد من الأشخاص، تكون الفرق أكثر كفاءة وإنتاجية وغالبًا ما تكون أكثر نجاحًا من أي فرد يعمل بمفرده. كما يقول المثل الشهير «يد واحدة لا تصفِّق».

ولا يختلف العمل في مؤسسة أو شركة عن اللعب في فريق كرة قدم أو سلة، فكل منهما يتطلب تضافراً من جميع أعضاء المجموعة في سبيل تحقيق الغاية أو النتيجة المطلوبة والعكس صحيح، على سبيل المثال فريق كرة القدم من أشخاص موهوبين لأقصى حد، لم يتمكنوا من التناغم فيما بينهم والعمل المشترك، فسيكون من الصعوبة تحقيق الفوز.

عندما تعمل بمفردك، فأنت تعتمد على ما اكتسبته خلال حياتك من تجارب وخبرات وعلى طريقة تفكير واحدة، وبالتالي أنت لا تحصل على أسلوب مختلف لتحقيق هدف معين وتحرم نفسك من الاستفادة من أنماط تفكير مغايرة يمكن أن تسلط الضوء على جوانب لم تكن تلقي لها بالاً ولم تخطر في بالك قط.

ربما تملك أفكاراً مبتكرة ورائعة، غير أن جودة عملك قد لا تصل إلى أقصى درجاتها ما لم يقدم لك شخص آخر بعض الملاحظات ويتعاون معك آخرون على تحقيق الشيء نفسه، فتتضافر الجهود وتتلاقى الأفكار في بوتقة واحدة تجعل العمل يصل إلى أقصى إمكاناته. وهذا هو السبب الذي يجعل بعض المؤسسات التي تضم موظفين من ثقافات متباينة وبيئات اجتماعية وعلمية مختلفة ناجحة للغاية.نفس الشيء ينطبق على عالمنا نحن البشر، حيث إنك مهما كنت موهوباً وخارق الذكاء ولديك من الخبرات والإمكانات ما يفوق الكثيرين، إلا أنك لن تحقق لوحدك غيضاً من فيض ما يمكنك تحقيقه عندما تتعاون مع أقرانك ممن لديهم إمكانات ومهارات عملية.

لذلك تعتبر الوحدة من أهم جوانب وجود فريق ناجح، حيث تعمل أنت ومن حولك لبلوغ الهدف نفسه، فتتجاوز التوقعات، وتستمتع على طول الطريق؛ ذلك أن العمل الجماعي هو الضمان الأكيد لتحقيق إنجازات كبيرة في فترة وجيزة. يقول هنري فورد صاحب شركة فورد للسيارات، أحد أكثر الأشخاص نجاحاً على هذا الكوكب: «أن نكون معاً فهذه هي البداية، والبقاء معاً هو التقدم، والعمل معاً هو النجاح الحقيقي».

copy short url   نسخ
20/03/2023
130