+ A
A -
لم تعد مسألة الشك قائمة في التوجهات المختلفة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، خاصة حينما بدأ بوجه مختلف عن مساحة التوقعات السابقة، في علاقته بالتوازنات الإقليمية مع موسكو، وانقسام الصقور من حوله، بين معسكر يرى حصار الشرق الإسلامي، مع استخدام نظام الأسد لا إسقاطه، وتفعيل التوافقات الدولية حوله، والتي استفادت منها إيران، وبين فريق يؤيد التحوّل المشهود لمواجهة إيران، مع بقاء معادلة الهيمنة الاستثمارية، وهو تحول مصحوب بضخ اعلامي وتصعيد سياسي، تزامن مع دلائله على الأرض كما جرى في القصف الصاروخي، في سوريا وأفغانستان، وتوجيهه لحاملة سلاح نووي تقترب من سواحل كوريا الشمالية.
ولعل مقولة أن أميركي دولة مؤسسات لا يكفي فيها توجه الرئاسة، لا تتعارض مع أن قناعات الرئيس كما جرى مع جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، تلعب دوراً ليس سهلا، يبقى تحت مساحة التفسير التنفيذي لخطط الأمن القومي الأميركي، وهي الملاحظة البارزة، في فهم توجه إدارة ترامب العازمة، على استعادة ما فقدته، في تصحيح التموضع الأخير للأميركيين في الشرق الأوسط باستثمار اقتصادي، وهي الحقيقة الثابتة في هذا الملف.
إنما السؤال هو عن خاتمة هذه التحركات، وهل ستصل الى اتفاقات دون مصادمة نسبية غير مباشرة مع موسكو، فالحرب المفتوحة غير واردة، أم أن الخلاصات التي لا يمكن الجزم بها اليوم، قد لا تفضي لتغيير إيجابي لصالح المشرق العربي، ومناطق الصراع المنكوبة.
وسنحاول أن نتبين خارطة التغيير في هذه العناصر:
1- من المهم أن نقف أمام التحييد الكلي، الذي تعيشه المنطقة العربية والشرق الإسلامي، وكيف أصبح في هامش التأثير، دولاً وفصائلَ ثورية وجماعات دينية سياسية، أو جماعات عنف إرهابية، وبالتالي تعطلت قدراته عن أي تأثير مركزي، وبقيت رهينة للموقف الدولي الكبير، الذي دخل في قلب المعادلة.
2- هذا الحياد، لا ينطبق على إيران فقواتها النظامية وغير النظامية، من ميلشيات إرهابية متعددة من لبنان الى العراق، لا تزال تؤثر، في قواعد اللعبة الإقليمية، وتحقق لها قفزة كبيرة بالتحالف مع الروس.
وبالتالي هذا التحرك الأميركي الجديد، قد يقوم على قاعدة أن ما تحقق من مصالح في تحييد الجانب السني للمشرق، تم تأمينه، ولا بد من تطويق الجانب الإيراني المدعوم روسيا، باستثمار جيوسياسي، عبر القواعد الأميركية الضخمة في المنطقة، التي استُخدمت ضد العراق قديما وضد جماعات مختلفة، وكان الكاسب الإقليمي من حروبها طهران.
3- وتجارب الإيرانيين في احتواء الصدمات، والمواجهات عميقة وذكية، خاصة حين تحافظ على كتل تحالفات شعبية موالية لها، وتضبط التواصل بها على الأرض، فهل مجمل هذه التحركات الاميركية، ستنتهي بالفعل الى ضرب النفوذ الإيراني.
وهل لدى إدارة ترامب، حدود متصورة لهذا الخروج الجديد، لتغيير موازين اللعبة، أم أن إخراج إيران وبالتالي تقليص نفوذ موسكو، تراضيا اضطراريا، مع عمليات عسكرية نوعية، هو من سيحكم هذا التوجه.
4- هذا البرنامج الأميركي الجديد، يبدو له واضحاً اليوم مسألة اسقاط الأسد، لتحقيق هذا المستوى، من رسالة التغيير، غير أن موقف تل ابيب الذي لعب دوراً رئيسا في تثبيت الأسد، وتعديل أو تحييد الموقف الأميركي، لا يبدو أنه مستعداً لذلك، إلا في حالة ضمان انتقالي، يضمن الأمن الذي حققه الأسد لإسرائيل.
5- سقوط الأسد يعني الكثير للمشروع الإيراني، فهو قد يفتح مساحة سياسية في العراق تبتعد عن قبضتهم، كما أنه يبعث رسالة للرئيس عون ورفاق الاتفاق المسيحي الأخير في لبنان، بأن التحالف مع حزب الله باتت تكلفته أكبر، وأن الحالة السنية الضعيفة جداً، هي خيار مناسب لدمجها في ظل هذه الأوضاع.
6- إن حصيلة الرئيس الأميركي مما تعهدت به الدول الخليجية، كشراكة اقتصادية وعودة الثقة بالتأمين الأميركي، الذي تضعضع مؤخراً، حتى وصل الى مفاوضات جديدة مع إنجلترا لصناعة اتفاق حماية جديد، يعيد للندن سلطة إقليمية منذ أن خرجت من الخليج 1971، هو حصيلة مثمرة لعهد ترامب.
لكن هذه السياقات ستنتظر مواسم حسم، مع مخاوف من أن الحروب المتنقلة المحدودة للأميركيين، ستنتهي الى فوضى تزيد من معاناة الشرق، وليس انسحاب اضطراري لإيران، يوقف تغولها الواسع، وتأثيراته في البحرين واليمن.
ومن المؤشرات المهمة وجود القوات الأميركية البرية على الأرض، قرب الرقة وفي العراق، بعد الانزال الأخير، وخاصة بعد أن استجابت أنقرة لطلب واشنطن، التي نشرت جنودها مع القوات الكردية الخاضعة لها، فانسحب الأتراك من معركة منبج والرقة، وإن بقيت فرص دمجهم، في برنامج واشنطن لمعركة الرقة الكبرى، وما يتبعها.
كل ذلك يعطي تغييراً نوعيا في طبيعة إدارة المعركة، أما الحصيلة السياسية، فمن المبكر الجزم بها، إلا في حقيقة واحدة، وهي أن المشرق العربي بات بكامله ميدان لعبة، يُقرّر مستقبله بين أم القنابل الأميركية وأسلحة القصف الروسية.
بقلم : مهنا الحبيل
ولعل مقولة أن أميركي دولة مؤسسات لا يكفي فيها توجه الرئاسة، لا تتعارض مع أن قناعات الرئيس كما جرى مع جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، تلعب دوراً ليس سهلا، يبقى تحت مساحة التفسير التنفيذي لخطط الأمن القومي الأميركي، وهي الملاحظة البارزة، في فهم توجه إدارة ترامب العازمة، على استعادة ما فقدته، في تصحيح التموضع الأخير للأميركيين في الشرق الأوسط باستثمار اقتصادي، وهي الحقيقة الثابتة في هذا الملف.
إنما السؤال هو عن خاتمة هذه التحركات، وهل ستصل الى اتفاقات دون مصادمة نسبية غير مباشرة مع موسكو، فالحرب المفتوحة غير واردة، أم أن الخلاصات التي لا يمكن الجزم بها اليوم، قد لا تفضي لتغيير إيجابي لصالح المشرق العربي، ومناطق الصراع المنكوبة.
وسنحاول أن نتبين خارطة التغيير في هذه العناصر:
1- من المهم أن نقف أمام التحييد الكلي، الذي تعيشه المنطقة العربية والشرق الإسلامي، وكيف أصبح في هامش التأثير، دولاً وفصائلَ ثورية وجماعات دينية سياسية، أو جماعات عنف إرهابية، وبالتالي تعطلت قدراته عن أي تأثير مركزي، وبقيت رهينة للموقف الدولي الكبير، الذي دخل في قلب المعادلة.
2- هذا الحياد، لا ينطبق على إيران فقواتها النظامية وغير النظامية، من ميلشيات إرهابية متعددة من لبنان الى العراق، لا تزال تؤثر، في قواعد اللعبة الإقليمية، وتحقق لها قفزة كبيرة بالتحالف مع الروس.
وبالتالي هذا التحرك الأميركي الجديد، قد يقوم على قاعدة أن ما تحقق من مصالح في تحييد الجانب السني للمشرق، تم تأمينه، ولا بد من تطويق الجانب الإيراني المدعوم روسيا، باستثمار جيوسياسي، عبر القواعد الأميركية الضخمة في المنطقة، التي استُخدمت ضد العراق قديما وضد جماعات مختلفة، وكان الكاسب الإقليمي من حروبها طهران.
3- وتجارب الإيرانيين في احتواء الصدمات، والمواجهات عميقة وذكية، خاصة حين تحافظ على كتل تحالفات شعبية موالية لها، وتضبط التواصل بها على الأرض، فهل مجمل هذه التحركات الاميركية، ستنتهي بالفعل الى ضرب النفوذ الإيراني.
وهل لدى إدارة ترامب، حدود متصورة لهذا الخروج الجديد، لتغيير موازين اللعبة، أم أن إخراج إيران وبالتالي تقليص نفوذ موسكو، تراضيا اضطراريا، مع عمليات عسكرية نوعية، هو من سيحكم هذا التوجه.
4- هذا البرنامج الأميركي الجديد، يبدو له واضحاً اليوم مسألة اسقاط الأسد، لتحقيق هذا المستوى، من رسالة التغيير، غير أن موقف تل ابيب الذي لعب دوراً رئيسا في تثبيت الأسد، وتعديل أو تحييد الموقف الأميركي، لا يبدو أنه مستعداً لذلك، إلا في حالة ضمان انتقالي، يضمن الأمن الذي حققه الأسد لإسرائيل.
5- سقوط الأسد يعني الكثير للمشروع الإيراني، فهو قد يفتح مساحة سياسية في العراق تبتعد عن قبضتهم، كما أنه يبعث رسالة للرئيس عون ورفاق الاتفاق المسيحي الأخير في لبنان، بأن التحالف مع حزب الله باتت تكلفته أكبر، وأن الحالة السنية الضعيفة جداً، هي خيار مناسب لدمجها في ظل هذه الأوضاع.
6- إن حصيلة الرئيس الأميركي مما تعهدت به الدول الخليجية، كشراكة اقتصادية وعودة الثقة بالتأمين الأميركي، الذي تضعضع مؤخراً، حتى وصل الى مفاوضات جديدة مع إنجلترا لصناعة اتفاق حماية جديد، يعيد للندن سلطة إقليمية منذ أن خرجت من الخليج 1971، هو حصيلة مثمرة لعهد ترامب.
لكن هذه السياقات ستنتظر مواسم حسم، مع مخاوف من أن الحروب المتنقلة المحدودة للأميركيين، ستنتهي الى فوضى تزيد من معاناة الشرق، وليس انسحاب اضطراري لإيران، يوقف تغولها الواسع، وتأثيراته في البحرين واليمن.
ومن المؤشرات المهمة وجود القوات الأميركية البرية على الأرض، قرب الرقة وفي العراق، بعد الانزال الأخير، وخاصة بعد أن استجابت أنقرة لطلب واشنطن، التي نشرت جنودها مع القوات الكردية الخاضعة لها، فانسحب الأتراك من معركة منبج والرقة، وإن بقيت فرص دمجهم، في برنامج واشنطن لمعركة الرقة الكبرى، وما يتبعها.
كل ذلك يعطي تغييراً نوعيا في طبيعة إدارة المعركة، أما الحصيلة السياسية، فمن المبكر الجزم بها، إلا في حقيقة واحدة، وهي أن المشرق العربي بات بكامله ميدان لعبة، يُقرّر مستقبله بين أم القنابل الأميركية وأسلحة القصف الروسية.
بقلم : مهنا الحبيل