القول: حسبُكَ من شرٍّ سماعه!
القائل: أم الرَّبيع بنت زياد العبسيَّ
أمّا القصة، فإنّ الرّبيع العبسيّ، الابن الأكبر لأمّ الرّبيع قائلة المثل، كان قد أخذ درعاً من قيس بن زهير بن جذيمة، ورفض أن يرده له، فما كان مت قيس إلا أن اعترض أم الرّبيع وهي على راحلتها في مسير لها، وأراد أن يذهب بها رهينة، حتى يردَّ ابنها له درعه!
فقالت له: أين ذهبَ عقلكَ يا قيس؟ أترى قومي يتركونك حيّاً وقد ذهبتَ بي يميناً وشمالاً، وقال الناس ما قالوا! وإنّ حسبك من شرِّ سماعه!
فقال لها قيس: صدقتِ يا خالة! وخلّى سبيلها.
الدرس الأوّل:
الحُرُّ لا يسكتُ عن ضيم، وهذه صفة محمودة، ولكن العقوبة يجب أن تكون على قدر الجُرم! حتى الخصومة لها أدب، وإلا لو كانت الخصومات حروباً مفتوحة، ما كان من آيات المنافق أنه إذا خاصم فجر!
قد تستغربون كيف قرر قيس اختطاف أم الرّبيع لأجل درع له أخذه ابنها منه، ولكن لو تأمّلنا في حياتنا، ومشاكلنا الاجتماعية لوجدنا الأمر مشابهاً وإن اختلفتْ صورة الخلاف! على الأقل كان القوم أهل جاهلية، لا يخشون ناراً ولا يرجون جنّة! ولكن بيننا من إذا طلق زوجته حرمها أن ترى أولادها، وبيننا من إذا خاصم جاره على موقف سيارة شيطَنَه، بعد أن لم يُبقِ عليه غطاءً ولا ستراً، وبيننا من إذا خاصمتْ أخرى حطّتْ من عرضها، وشكّكتْ في شرفها، نحن أيضاً فينا بذور من جاهلية!
الدرس الثاني:
للقول معنيان!
المعنى الأول: يكفي المرءُ عاراً أن يُقال فيه الشّر، بغض النظر إن كان ما قيل فيه صواباً أم خطأً، فيكفي أم الربيع شراً أن يُقال فلان ذهب بها ففعل وفعل، وإن لم يفع! ورحم الله امرءاً جبَّ الغيبة عن نفسه! وإن كان هذا حديث منسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن الصواب أنه موضوع ولا أصل له! ولكنه كقول، جميل ولا شيء فيه، وفي السُّّنة الصحيحة ما يشبهه، فقد جاءت صفية بنت حُيي زوج النبي تزوره في اعتكافه، فتحدثت إليه، ثم قامت تنقلب عنه، فقام معها يوصلها، حتى إذا بلغا باب المسجد، مرّ رجلان من الأنصار فسلّما، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رِسْلكما، هذه صفية بنت حُيي! فقالا: سبحان الله يا رسول الله! أي أفنشُكُ فيك؟! فقال: إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم من العروق وقد خشيتُ أن يقذف في قلوبكما شيئا ً! والخلاصة أن العاقل يدفع عن نفسه الشُّبهة التي تكون الغيبة على إثرها!
الدرس الثالث:
أما المعنى الثاني:
دع الشرّ يقف عندك! ويكفيك نصيباً منه أن تسمعه! شائعة يُطلقها شخص تلف المدينة بسرعة لا تستطيع سيارة في سباق «الفورميلا وان» أن تبلغها، ذلك أننا لم نعتدْ أن يكفينا من شرٍّ سماعه! كل ما يصلنا، علينا أن نُبلِّغه، وكأنها العلم الذي ينتفع به وكاتمه سيلجم يوم القيامة بلجام من نار، الشائعة التي تصلنا هي أحد أمرين لا ثالث لهما: إما أن تكون صحيحة وإما أن تكون كاذبة! فإن كانت صحيحة فما في نقلها أجر، وإن كانت كاذبة ففي نقلها وزر، وإن الله كره لنا ثلاثاً، منها قيل وقال!
الدرس الرابع:
العاقل يخمد النار في مهدها، والأهوج ينفخُ في رماد نار خفتتْ ليضرمها من جديد! كثير من الشرِّ لو كان عند ولادته عاقل لتمّ وأده في أرضه وما صار شراً، وما أعقل أم الربيع وهي تئد الشر في مهده، وتخبر قيساً أن المسألة لن تبقى بعد اليوم مسألة درع! إن كان في علاج الشر شر أكبر منه فليبقَ الأمر على شره الأول الصغير، عود الثقاب الواحد يمكن أن يشعل غابة!
بقلم : أدهم شرقاوي
القائل: أم الرَّبيع بنت زياد العبسيَّ
أمّا القصة، فإنّ الرّبيع العبسيّ، الابن الأكبر لأمّ الرّبيع قائلة المثل، كان قد أخذ درعاً من قيس بن زهير بن جذيمة، ورفض أن يرده له، فما كان مت قيس إلا أن اعترض أم الرّبيع وهي على راحلتها في مسير لها، وأراد أن يذهب بها رهينة، حتى يردَّ ابنها له درعه!
فقالت له: أين ذهبَ عقلكَ يا قيس؟ أترى قومي يتركونك حيّاً وقد ذهبتَ بي يميناً وشمالاً، وقال الناس ما قالوا! وإنّ حسبك من شرِّ سماعه!
فقال لها قيس: صدقتِ يا خالة! وخلّى سبيلها.
الدرس الأوّل:
الحُرُّ لا يسكتُ عن ضيم، وهذه صفة محمودة، ولكن العقوبة يجب أن تكون على قدر الجُرم! حتى الخصومة لها أدب، وإلا لو كانت الخصومات حروباً مفتوحة، ما كان من آيات المنافق أنه إذا خاصم فجر!
قد تستغربون كيف قرر قيس اختطاف أم الرّبيع لأجل درع له أخذه ابنها منه، ولكن لو تأمّلنا في حياتنا، ومشاكلنا الاجتماعية لوجدنا الأمر مشابهاً وإن اختلفتْ صورة الخلاف! على الأقل كان القوم أهل جاهلية، لا يخشون ناراً ولا يرجون جنّة! ولكن بيننا من إذا طلق زوجته حرمها أن ترى أولادها، وبيننا من إذا خاصم جاره على موقف سيارة شيطَنَه، بعد أن لم يُبقِ عليه غطاءً ولا ستراً، وبيننا من إذا خاصمتْ أخرى حطّتْ من عرضها، وشكّكتْ في شرفها، نحن أيضاً فينا بذور من جاهلية!
الدرس الثاني:
للقول معنيان!
المعنى الأول: يكفي المرءُ عاراً أن يُقال فيه الشّر، بغض النظر إن كان ما قيل فيه صواباً أم خطأً، فيكفي أم الربيع شراً أن يُقال فلان ذهب بها ففعل وفعل، وإن لم يفع! ورحم الله امرءاً جبَّ الغيبة عن نفسه! وإن كان هذا حديث منسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن الصواب أنه موضوع ولا أصل له! ولكنه كقول، جميل ولا شيء فيه، وفي السُّّنة الصحيحة ما يشبهه، فقد جاءت صفية بنت حُيي زوج النبي تزوره في اعتكافه، فتحدثت إليه، ثم قامت تنقلب عنه، فقام معها يوصلها، حتى إذا بلغا باب المسجد، مرّ رجلان من الأنصار فسلّما، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رِسْلكما، هذه صفية بنت حُيي! فقالا: سبحان الله يا رسول الله! أي أفنشُكُ فيك؟! فقال: إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم من العروق وقد خشيتُ أن يقذف في قلوبكما شيئا ً! والخلاصة أن العاقل يدفع عن نفسه الشُّبهة التي تكون الغيبة على إثرها!
الدرس الثالث:
أما المعنى الثاني:
دع الشرّ يقف عندك! ويكفيك نصيباً منه أن تسمعه! شائعة يُطلقها شخص تلف المدينة بسرعة لا تستطيع سيارة في سباق «الفورميلا وان» أن تبلغها، ذلك أننا لم نعتدْ أن يكفينا من شرٍّ سماعه! كل ما يصلنا، علينا أن نُبلِّغه، وكأنها العلم الذي ينتفع به وكاتمه سيلجم يوم القيامة بلجام من نار، الشائعة التي تصلنا هي أحد أمرين لا ثالث لهما: إما أن تكون صحيحة وإما أن تكون كاذبة! فإن كانت صحيحة فما في نقلها أجر، وإن كانت كاذبة ففي نقلها وزر، وإن الله كره لنا ثلاثاً، منها قيل وقال!
الدرس الرابع:
العاقل يخمد النار في مهدها، والأهوج ينفخُ في رماد نار خفتتْ ليضرمها من جديد! كثير من الشرِّ لو كان عند ولادته عاقل لتمّ وأده في أرضه وما صار شراً، وما أعقل أم الربيع وهي تئد الشر في مهده، وتخبر قيساً أن المسألة لن تبقى بعد اليوم مسألة درع! إن كان في علاج الشر شر أكبر منه فليبقَ الأمر على شره الأول الصغير، عود الثقاب الواحد يمكن أن يشعل غابة!
بقلم : أدهم شرقاوي