+ A
A -
جريدة الوطن

الدوحة- قنا- ضيف عزيز، يتهيأ الجميع لاستقباله فرحا بقدومه، فهو شهر الصيام والقرآن وهو شهر الجود والكرم والتراحم والترابط لذلك يحظى باهتمام خاص من بين المناسبات الدينية والاجتماعية التي تمر على الأمة الإسلامية.

وكان استقبال شهر رمضان الفضيل في المجتمع القطري قديما يحظى باحتفاء خاص، حيث يترقب القطريون مع إخوانهم المسلمين قدومه كل عام بلهفة وشغف كبيرين، ولهم طقوس وعادات اجتماعية قديمة ارتبطت بهذا الشهر من قبل قدومه وحتى وداعه.

وفي هذا الصدد، أوضح السيد خليفة السيد المالكي الباحث في التراث القطري، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية (قنا) أن أهم ما يميز المجتمع القطري في شهر رمضان هو زيادة الترابط والتكافل الاجتماعي، مشيرا إلى أن هناك ترابطا على كافة المستويات، لافتا إلى أن المجتمع القطري كان يستعد دائما لاستقبال الشهر المبارك من خلال عادات متوارثة وتقاليد متوارثة تنبئ عن اهتمام خاص بهذا الضيف العزيز، حيث تتهيأ له البيوت جميعا، وأكثر ما يكون الاستعداد من ربة المنزل والنساء عموما اللاتي يقمن بالكثير من المهام قبل قدوم رمضان ربما بشهر كامل، فهن في الماضي يقمن بتجهيز الطحين، حيث تعد المرأة القطرية «خبز الرقاق» والذي يصنع منه الثريد، وتدق الحب والذي يصنع منه الهريس، حيث إن هاتين الأكلتين لا يخلو بيت منهما أغلب أيام الشهر الفضيل، فقد ارتبطت العادات القطرية القديمة بأطعمة معينة في هذا الشهر مثل الهريس والثريد، والساقو واللقيمات، وغيرها فهي طبخات وبالتالي كان لا بد للنساء أن يقمن بالتحضير لهذه الأكلات، حيث يستدعي إعدادها وقتا طويلا فضلا عن أن الكم المستهلك يكون مختلفا في شهر الجود والكرم.

وأضاف أن عادة النساء في الزمن القديم كانت طحن الحب في المنزل وكذلك دق حب الهريس وغيره وخبز الرقاق، بالإضافة إلى أن البهارات كانت تُجلب ومن ثم تُغسل وبعد ذلك يتم تجفيفها، ومن ثم طحنها وخلطها مع بعض، كما تهتم ربة المنزل بتجديد الأواني المنزلية مع بداية رمضان خاصة الأواني التي تحتفظ بالحرارة، وتختار الأجمل في التصميم، موضحا أن الزمن الماضي كان له استعداد من ناحية توفير وسيلة الطهو أيضا، فلم تكن تتوفر الطاقة قبل ظهور البترول والغاز غير الحطب، حيث كان جمع الحطب الذي يستخدم كوقود للطهو مهمة رئيسية فيتم جلبه وتجهيزه استعدادا للشهر الفضيل، وذلك بهدف توفير قسط وافر للعبادة وقراءة القرآن الكريم.

وأشار المالكي إلى أن الشباب عليهم مهام كذلك فكانوا يتكاتفون في كل فريج وحي من أجل تجهيز بيت الله لاستقبال المصلين ويقومون بتنظيفه وغسل الحصير ونثر القواقع البحرية الصغيرة ذات اللون الأبيض في باحات المسجد، مشيرا إلى أن رمضان شهر يتميز باللقاءات الاجتماعية، ففيه يتجمع الناس عقب صلاة التراويح في المجالس ويتبادلون أطراف الحديث، فضلا عن الزيارات العائلية، حيث تقوم الأسر بتوزيع الطعام، فلا يمكن أن تصنع أسرة طعاما دون أن تعطي منه إلى جيرانها، مؤكدا أن كل هذه الأشياء على بساطتها ساعدت في زيادة اللحمة والترابط بين كامل فئات المجتمع.

وأوضح المالكي أن شهر رمضان يختلف الآن عن السابق، حيث بين أن شهر رمضان في وقتنا الحالي تتوفر فيه جميع الاحتياجات والاصناف الغذائية المتنوعة في الأسواق والمجمعات التجارية، وإن كان المجتمع القطري ما زال متمسكا بعاداته وتقاليده في الاستعداد للشهر الكريم وكذلك الكثير من العادات التي ارتبطت بشهر الصيام.. لافتا إلى أن واحدة من أهم العادات القطرية هي (تبادل الطعام بين الجيران)، وهي عادة خليجية قديمة تعرف بأسماء مختلفة تدور فحواها حول انتقاص جزء من الطعام أو استقطاعه للأهل أو الجيران تعبيرا عن المحبة والمودة، فكان الناس في الفرجان أي «الأحياء» قديما كانوا يتقاسمون الطعام، وتعطي كل جارة جارتها من طعامها سواء في شهر رمضان أو غيره، لكن تزداد هذه العادة مع الشهر الفضيل، الذي يتميز بأكلاته الشعبية الخاصة مثل الثريد والهريس وغيرهما.

من جانبه، قال السيد علي الفياض الباحث في التراث القطري، إن الاستعداد لاستقبال شهر رمضان له خصوصية وأهمية كبيرة، حيث هو الشهر الذي تجتمع فيه الأسرة بشكل دائم وكذلك ترتبط فيه العائلة الواحدة بلحمة تزيد من وشائج وترابط المجتمع، لافتا إلى أن هناك ارتباطا كان الأظهر قبل استقبال شهر رمضان وهو الاستعداد من كافة النواحي التي توفر للأسرة الطريقة المثلى لتجهيز وإعداد الطعام، حتى تتفرع فيما بعد لمهام دينية واجتماعية، فنرى التجهيز للأكلات مبكرا وتجهيز الطحين «الدقيق» الذي يتم داخل المنزل، وفي نفس الوقت يقام ما يشبه احتفالية تعني «دق الحب» من بذور القمح والذرة وغيرهما، فتجتمع السيدات سواء من العائلة الواحدة أو من الفريج الواحد، في شهر شعبان في أحد البيوت ويقمن بدق الحب بأدوات خشبية، وسط مشاعر من الفرح والسرور والغناء حيث يدق «حب الهريس» وهو من أنواع القمح لعمل مجموعة من الأطعمة التقليدية، مشيرا إلى أن الاستعداد لإقامة مناسبة ضمن شهر رمضان كان موجودا قديما كذلك فكان هناك استعداد مبكر لاحتفالية القرنقعوه بشراء الحلوى والمكسرات والتي كانت توضع في «جفير» مكتل من الخوص، ليتم توزيعه على الأطفال فرحا بمن صام وهو صغير.

وأضاف أن الاستعداد للشهر الكريم يختلف حاليا عن «مال لول» الزمن السابق، حيث تتوفر في المجمعات التجارية والحمد لله مختلف الأغراض مع توفر الطاقة ما يساعد على إعداد الأكلات الشعبية القطرية باستمرار وبمجهود أقل نظرا للتطور المستمر، مؤكدا أن الزمن القديم اتسم بالبساطة في حين أنه على الرغم من المحافظة على عاداتنا وتقاليدنا القطرية اليوم فإنه قد تدخلت بعض مظاهر البذخ الذي يصاحب تلك العادات القطرية الأصيلة.

copy short url   نسخ
24/03/2023
245