وأكد خبراء في العلوم الاجتماعية والتراث، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية، على حرص أهل قطر على المحافظة على التقاليد الشعبية الراسخة، التي تمثل جزءا من الهوية القطرية لتنتقل من جيل إلى جيل، مشددين على أنه مهما اختلفت مظاهر الاحتفاء بالشهر الفضيل، فإن القيم التي يحملها شهر الصوم تظل جزءا من هوية المجتمع، وإن اختلفت مظاهرها وأشكالها.
فمن جهتها، قالت الدكتورة فاطمة علي الكبيسي، رئيس قسم العلوم الاجتماعية في جامعة قطر لـ/قنا/ : إن المجتمع القطري كان قديما ولا يزال زاخرا بالكثير من القيم الاجتماعية، وأهمها التعاون والتكافل والتراحم بين الناس، مشددة على أن المجتمع القطري حرص على الالتزام بهذه القيم قديما على الرغم من صعوبة الحياة آنذاك، بالإضافة إلى الاهتمام بتعزيز الروابط الاجتماعية القوية بين الأهل والجيران، فكان الفرد يشعر بالآخر المحتاج فيفزع إليه بالمساعدة.
وأضافت أن القيم الدينية كانت الأكثر سيادية في شهر رمضان، حيث يشعر الإنسان في المجتمع القطري بروحانية هذا الشهر، كما أن مظاهر الاستعداد تميزت بالبساطة نظرا لطبيعة الحياة في تلك الفترة.
وأكدت أنه ما زال هناك العديد من القيم التي يحافظ عليها القطريون اليوم مثل التعاون والتراحم والتكافل من خلال البحث عن الأشخاص المحتاجين لمساعدتهم، وزيارة الأقارب لتهنئتهم بالشهر الفضيل، وتبادل الهدايا والطعام، وإن صبغت عليه بعض المظاهر المبالغ فيها نظرا لنمط المجتمع الاستهلاكي حاليا.
وأوضحت رئيس قسم العلوم الاجتماعية في جامعة قطر أن تغير المجتمعات وتطورها سنة كونية، فلا يبقى مجتمع على حال، وبالتالي تختلف المظاهر الاجتماعية نظرا لارتفاع المستوى المعيشي، كما أن الاحتكاك بالثقافات العديدة التي تحتضنها بلادنا لها أثر كذلك على طريقة الاحتفال، فنرى الحرص على التزيين للشوارع والبيوت، وتبادل الهدايا الرمضانية منوهة بحرص أفراد المجتمع القطري على مساعدة الفقراء في هذا الشهر، مشيرة إلى أن الكثيرين يحرصون على إخراج زكاتهم في الشهر الفضيل.
وأشارت إلى اهتمام المجتمع القطري بتعزيز الترابط الأسري والعائلي بل والمجتمعي أيضا، فيجتمعون في الغبقة ويحرصون على عادة القرنقعوه، وسط المشاعر الروحانية والتكافل الاجتماعي الموجودة في المجتمع القطري، مشددة على أن هذه القيم ستظل راسخة في المجتمع وإن اختلفت صور التعبير عنها.
وأشارت الدكتور فاطمة الكبيسي إلى ضرورة تعزيز الموروث الشعبي لدى الأجيال الجديدة، وذلك من خلال حرص الأسرة على مشاركة الأبناء هذه المظاهر، وتذكيرهم بأهميتها ودلالتها، وكيف كانت وكيف أصبحت، والتأكيد عليهم بضرورة التراحم والتعاون والتكافل، بالإضافة إلى التركيز على أهمية هذا الشهر الفضيل في حياة كل مسلم، حيث ينبغي حرص الآباء على اصطحاب أبنائهم معهم في كل مظاهر هذا الشهر الفضيل من صلاة، وزيارة أقارب، وتقديم المعونات، ليكتسب الأبناء هذه السلوكيات، وتظل تلك القيم راسخة في المجتمع، داعية إلى استثمار روح شهر رمضان المبارك في تعزيز الروابط بين المجتمع من خلال الزيارات العائلية والاحتفالات التراثية.
ومن جانبه، قال خليفة السيد المالكي، الباحث في التراث القطري، في تصريح مماثل لـ /قنا/: إن شهر رمضان له مكانة خاصة عند القطريين قديما، وله ارتباط خاص بالقيم والعادات والموروثات، فقد كان القطريون يتجهزون لاستقبال رمضان قبل حلوله بشهر كامل، فكانت المرأة القطرية تعد خبز الرقاق الذي يصنع منه الثريد، وتدق الحب وهكذا، فقد ارتبطت العادات القطرية بأطعمة معينة في هذا الشهر، مثل: الهريس، والثريد، والساقو، واللقيمات، وغيرها، فهي طبخات ارتبطت بشهر رمضان في الغالب.
وأضاف أن الاستعداد لهذا الشهر يشمل اختيار التوابل والبهارات الخاصة، فلكل طبخة توابلها، فالصالونة (أي المرقة أو الحساء) تختلف عن اللحم عن مجبوس السمك (أي الكبسة)، كما تجدد ربة المنزل الأواني المنزلية مع بداية رمضان، خاصة الأواني التي تحتفظ بالحرارة، وتختار الأجمل في التصميم.
وأشار خليفة السيد المالكي إلى أن رمضان في قطر كان شهر اللقاءات الاجتماعية الأول، ففيه يتجمع الناس عقب صلاة التراويح في المجالس ويتبادلون أطراف الحديث، فضلا عن الزيارات العائلية والتكافل الشعبي، حيث تقوم الأسر بتوزيع الطعام، فلا يمكن أن تصنع أسرة طعاما دون أن تعطي منه جيرانها، وهكذا نرى حرص القطريين على أن تظل مثل هذه العادات حاضرة بقوة داخل المجتمع، وذلك عبر إحياء هذه التقاليد والموروث الشعبي باستمرار، مشيرا إلى أن هناك بعض التغيرات في المظاهر، لكن القيم الاجتماعية لا تزال راسخة.
وتحدث عن بعض المظاهر التي ما زال أهل قطر يحافظون عليها ضمن موروثهم الشعبي مثل "الغبقة"، وهي اسم لوليمة تؤكل عند منتصف الليل، والهدف منها جمع الناس على وليمة واحدة، فهناك تجمعات خاصة بالشباب، وتجمعات أخرى خاصة للرجال الكبار، وكذلك للنساء تجمعهن الخاص، لافتا إلى أن /الغبقة/ قديما لم تكن للغرباء ولا البعيدين عن أهل الحي، ولكن مع تغير المجتمع أصبحت تأخذ أشكالا جديدة، فأصبحت تقام في مجالس الرجال للأصدقاء والمعارف أو في الفنادق والمطاعم، وكذلك تقوم بعض الشركات والمؤسسات بدعوة العاملين فيها، كنوع من تعزيز التقارب بين الزملاء والتعارف أكثر فيما بينهم، مؤكدا أن /الغبقة/ لا تخلو من الطعام القطري التقليدي الشهي.
كما أشار إلى القرنقعوه، الذي يعد من العادات التراثية الرمضانية السائدة التي تناقلتها الأجيال في دولة قطر ودول الخليج أيضا، وهي احتفال في ليلة المنتصف من رمضان، حيث تحضر العائلات الحلويات والمكسرات، وتتجهز لاستقبال الأطفال الذين يجوبون شوارع الفريج (الحي) ويطرقون الأبواب، ويغنون الأهازيج المرتبطة بهذه المناسبة، لكي يحصلوا على نصيبهم من الحلويات والمكسرات، وهي فرحة كبيرة ينتظرها الكبار والصغار، فهي مناسبة اجتماعية نشجع فيها الأطفال على صيامهم خلال الشهر، ونكافئهم بالمكسرات والحلويات، لتتم مكافأتهم مرة أخرى على إتمامهم صيام الشهر بالعيدية يوم العيد، مشددا في ختام حديثه على أن المجتمع القطري لا يزال متمسكا بعاداته وقيمة وموروثاته المرتبطة بالشهر الفضيل.