+ A
A -

جلسَ الخليفةُ المهديُّ يوماً للناس، فدخلَ رجلٌ وفي يده نعلٌ في منديل، وقالَ له: يا أمير المؤمنين، هذه نعلُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قد أهديْتُها لكَ!

فقالَ له: هاتها!

فأخذَها المهديُّ، وقبَّلَ باطنها، ووضعَها على عينه، وأمرَ للرجلِ بعشرةِ آلافِ درهم.

فلمَّا أخذَها ومضى، قالَ المهديُّ لجُلسائه: واللهِ إني لأعلمُ أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ما رأى هذه النعل ولا لبسها! ولكني لو كذبته لخرجَ وقالَ للناسِ جئتُ الخليفةَ بنعلِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فلم يقبلها! وكانَ من يُصدقه أكثر ممن يُكذبه، فشأن العامة أن تميلَ إلى أمثالها، فاشترينا لسانه، وقبلنا هديته، وهذا أنجح وأرجح!

على المرء أحياناً أن يشتريَ سُمعته، لأن الإنسان نهاية المطاف سُمعة!

حدثتني جدتي -رحمها الله- عن رجلٍ استودعَ تاجراً خمسةَ دراهم، وغابَ عنه سنواتٍ، ثم عادَ يُريدُ أمانته.

دخلَ على التاجرِ وعنده بعض التجار يشترون منه، وقالَ له: كنتُ قد وضعتُ عندكَ خمسة دراهم أمانةً وقد جئتُ أستردها!

فقالَ له: أهلاً وسهلاً، وفتحَ كيس نُقوده وناولَهُ إياها.

وبعد أن سارَ الرجلُ في السوق، وجدَ نفسه أمام دكانِ التاجرِ الذي وضعَ عنده المال، وأن التاجر الأول ليس هو، فعادَ إليه، وقالَ له: لم أضعْ عندكَ مالاً، لقد وجدتُ مَن وضعتُ مالي عنده، فلمَ أعطيتني؟

فقالَ له التاجر: لقد جِئتني وعندي جماعة من التجار، ولو قلتُ لكَ: ليس لكَ عندي شيء، لكانَ التجارُ فيَّ فريقين، فريقٌ كذبني واتَّهمني في أمانتي، وفريقٌ صدقني وفي قلبه شك، والتاجرُ سُمعةٌ وأمانة، فرأيتُ أن أشتريَ سُمعتي بهذه الدراهم!

ما أجمل قول الإمام أحمد: تسعةُ أعشار العقلِ في التغافل!

copy short url   نسخ
26/03/2023
945