هل تساءلت يوماً عن موسم الطاعات في أزمنة رمضان، كيف يتطابق بين أمم الأرض وحيث كان المسلم يسعى في كون الله، من القطب الشمالي إلى أدنى الأرض، أيّهما يحظى بتلك الساعات المباركة في ليالي الصيام، أطالت أم قصرت حتى لا تكاد تصل إلى ثلاث ساعات في اليوم والليلة، كيف يُنزّل الله من رحمته ونور بركته على تلك الأماسي القدسية، وليلة القدر المختلفة بين المسلمين؟

فاختلاف التوقيت ليلاً ونهاراً قائمٌ بالفعل، بغض النظر عن أزمة المسلمين وصراعاتهم على المطالع والحساب الفلكي، فكيف يُنظم الله لهؤلاء وأولئك موسم التعبد، وموائد الذكر والدعاء، رغم اشتراك الجميع في القسم الأكبر من رمضان، وإن افترقوا في يوم أو يومين.

حسناً.. ماذا لو اخطأ المسلمون المجتهدون في تحديد رمضان؟

وأصبحت ليلة السابع والعشرين على سبيل المثال ليلة السادس والعشرين، بحسب قطعية القمر في المجهر، التي اتضحت بعد زمن أو حساب دقيق تطابق مع رصد الأقمار الصناعية وليلة العيد، هل فاتت الغنيمة الربانية عن المسلمين الذين قاموا وصلوا وابتهلوا، أجر ليلة القدر، حتى لو كانت في خلال العشر على قول بعض الأئمة، فأطالوا القيام ليلة الرابع والعشرين، ظناً بأنها ليلة الثالث والعشرين، هل يحاسبهم الله جل في علاه، فيخصم منهم أجر الحسنات؟

هنا المفصل الذي نحرر فكر العقل ونبض القلب حوله، أن رمضان ليس مسطرة حساب فلكي، ولا موعد حدده لك رب العمل، وإن عيّن لك ما هو الشهر، الذي يصطفي الله لعباده فيه، زمناً مخصوصاً بعبادة مخصوصة هي الصيام، ومضاعفة الطاعات، حتى لو صاموا خطأً يوم العيد ظناً منهم أنهُ المتمم لرمضان، إن رمضان أيها الاخوة والاخوات وكل من يتابعنا من إخواننا غير المسلمين، ويهمه فهم فلسفة هذه العبادة، هو زمن روحي أخلاقي تطوف فيه النفس، بسر الوجود وعظمة الملكوت.

وتستعين الله بأن تبتعد عن تلك المواسم من الهرج والمرج الصاخب، ومن التسابق على حطام الدنيا، ومن ذلك الإدمان القاتل في معسكرات التكنلوجيا، التي نجحت الحداثة الرأسمالية في تسخيرها، ضد الذات الروحية والتواصل الأخلاقي بين البشرية، فتسرق كل يوم مساحة الحرية الطبيعية من مُهجنا، وأرضية الفطرة العظيمة في أُسرنا وأطفالنا، ولذلك يشتد الظمأ، وتُختطف النفس، ويُلقى بها في أودية المادية وجفاف المشاعر، وشُح الدنيا المتهالكة على نفسها.

حينها فقط يأتي رمضان بحضور الروح الذي يكتبه الله للناس، ولا يعني مولانا جل في علاه ولا يختص به، أزمنة ولا أمكنة فهو قبل الزمان وقبل المكان، ولكن شريعته قائمة في روح العبادة، مجللة بالنور في الصدور، حين نحج لها ونقصد كعبتها القلبية، كما يقصد النُسّاك بيت الله الحرام ويحجون لقبلتهم.

وهل ترون من وصل إلى يوم عرفة وطاف بالبيت، وكان قلبه منصرفاً عن الله، يدور بالكعبة وفي ذاته معارك لا تهدأ من العداوات والخصومات، والغل والتسابق على المال والغنائم، هل استشعر بركة الحج، هل غَشيتُه خيمة النسك التي لا سقفٌ ماديٌ لها في الشعائر، مهما فخم المخيم أو تواضع؟

إنما المسلم الطائفُ هنا جسم مادي سعى على الأرض، وانقطع الطريق على روحه لأن لسانه قال لبيك اللهم لبيك، وكانت نفسه الأمارة بالسوء تضج في ذاتها، لبيكِ يا فتن الدنيا وحساباتها لبيكِ، فيالهُ من موسم خسارة تاريخي، وهو كذلك لمن ظن أن رمضان صيام جوارح، لا تمتمات تبتل وخضوع روح، إنهُ موسمٌ لمن فاته التذكّر المقدس بأن الله الحق المبين، فطر الأرض برحمته، ودعاك إلى موسم نجاته وإلى حياة الضمير، لأنه يُحبك ويُحب الخير للساعين له، بل والمنصرفين عنه، ويقول لهم لبيكم عبادي، لا يهمني أجسادكم ولا أموالكم، ولا غناكم ولا فقركم، ولكني أفرح برجعتكم ولو كثرت عثراتكم.

هنا القصد وهنا المبدأ وهنا المعاد، في رمزية رمضان، هنا الخير الذي تبحث عنه، هنا الكنزُ الذي مهما حَفَرت الأرض، ونفرت في كل فج، ومهما مددت حبالك في عواصم العالم جميلة وغنية، فقيرة أو معدمة، فلن تجدها إلا في ذاتك، حين تصل إليها فقد وصلت، وما أوصلك لها إلا الله البر الرحيم، حين وجد حقيقة سعيك وتساؤلك، فأشرق هلال رمضان في قلبك، وكان الناس يتلاومون على المطالع والمصالح، وأنت في بحبوحة الرضا، لبيكَ صوماً لروحي فأقل عثرتي، وأكرمني يا مولاي بظلك المقدس، نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء.شهر الصيام فرصة للابتعاد عن مواسم الهرج والمرج وعن التسابق على حطام الدنيا خاصة الإدمان القاتل للتكنولوجيا