يروي «ليو تولستوي» في كتابهِ «خُرافات» أنه كان هناك حصانان يحملان حمولتين، وكانَ الحصانُ الأمامي نشيطاً، أما الحصانُ الخلفي فكانَ كسولاً.فبدأ الرجالُ يُكدِّسون حمولةَ الحصانِ الخلفي على ظهرِ الحصانِ الأمامي، وعندما نقلوها كلها، شعرَ الحصان الخلفي بالراحة، وقالَ للحصان الأمامي: اِكدحْ واعرَقْ وحدك، وكلما زادتْ حمولاتك زادتْ مُعاناتك، أما أنا فمُستريح!وعندما وصلَ المسافرون إلى المدينة، قالَ صاحبُ الحصانين: لماذا أُطعمُ حصانين، بينما أنقلُ حمولتي على ظهرِ حصانٍ واحد؟ من الأفضل أن أُعطيَ الحصان الناقل للحمل كل الطعام الذي يُريده، وأن أذبحَ الحصان الثاني الذي أصبحَ عالةً عليَّ، على الأقل سأستفيدُ من لحمِهِ وجلده!وهكذا كان! يكتسبُ المرءُ أهميته في الحياةِ بقدرِ ما يعمل، ولا أعني بالعمل هو فقط ما يدرُّ دخلاً، وإنما أعني بما يكونُ له أثر وقيمة أيضاً!فربَّةُ المنزلِ مثلاً هي عاملة وإن لم تتقاضَ أجراً، بل هي تقومُ بأهمِّ وأخطرِ الأعمال، وأشدها قداسة، ألا وهي صناعة الأجيال، على أن يُعلم أن إنجابَ الأولادِ شيءٌ وصناعة الأجيالِ شيء آخر، الأولى وظيفةٌ بيولوجيةٌ نشتركُ فيها مع الكائناتِ الأخرى، أما صناعةُ الأجيالِ وتحويل هذه المواليد إلى بشر حقيقيين عن طريقِ التربيةِ فهي التي تجعلُ من الناسِ ناسا! إن قيمة الإنسان الحقيقية هي بمقدارِ ما يحملُ من مسؤوليةٍ على كاهله، لا بمقدارِ ما يُلقي الأحمال عن كتفيه! كُلُّ الذين غيَّروا مجرى التاريخِ حملوا مسؤولياتهم باقتدارٍ وشجاعة، أما الذين عاشوا لأنفسهم، فعاشوا صغاراً وماتوا صغاراً! ليس المطلوب طبعاً أن نغيِّرَ جميعنا مجرى التاريخ، فأنا شخصياً لا أستطيع أن أغيِّرَ جغرافيا بيتي من الداخل، لأن الزوج الذي يستطيعُ تغييرَ قناة التلفاز في بيته هو بطل من زاويةٍ ما!ما أعنيه بكلِّ بساطةٍ أن يقومَ المرءُ بمهمته مهما كانتْ بسيطة، وبوظيفته مهما بدتْ مُتواضعة، وبحراسةِ ثغره مهما بدا يسيراً، على أكمل وجه!الأبُ البسيطُ الذي يُعيلُ أُسرة، ويُعلِّم أفرادها هو بطل!وربةُ المنزلِ التي تُديره باقتدارٍ هي بطلةٌ أيضاً!الموظفُ الأمينُ بطل، وكنَّاسُ الطريقِ المُخلص بطل!أنا لا أقول إن على الجميع أن تكونَ لهم بُطولات خارقة يجب أن يُدوِّنها التاريخ، كل ما أقوله أن نفعلَ الأشياء البسيطة بضميرٍ وإخلاص!
الحصانان!
- 21/06/2022
- /
- آراء و قضايا
+ A
A -