+ A
A -
من أهم الرسائل التي أتت بها صناديق الاستفتاء التركي، الذي عبر بصعوبة وبفارق ضئيل، هي نسبة التصويت في المناطق الكردية لصالح نعم للنظام الرئاسي، وهي الرسالة المجمع عليها ربما كمفاجأة كبرى للاستفتاء، مقابل تصويت التيار البرلماني في حزب العدالة الذي لم يكن يعارض الإصلاحات الدستورية، وإنما طبيعة صلاحيات النظام الرئاسي، بحيث تبقى القوة البرلمانية الديمقراطية ضمانة للحزب ولتركيا معا، وتُغلق فرص التغول الذي استخدم في انقلابات عديدة، بنظام ديمقراطي محكم.
لكن هذه الباقة لم تطرح في التصويت، ولذلك صوّتت الكتلة العدالية الأخرى لرفض الاستفتاء، في ذات الوقت وضح أن نسبة التصويت للحركة القومية، لم يكن بذلك القدر الذي روهن عليه، وإن بقي مؤثراً في السياق العام لنسبة التصويت، لكن الاستجابة لدولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية، لم تكن مطلقاً بمستوى الالتزام الحزبي.
ومن اليوم حتى انتخابات 2019، ستشهد الساحة خلاصات الحسابات السياسية للمعارضة ولحزب العدالة، بعد مراجعة رسالة الصندوق المهمة، وتوجهات تياراته المركزية، خاصة بعد عودة الرئيس أردوغان رسميا لمنصة قيادته، والذي أشار لها قيادات في حزب العدالة، فان التجربة السياسية في تركيا، وعلاقة تياري العدالة ستتوضح خلال هذه الفترة، والتي لا يمكن استنطاقها منذ اليوم.
أما الفارق المجمع عليه في رسائل الأصوات، فهي الكتلة الكردية التركية، ومؤكد أن هذا التصويت جاء ضد رغبة حزب الشعوب الديمقراطي الممثل الأبرز للأكراد الاتراك، كما أن التنظيمات السياسية المتطرفة كالبي كي كي وبي واي دي، هي أيضا ضد التصويت وضد توجهات الرئيس وكل رفاقه في حزب العدالة.
والجانب الأظهر لفهم ما جرى، هو أن الكتلة الشعبية الكردية اجتماعيا، نجحت معها تجربة حزب العدالة الأولى، في اقناعها بوسائط الشراكة الوطنية والحقوق الدستورية، إضافة لمعاني التآخي الاجتماعي الذي يتمتع بها الإسلاميون، مقابل صرامة المشاعر القومية مع الأكراد خارجهم، وانفتاح العدالة في مناطق شرق تركيا، والتي شملتها خطط التنمية، لولا إشكاليات الصراع المسلح الذي عاد، بعد أن نجح الرئيس أردوغان أيام رئاسته للحكومة، وزمن الماكينة الذكية الفعّالة لحزب العدالة.
فوقّع مشروع المصالحة التاريخي عبر إقناع عبد الله اوجلان بإلقاء السلاح، ووقف العنف المسلح بتوجيه أوامره لحزب العمال، رغم معارضة قيادات من الجيش ذلك النجاح، الذي أكدنا ضرورة بقائه وتثبيته، في كتاباتنا منذ 2010 عن تركيا، لكونه أيقونة استقرار سياسي نوعي لتركيا، تبدأ به معالجة أزمة انقسام قومي لا تبرر هذه الدماء والحروب، في ظل المشتركات الكبرى بين الأناضوليين واشقائهم الكرد.
ولقد أثبتت الأحداث أن إسقاط هذا المشروع الذي حرص على اسقاطه، خصوم اقليميون ودوليون، ساعدهم توظيف معارضيه الكرد وتغير قناعة أنقرة بالاتفاق، تحت ضغط العمال المسلح، كان من أهم مشاريع الحصار لتركيا والمنطقة.
ومن المفارقات أن تأتي هذه الرسالة، في ظل التوجه الدولي المحموم، لاستثمار كل تشكل كردي متاح، لصالح مشروع التحالف الدولي الإقليمي الجديد، ويأتي في طليعة ذلك المستثمرون له، في التحالفات الكاملة أو النسبية بين موسكو وواشنطن وطهران.
كما أن تحول كردستان العراق لدولة مستقلة، قد يفتح رياح حربِ أهلية تدفع لها أطراف خارجية، في ظل صراع المعارضة مع الرئيس برزاني، وبالتالي فإن إعادة الحسابات لضمان السلم القائم في كردستان ضمن العراق، وتطوير موقفهم لدعم السلم الاجتماعي لكل العراقيين، هي قضية دقيقة جداً لهم ولكل الشرق.
ونؤكد هنا كم نكرر دوماً، على الفصل بين حقوق الأشقاء الأكراد واخوتهم مع العرب والأتراك، وقضايا الصراع والتوظيفات السياسة الحرجة.
هنا تأتي فرصة باب السماء الذي فُتح لتركيا، بأن تُعاد دراسة ما سببته عودة الحرب، وكيف استُغلت داخل تركيا وعمقها، بتفجيرات إرهابية، وعمليات عسكرية بين الجيش وبين البي كي كي، تسببت في مآسي مدنية، إضافة إلى حصان طروادة، الذي أطلق في الفضاء الكردي ولا يزال، واستخدمه الغرب وإيران وموسكو، وسبقهم في ذلك نظام الأسد.
إن حالة الانفجار الإقليمي الذي أكد فيها الرئيس أردوغان، في لقائه الأخير مع الجزيرة، أن تقسيم سوريا يجري على الأرض، أي أن الحصاد المر قائم بالفعل، ومهمة تركيا تنحصر في دفع الضرر عنها، ومنطقة آمنة للمدنيين، تعني أن تكاليف تلك المواجهات قد تزداد وتتطور، فيما عقد صفقات سياسية، وإن بدت صعبة مع الداخل الكردي التركي المعارض، ومحاولة الوصول لهدنة تعيد اتفاق السلام الاناضولي الكردي لتركيا، قد يكون مقدمة نجاح نوعي، تنجو عبره تركيا من جرفها الكبير لمستنقعات الصراع.
وقد يكون من الصعب انجاز مثل هذا الأمر، في ظل الانقسام السياسي لما بعد الاستفتاء، لكن وحدة تياري الحزب، وفهم رسائل الاستفتاء العميقة، وتهدئة التصريحات والسلوك السياسي للدولة، قد يخلق أرضية لمشروع اختراق نوعي لأنقرة، يمسك لأول مرة بأيقونة صلبة، في سوق الصراع الإقليمي، ليحولها إلى مشروع سلام استراتيجي لأمنها القومي.
بقلم : مهنا الحبيل
لكن هذه الباقة لم تطرح في التصويت، ولذلك صوّتت الكتلة العدالية الأخرى لرفض الاستفتاء، في ذات الوقت وضح أن نسبة التصويت للحركة القومية، لم يكن بذلك القدر الذي روهن عليه، وإن بقي مؤثراً في السياق العام لنسبة التصويت، لكن الاستجابة لدولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية، لم تكن مطلقاً بمستوى الالتزام الحزبي.
ومن اليوم حتى انتخابات 2019، ستشهد الساحة خلاصات الحسابات السياسية للمعارضة ولحزب العدالة، بعد مراجعة رسالة الصندوق المهمة، وتوجهات تياراته المركزية، خاصة بعد عودة الرئيس أردوغان رسميا لمنصة قيادته، والذي أشار لها قيادات في حزب العدالة، فان التجربة السياسية في تركيا، وعلاقة تياري العدالة ستتوضح خلال هذه الفترة، والتي لا يمكن استنطاقها منذ اليوم.
أما الفارق المجمع عليه في رسائل الأصوات، فهي الكتلة الكردية التركية، ومؤكد أن هذا التصويت جاء ضد رغبة حزب الشعوب الديمقراطي الممثل الأبرز للأكراد الاتراك، كما أن التنظيمات السياسية المتطرفة كالبي كي كي وبي واي دي، هي أيضا ضد التصويت وضد توجهات الرئيس وكل رفاقه في حزب العدالة.
والجانب الأظهر لفهم ما جرى، هو أن الكتلة الشعبية الكردية اجتماعيا، نجحت معها تجربة حزب العدالة الأولى، في اقناعها بوسائط الشراكة الوطنية والحقوق الدستورية، إضافة لمعاني التآخي الاجتماعي الذي يتمتع بها الإسلاميون، مقابل صرامة المشاعر القومية مع الأكراد خارجهم، وانفتاح العدالة في مناطق شرق تركيا، والتي شملتها خطط التنمية، لولا إشكاليات الصراع المسلح الذي عاد، بعد أن نجح الرئيس أردوغان أيام رئاسته للحكومة، وزمن الماكينة الذكية الفعّالة لحزب العدالة.
فوقّع مشروع المصالحة التاريخي عبر إقناع عبد الله اوجلان بإلقاء السلاح، ووقف العنف المسلح بتوجيه أوامره لحزب العمال، رغم معارضة قيادات من الجيش ذلك النجاح، الذي أكدنا ضرورة بقائه وتثبيته، في كتاباتنا منذ 2010 عن تركيا، لكونه أيقونة استقرار سياسي نوعي لتركيا، تبدأ به معالجة أزمة انقسام قومي لا تبرر هذه الدماء والحروب، في ظل المشتركات الكبرى بين الأناضوليين واشقائهم الكرد.
ولقد أثبتت الأحداث أن إسقاط هذا المشروع الذي حرص على اسقاطه، خصوم اقليميون ودوليون، ساعدهم توظيف معارضيه الكرد وتغير قناعة أنقرة بالاتفاق، تحت ضغط العمال المسلح، كان من أهم مشاريع الحصار لتركيا والمنطقة.
ومن المفارقات أن تأتي هذه الرسالة، في ظل التوجه الدولي المحموم، لاستثمار كل تشكل كردي متاح، لصالح مشروع التحالف الدولي الإقليمي الجديد، ويأتي في طليعة ذلك المستثمرون له، في التحالفات الكاملة أو النسبية بين موسكو وواشنطن وطهران.
كما أن تحول كردستان العراق لدولة مستقلة، قد يفتح رياح حربِ أهلية تدفع لها أطراف خارجية، في ظل صراع المعارضة مع الرئيس برزاني، وبالتالي فإن إعادة الحسابات لضمان السلم القائم في كردستان ضمن العراق، وتطوير موقفهم لدعم السلم الاجتماعي لكل العراقيين، هي قضية دقيقة جداً لهم ولكل الشرق.
ونؤكد هنا كم نكرر دوماً، على الفصل بين حقوق الأشقاء الأكراد واخوتهم مع العرب والأتراك، وقضايا الصراع والتوظيفات السياسة الحرجة.
هنا تأتي فرصة باب السماء الذي فُتح لتركيا، بأن تُعاد دراسة ما سببته عودة الحرب، وكيف استُغلت داخل تركيا وعمقها، بتفجيرات إرهابية، وعمليات عسكرية بين الجيش وبين البي كي كي، تسببت في مآسي مدنية، إضافة إلى حصان طروادة، الذي أطلق في الفضاء الكردي ولا يزال، واستخدمه الغرب وإيران وموسكو، وسبقهم في ذلك نظام الأسد.
إن حالة الانفجار الإقليمي الذي أكد فيها الرئيس أردوغان، في لقائه الأخير مع الجزيرة، أن تقسيم سوريا يجري على الأرض، أي أن الحصاد المر قائم بالفعل، ومهمة تركيا تنحصر في دفع الضرر عنها، ومنطقة آمنة للمدنيين، تعني أن تكاليف تلك المواجهات قد تزداد وتتطور، فيما عقد صفقات سياسية، وإن بدت صعبة مع الداخل الكردي التركي المعارض، ومحاولة الوصول لهدنة تعيد اتفاق السلام الاناضولي الكردي لتركيا، قد يكون مقدمة نجاح نوعي، تنجو عبره تركيا من جرفها الكبير لمستنقعات الصراع.
وقد يكون من الصعب انجاز مثل هذا الأمر، في ظل الانقسام السياسي لما بعد الاستفتاء، لكن وحدة تياري الحزب، وفهم رسائل الاستفتاء العميقة، وتهدئة التصريحات والسلوك السياسي للدولة، قد يخلق أرضية لمشروع اختراق نوعي لأنقرة، يمسك لأول مرة بأيقونة صلبة، في سوق الصراع الإقليمي، ليحولها إلى مشروع سلام استراتيجي لأمنها القومي.
بقلم : مهنا الحبيل