+ A
A -
تعيش تونس هذه الأيام عودة موجة الاحتجاجات الاجتماعية التي كانت سبباً في سقوط نظام بن علي والتي اندلعت بالأرياف الفقيرة في شتاء 2010.. هذه الاحتجاجات الكبيرة تعرف ذروتها في الجنوب الشرقي للبلاد التونسية وتحديداً بولاية تطاوين على الحدود الليبية التونسية.
لفقد نجح الشباب العاطل عن العمل هناك في الاعتصام للمطالبة بالحق في التشغيل الذي من أجله قامت الثورة التونسية، منددةً بالفساد والسرقة والنهب وإهدار كرامة الإنسان.. لكن هذه المرة عرفت الحركات الاحتجاجية سلميةً فريدة من نوعها وقدرة تنظيمية عالية فاقت الاحتجاجات السابقة، خاصة أنها احتجاجات لا يسيطر عليها أي طرف سياسي ولم يدع إليها أي فصيل بعينه.
تمثل الثروات الباطنية من نفط وغاز وجبس أهم المصادر الطاقية التي تحتوي عليها الجهة وهي الخزان الحقيقي للثروات الباطنية في تونس وقد أحاطها النظام السابق بغطاء كثيف من السرية، حيث تسيطر شركات التنقيب الأجنبية على المنطقة برمتها دون مراقبة حقيقية من طرف السلطات التي تمثل شريكاً حقيقياً في نهب الثروات الوطنية.
في مقابل ثراء المنطقة وغزارة مواردها الطبيعية، فإن سكانها يعيشون أبشع أنواع الفقر والتهميش والاحتقار والإقصاء، حيث تشمل البطالة نسباً عالية من الشباب وهي ظاهرة تفتح الباب على مصراعيه أمام كل أنواع الانحرافات الاجتماعية من تطرف وغلو وجريمة.. اليوم وبعد سنوات من الوعود الزائفة ومن المماطلة التي تستنزف ثروات الجهة وتذهب بها نحو الشركات الأجنبية في كل العواصم الأوروبية انتفضت المنطقة وتحرك شبابها من أجل المطالبة بحق شرعي ثابت وهو الحق في التشغيل.
لم تقدم الدولة والحكومة ممثلة في رئيسها الذي أطرد من الولاية في زيارته الأخيرة لها سوى الوعود الزائفة ومحاولة تبييض الفساد، خاصة أن مجلس نواب الشعب مقدم على مشروع المصادقة على قانون المصالحة الذي يعتبر تبييضاً صريحاً للفساد والفاسدين الذين دمروا الاقتصاد الوطني طوال عقود طويلة من عمر الاستبداد.
الوضع يبقى محتقناً، خاصة أن المنطقة تقع على منطقة حدودية ساخنة، ولا تملك الحكومة حلولاً حقيقية للمشاكل التي تراكمت منذ عقود طويلة بسبب سياسة التهميش المتعمد التي اعتمدها نظام بن علي ومن قبله نظام بورقيبة.. لكن من ناحية أخرى لن تستطيع جهات الجنوب وبقية جهات البلاد المهمشة أن تصبر أكثر، مما صبرت على الوضع الكارثي الذي تعيشه وهو ما قد ينذر بانفجارات كبيرة قادمة قد تكون مختلفة عن سابقاتها.
إن تقاتل النخب السياسية التونسية وأزمة الأحزاب التي تشكل معظم الطيف السياسي التونسي سواء ما كان منها في السلطة أم من هو خارجها، إنما تمثل اليوم جزءاً أساسياً من أزمة البلاد التي لا تنفك تتصاعد كل يوم. وليست الأزمات الاجتماعية المتعاقبة إلا نتيجة طبيعية لانسداد الأفق السياسي للنخبة التونسية.. بناء عليه فإن كل انفراج اجتماعي يستوجب أولاً وقبل كل شيء ترميم الحياة السياسية التونسية التي لاتزال تشتغل بنفس الآليات القديمة التي لم ترحل مع رحيل بن علي.
بقلم : محمد هنيد
لفقد نجح الشباب العاطل عن العمل هناك في الاعتصام للمطالبة بالحق في التشغيل الذي من أجله قامت الثورة التونسية، منددةً بالفساد والسرقة والنهب وإهدار كرامة الإنسان.. لكن هذه المرة عرفت الحركات الاحتجاجية سلميةً فريدة من نوعها وقدرة تنظيمية عالية فاقت الاحتجاجات السابقة، خاصة أنها احتجاجات لا يسيطر عليها أي طرف سياسي ولم يدع إليها أي فصيل بعينه.
تمثل الثروات الباطنية من نفط وغاز وجبس أهم المصادر الطاقية التي تحتوي عليها الجهة وهي الخزان الحقيقي للثروات الباطنية في تونس وقد أحاطها النظام السابق بغطاء كثيف من السرية، حيث تسيطر شركات التنقيب الأجنبية على المنطقة برمتها دون مراقبة حقيقية من طرف السلطات التي تمثل شريكاً حقيقياً في نهب الثروات الوطنية.
في مقابل ثراء المنطقة وغزارة مواردها الطبيعية، فإن سكانها يعيشون أبشع أنواع الفقر والتهميش والاحتقار والإقصاء، حيث تشمل البطالة نسباً عالية من الشباب وهي ظاهرة تفتح الباب على مصراعيه أمام كل أنواع الانحرافات الاجتماعية من تطرف وغلو وجريمة.. اليوم وبعد سنوات من الوعود الزائفة ومن المماطلة التي تستنزف ثروات الجهة وتذهب بها نحو الشركات الأجنبية في كل العواصم الأوروبية انتفضت المنطقة وتحرك شبابها من أجل المطالبة بحق شرعي ثابت وهو الحق في التشغيل.
لم تقدم الدولة والحكومة ممثلة في رئيسها الذي أطرد من الولاية في زيارته الأخيرة لها سوى الوعود الزائفة ومحاولة تبييض الفساد، خاصة أن مجلس نواب الشعب مقدم على مشروع المصادقة على قانون المصالحة الذي يعتبر تبييضاً صريحاً للفساد والفاسدين الذين دمروا الاقتصاد الوطني طوال عقود طويلة من عمر الاستبداد.
الوضع يبقى محتقناً، خاصة أن المنطقة تقع على منطقة حدودية ساخنة، ولا تملك الحكومة حلولاً حقيقية للمشاكل التي تراكمت منذ عقود طويلة بسبب سياسة التهميش المتعمد التي اعتمدها نظام بن علي ومن قبله نظام بورقيبة.. لكن من ناحية أخرى لن تستطيع جهات الجنوب وبقية جهات البلاد المهمشة أن تصبر أكثر، مما صبرت على الوضع الكارثي الذي تعيشه وهو ما قد ينذر بانفجارات كبيرة قادمة قد تكون مختلفة عن سابقاتها.
إن تقاتل النخب السياسية التونسية وأزمة الأحزاب التي تشكل معظم الطيف السياسي التونسي سواء ما كان منها في السلطة أم من هو خارجها، إنما تمثل اليوم جزءاً أساسياً من أزمة البلاد التي لا تنفك تتصاعد كل يوم. وليست الأزمات الاجتماعية المتعاقبة إلا نتيجة طبيعية لانسداد الأفق السياسي للنخبة التونسية.. بناء عليه فإن كل انفراج اجتماعي يستوجب أولاً وقبل كل شيء ترميم الحياة السياسية التونسية التي لاتزال تشتغل بنفس الآليات القديمة التي لم ترحل مع رحيل بن علي.
بقلم : محمد هنيد