روى ابن الجوزيِّ في كتابه ذم الهوى:
إنَّ عبد الله بن قُتيبة بن مسلم قال: قرأتُ في سير العجم أنَّ «أردشير» حين قويت شوكته، وأقرَّ له الملوك بالطاعة، حاصرَ ملكَ «السوريانيَّة»، وكان متحصناً في المدينة، فلم يقدر على فتحها، حتى صعدتْ بنتُ الملكَ الحصنَ يوماً، فرأتْ أردشير فأحبته، فنزلت، وأخذتْ سهماً، وكتبت عليه: إذا وعدتني أن تتزوجني دللتُكَ على موضعٍ تفتحُ به المدينة!
فكتبَ لها: لكِ الوفاءُ بما طلبتهِ!
فدلته على المكان، فدخلَ المدينةَ، وأعملَ القتلَ في أهلها، وقتلَ أباها، وتزوجها!
وفي الليل أرِقتْ، فقال لها: ما لكِ؟
قالتْ: أثَّرَ الفِراشُ في جانبي!
فنظرَ إليها حيث أشارتْ، وعجبَ من رقة جلدها، فقال لها: ما كان أبوكِ يطعمكِ؟
فقالتْ: الشهد، والمخ، والزُّبد!
فقال لها: ما أحد بالغٌ معكِ إحسان أبيكِ لكِ، وهذا كان صنيعكِ فيه، ولستُ آمنكِ على نفسي!
فأمرَ بها، فرُبطتْ بين فرسين، ثم دُفِعَ كل واحدٍ منهما في اتجاه، فتساقطت أعضاؤها، وماتت!
إذا جاءكِ خاطبٌ، فاسألي عن حاله مع أمه، فإن كان باراً بها فاقبلي به، وإن كان عاقاً فلا تقبلي به ولو كان عنده مال قارون، ولو وعدكِ أن يجعلكِ ملكة الدنيا، فالذي ليس فيه خيرٌ لأمه فلن يكون فيه خير لكِ!
بعض الفتيات يتوجَّسْنَ من الشَّاب الذي تكون علاقته وثيقة بأمه، ويخلطْنَ بين البرَّ وبين ضعف الشخصيَّة!
لا تخفْنَ من الارتباط بالابن البار، خَفْنَ من الارتباط بالابن العاق!
فالذي لا يحفظ معروف أمه أتعتقدْنَ أنه سيحفظُ معروف إحداكُنَّ ولو أضاءتْ له أصابعها العشرة شمعاً؟!
ثم من السَّهلِ التمييز بين البار وبين «دلوع الماما» فلا تخْلِطْنَ!
وأنتَ، ليكُنْ أول سؤالِكَ بعد الإعجاب، والاتكال على الله بالتقدم للخطبة، أن تسأل عن برِّها بأبيها وأمها، فمن رأتْ أباها قوَّاماً، يُحترم ويُوقَّرُ، تُسمَعُ كلمته، ولا يُهان بلفظٍ ولا فعل، فستكون كذلكَ معكَ! وإن علمتَ غير هذا فَفِرَّ منها فرارك من الأمراض المعدية ولو كانت ملكة جمال الدُّنيا! من لم تحفظْ الرجل الذي أنجبها، وربَّاها، وعلَّمها، فلن تحفظَ الرَّجل الذي تزوَّجها!
وإياكم ومقولة: تزوجوهم وغيِّروهم!
كثيرون جربوها، وبدل أن يُغيِّروهم تغيَّروا هُمْ! وحتى إن لم يتغيَّروا كانت حياتهم جحيماً، والعاقل لا يدخلُ بحراً هائجاً على أمل النجاة، لا خير في مقارعة الأمواج، فإن نجا المرءُ فسينجو متعباً!