من أجل بهجة الأطفال وفرحتهم بالليلة الموعودة التي ينتظرونها من العام إلى العام خلال شهر رمضان، وإحياء للتراث الشعبي المتمثل في الاحتفال بمناسبة القرنقعوه التي توافق ليلة النصف من شهر رمضان، رصدت الوطن استعدادات كبيرة في الأسواق كانت قد بدأت مبكرا، حيث بلغت معدلات شراء مستلزمات القرنقعوه ذروتها هذا الأسبوع قبل المناسبة بأيام قليلة، حيث امتلأت المراكز والمولات والمحلات التجارية بتشكيلة رائعة من تتجاوز العشرين نوعا من الحلويات والمكسرات ما لذ منها وطاب، ومعها «الخرائط» الأكياس المزخرفة والملونة بالألوان الزاهية التي يجمع الأطفال فيها المكسرات والسكاكر، وقبيل الاحتفالية مباشرة تزاحمت الأسر على المحلات لتشتري كميات كبيرة من هذه المكسرات والحلويات لإسعاد فلذات الأكباد.
وشهدت الساعات التي سبقت الاحتفالات نشاطا في حركة البيع والشراء ومدى الإقبال على مستلزمات المناسبة واستعداد المواطنين للاحتفال بهذا الموروث الشعبي الذي يعكس كرم وسخاء أهل قطر.
تحضير أكياس القرنقعوه
وفي محلات سوق واقف يقوم الباعة بتعبئة أكياس المكسرات والحلويات بأوزان مختلفة، فهناك أكياس بها من عشرة إلى خمسة عشر كيلو جراما، يطلق بعض الباعة عليها أكياس VIP، في الواحد منها تشكيلة من المكسرات والحلويات تصل إلى عشرين نوعا، تبدأ أسعارها من 300 ريال فما فوق بحسب الوزن من ضمنها الكاجو بالزعفران والفستق بالليمون والملح واللوز المحمص والمملح وغيرها من المكسرات الفاخرة والفستق والبندق والجوز وكل أنواع النقل والكثير من السكاكر عالية الجودة، كما توجد أوزان أخرى بحجم خمسة كيلو جرامات، ويتضمن الكيس منها ما لا يقل عن عشرة أنواع من المكسرات والحلويات، وهناك أنواع تباع غير معبأة بحسب اختيار الزبون بحيث يمكنه شراء خمسة كيلو جرامات من نوع وثلاثة من نوع آخر وهكذا ويقوم هو بخلطهم بطريقته الخاصة.
وواضح من المشهد في الأسواق أن المحلات بدأت الاستعداد باستيراد كل متطلبات القرنقعوه والكثير من السكاكر قبل حلول شهر رمضان بوقت كافٍ.
إقبال على الملابس التقليدية
وليلة القرنقعوه لم تساعد في تنشيط سوق المكسرات والحلويات فقط، ولكن أيضا جذبت الزبائن لشراء الملابس التراثية للأطفال، فالأسر تحرص على أن يرتدي أطفالها أفخر وأجود الأزياء التراثية التي تعكس هوية المجتمع وفي نفس الوقت فرحة الأطفال، ففي ليلة القرنقعوه تتزين الشوارع بمشاهد الأطفال وهم يرتدون أجمل الملابس التقليدية، الأولاد يرتدون الثياب البيضاء الجديدة، ويعتمرون فوق رؤوسهم القحفيات المطرزة عادة بخيوط فضية لامعة وجذابة، والسديري الجميل المطرز بألوان زاهية فوق الثوب ويتدلى حتى الخصر، أما الفتيات فيخرجن بملابسهن المعروفة «الثوب الزري» الذي يشع بالألوان الزاهية المطرزة بالخيوط الذهبية، ويضعن أيضاً البخنق لتغطية رؤوسهن إلى جانب بعض الحلي التقليدي، ويتنافس الأطفال في هذه الليلة في جمال الأزياء، حيث تقوم بعض المراكز بعمل مسابقات حول أفضل خريطة وأفضل زي قرنقعوه كنوع من الترفيه.
وخلال جولتنا تحدثت إحدى السيدات وكانت تشتري كــــمــيـــــــات كبـــــيـــــرة مـــــــن المكــــــــسرات والحلويات، وأكدت أن الأسعار مناسبة، وحتى لو كانت مرتفعة فإنها ترخص أمام فرحة أطفالنا في هذه الليلة التي ينتظرونها من العام إلى العام، مؤكدة أنها اشترت أيضا عدد اثنين جفير «سلة» من الحجم الكبير مصنوعة من خوص النخيل كي تضع فيهما المكسرات وتغرف منهما بالصحن لتضع في أكياس الأطفال الذين تستقبلهم مع مغرب يوم الأربعاء القادم، حيث توافق ليلة النصف من شهر رمضان.
وأضافت قائلة: القرنقعوه موروث شعبي يلبس فيه الأطفال اللبس الشعبي، كل هذا فضلا عن ترديد الأغاني والأهازيج التي يتغنى بها الأطفال، وتضيف لا أدع الأطفال يخرجون من البيت قبل أن أطلب منهم ترديد أهزوجة القرنقعوه «قرنقعوه قرقاعوه، عطونا (أعطونا) الله يعطيكم، بيت مكة يوديكم يا مكة يا المعمورة.. يا أم السلاسل والذهب يا نورة»، وتضيف: في كل عام أطلب منهم هذا الطلب، وما شاء الله هم يحفظونها ويرددونها بألحان جميلة تذكرنا بأنفسنا لما كنا أطفالا صغارا نطوف على بيوت الفريج في ذات الليلة.
مشاركة واسعة
ولم يكن الإقبال على شراء المكسرات والحلويات من قبل الأسر فقط، ولكن تم رصد عدد من مندوبي الوزارات ومؤسسات القطاع العام والخاص يقومون بشراء كميات كبيرة من مستلزمات القرنقعوه للمشاركة بها في إحياء هذا الموروث الشعبي من خلال توزيع الهدايا على الأطفال وعلى المنتسبين لها، فالوزارات كافة والمراكز الشبابية والمؤسسات الثقافية والأندية الرياضية وغيرها تقوم بتسيير سيارات في ليلة القرنقعوه لتوزيع هداياها على الأطفال من خلال نقاط أو مراكز توزيع معينة حفاظا على سلامة الأبناء في هذه الليلة من حوادث السير وهم يجوبون الشوارع داخل الأحياء.
ومن جانبه قال البائع خليل هاشم: إن الإقبال هذا العام أكثر من أي عام مضى على شراء مستلزمات القرنقعوه من مكسرات وحلويات «وخرائط» الأكياس التي يجمع الأطفال فيها المكسرات وهم يطوفون على البيوت، ولذلك فنحن نقوم كل يوم بتزويد المحل بكميات إضافية لتلبية الطلب الكبير من قبل الأسر والوزارات والأندية والمؤسسات، وهذه الأيام تعتبر الموسم الأكثر مبيعا من كل أيام ومواسم السنة. والاستعداد لإحياء هذا الموروث الشعبي الجميل الذي يعكس اهتمام الأسر بإدخال الفرح والسرور إلى قلوب الأطفال قد بدأ منذ اليوم الأول من شهر شعبان، ثم ازداد الإقبال مع حلول شهر رمضان، أما هذه الأيام الأخيرة فقد عاشت المحلات ذروة الرواج والإقبال على شراء كل أنواع المكسرات والحلويات التي يتم توزيعها على الأطفال مساء ليلة النصف من هذا الشهر الكريم.