صحيح أن الدور القيادي للفرد يكون في كثير من الأحيان دوراً حاسماً في قيادة المسار الذي يرسمه للمجموعة أو المؤسسة أو المشروع أو حتى الدولة. صحيح أيضاً أنه كلما ارتفعت المسؤولية والمنصب كانت خيارات الفرد رئيس المشروع حاسمة مصيرية مهما كان اتجاهها سواء في الاتجاه الصحيح أو في الاتجاه الخطأ.
قد لا نختلف حين نقرّ بأن المجتمعات العربية كانت منذ عقود واقعة تحت حكم الفرد وأن صيغة الوعي الثقافي الجمعي كانت تتمحور حول الفرد الذي صيغت حوله الأساطير وكانت مقدمة لحقبة سوداء من الحكم الفردي المطلق لانزال نعيش أحلك أطوارها. لا نقصد بهذا المقال إلغاء وجود الفرد أو الحدّ من قدراته على القيادة والتوجيه لكن الهدف هو منع تحول الفرد من محرك قيادي في مشروع معيّن إلى عنصر استيلاء وهيمنة على المشروع نفسه.
ماذا قدّم حكم الفرد في العراق وسوريا ومصر وليبيا واليمن والجزائر وتونس؟ لم يقدّم شيئا بل بقيت هذه الدول دولا متخلفة وهي اليوم تعاني من خطر الإفلاس والمجاعة والارتهان للصناديق الدولية. لكن المشكل الأعمق ليس برحيل الفرد بل في الثقافة التي تركها وراءه والتي لا تزال تهيمن على الشعوب التي تعتقد أن الخلاص لا يكون إلا فرديا عبر البطل المنقذ والزعيم الخالد والمهدي المنتظر. هذه الثقافة تلغي الإنسان الذي هو جوهر كل نهضة حضارية وتجعل مفاتيح النهضة والسقوط بيد الحاكم وهي الثقافة التي تقصي العمل الجماعي القادر وحده على التأسيس لنهضة حقيقية.
لا تزال المنطقة بعيدة عن الوعي بأهمية المؤسسات باعتبارها الضامن الوحيد لمدنية الدولة وديمومتها ومنع سقوطها في مغامرات الأفراد مثلما حدث في العراق وسوريا ومصر واليمن. فمهما بلغ الفرد العادل من الحكمة والحنكة يبقى عاجزا لوحده عن التأسيس لنهضة حضارية شاملة دون التعويل على فعل الجماعة وعلى بنية صلبة من المؤسسات والقوانين والمشاريع الجماعية.
بناء عليه فإن محاربة التصور الفردي للممارسة السياسية للسلطة هو أهم المشاريع الفكرية التي يجب أن تنهض بها النخب النشطة من أجل القطع مع حكم الفرد المتسلط من أجل منع تجدد المصير العراقي والسوري والمصري. إن التأسيس لفكرة العمل الجماعي المحدد بالدستور والقوانين والأهداف هو المدخل الأساسي الذي يستطيع القطع مع سلطة الفرد المنفلت من كل رقابة أو مسؤولية أو محاسبة. العمل الجماعي هو الضامن الوحيد للحدّ من نسبة الخطأ والانزلاق نحو الاستبداد وهو السبيل لمشاركة أكبر عدد من الأفراد في البناء وتحمل المسؤوليات.
hnidmohamed@gmail.com