وهو يحمل جواز سفره ملوحا بطبع تأشيرة عمل قال: فقط سنتين اسدد فيهما دينا ضاقت علي السبل بتسديده ثم اعود..
ومضت السنتان فسأله صديقه السؤال ذاته: متى ستعود؟
اعتذر منك فقد توالت علي السنوات بأربع اخرى لمشروع زواج بلا دين وحفلة تليق بمن يعمل بالخليج.. ثم اعود..
انتهت السنوات الأربع فعاد وكرر السؤال
ألن تعود...!
أجاب
سامحني يا صديقي فقد تم اعادة ضبط الزمن لخمس عشرة سنة اخرى لشقة العمر تسترنا عندما نعود..
ومضت السنوات الخمس عشرة، وسأله.. فأجاب «استسمحك يا صديقي بثلاث سنين ينهي بها ولدي دراسته الثانويه فهو لم يتعود على مناهج الوطن وان عاد اخاف عليه الرسوب.. ثم اعود..
ألن تعود...؟!
ماذا اقول يا صديقي وأقساط الدراسة بالجامعات للمغتربين تكسر الظهر فامهلني إلى ان ينهي ولدي دراسته الجامعية حتى اعود.
ألن تعود...؟!
عذرا يا صديقي فولدي قد تعود الحياة هنا ويريد ان يعمل ويتزوج من هنا وما ان يتزوج حتى اعود..
ألن تعود...؟!
سامحني فأجيالي في بلادي ماعادوا كما كانوا ولم يبق هناك من يعرفني فقد فقدت الحضور وصرت غريبا بين اهلي.
ألن تعود...؟!
زوجتي ترفض الرجوع فهي تريد ان تبقى مع ابنائها واحفادها وانا ماعدت قادرا على الرجوع وحيدا.
ألن تعود...؟!
طبعا سوف اعود فقد اوصيت ابنائي ان يدفنوني في بلادي عندما اموت.
مات الرجل فقالوا اكرام الميت دفنه وليس بترحيله فدفن في مقبرة أبو هامور رحمه الله.. فأولاده وأحفاده يواصلون زيارته كلما كانت هناك مناسبة لدفن ميت.

كانت الزوجة تبكي بحرقة على زوجها المغادر إلى أميركا اللاتينية فقال لها فقط سنة واحدة واستدعيك.. تزوج وترك زوجته وحيدة مع جنين في بطنها لم يعرف والده الذي مات ودفن في فنزويلا.

شباب ولدوا في الخليج.. تراهم في بلادهم متذمرين ينتظرون انتهاء الاجازة بفارغ الصبر.. يقولون هناك راحتنا..

قلت هذا أمر طبيعي، فالإنسان مدني، والمدني من طبيعته التطبع ومن عاش بين قوم اربعين يوما يتطبع بطباعهم واخلاقهم، فكيف اذا قضى بينهم اربعين سنة.
نبضة أخيرة
التنقل من فؤاد إلى فؤاد اصعب من التنقل من وطن إلى وطن.

بقلم : سمير البرغوثي