+ A
A -
«درهم شرف يما ولا بيت مال.. واصل إضرابك يما.. وكرامتك بتغير الحال».. آخر كلمات فرحة البرغوثي لولديها السجينين نائل وعمر صالح البرغوثي عميدي الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي بفلسطين المحتلة، ولفظت انفاسها قبل ان يتحرر ولداها في صفقة شاليط، ثم يعاد اعتقالهما.
فرحة كان حين يناديها الجندي الاسرائلي «فرخة» ترد عليه انا «فرخة بس بخلف ديوك حتى يلعنوا امك وأبوك».
وفرحة، هي البنت الاخيرة والوحيدة لطبيب الاعشاب رباح البرغوثي، ولكنها لم تحظ بدلال آخر العنقود، فقد توفي والدها مبكرا وتبعه شقيقها البكر ادريس، فعايشت الحزن عليهما طويلا. جمعت الحطب يوما بعد يوم، وعملت في الزراعة بكل جد واجتهاد. تغيبت عن المدرسة فعوضت ذلك بحفظ اجزاء من القرآن، ونمّت موهبتها الموروثة عن جدها الزجال علي البرغوثي فأبدعت في كتابة وترديد الشعر الشعبي.
تزوجت قريبها صالح عبد الله البرغوثي، انجبت وطبخت وعجنت وخبزت، وربت وعلمت، ولما كبر الابناء ناضلوا ودخلوا المعتقلات محكومين بمؤبدات، وحجزت هي مقعداً مؤبداَ في حافلات الصليب الاحمر على مدار ثلاثين عاما، سابقت خلالها عجلات الباص للانطلاق مع الفجر نحو سجون: رام الله، نابلس القديم، جنيد، الخليل، نفحة، عسقلان، بئر السبع، ريمون، هداريم، هشارون، الرملة، ايشل، تلموند، جلبوع، شطة وغيرها، لزيارة الولدين عمر ونائل وابن عمهما فخري ثم الحفيدين عاصف وعاصم.
خاضت إضرابها الأول عن الطعام سنة 1980 تضامناً مع الأسرى والأسيرات، وفي الزيارة أخبرها عمر أنهم أضربوا 12 يوماً عن الطعام، فقالت له إنها أضربت 13 يوماً، وفي عام 1987 ورغم مرضها ومعارضة الاطباء، اضربت واحدا وعشرين يوماً إسنادا لأسرى معتقل جنيد، ورفضت أن تفك إضرابها إلا بعد زيارة نجلها نائل في السجن.
قادت وفدا نسوياً توجه إلى رفح جنوب قطاع غزة، لتقديم العزاء بأحد شهداء طلبة جامعة بيرزيت؛ موسى مصباح حنفي (23 سنة) الذي استشهد برصاص الاحتلال خلال تظاهرة طلابية يوم 13 نيسان 1987، تضامناً مع الأسرى المضربين عن الطعام في معتقل جنيد. لكن سلطات الاحتلال منعت دخول الوفد النسوي، وأعادته من حاجز «ايريز» شمال القطاع.
اليوم يردد 1600 سجين فلسطيني توصية جدتهم فرحة وهم يتباهون بعزة وكرامة المرأة التي أمضت خمسة وعشرين سنة تتردد بين السجون وتشاركهم الماء والملح في إضرابها معهم.
وكم من فرحة فلسطينية تشارك ولدا أو حفيدا الملح والما وكل منهم يطلب الشهادة من اجل الكرامة
نبضة أخيرة
«الحرب في مكان اللاحرب يعيد الأمة إلى اللاحرب وتحترق كل أوراقها في مكان الحرب».

بقلم : سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
13/05/2017
1274