في مطلع المقال نشير إلى ما ذكرناه في المقال السابق، في دور المشروع الدولي والإقليمي العربي، في توظيف انفصال الجنوب، وهذا المشروع تعرض لنكسة بعد قيادة الرياض المباشرة لمواجهته، لكنه لم ينته، وإن كان الرأي العام الجنوبي، أتاح له مواجهة المشروع وعرقلته فرصة لإعادة التقييم في أي الخيارين أفضل..
فيدرالية تحت الشرعية يتمتع بها الجنوب بحقوقه، أم المجلس الذي يقوده تحالف الحركة الجامية المسلحة وقدامى الماركسيين، الذين رُبطوا عضويا وميدانيا بالراعي الإقليمي، وما قد يجره من مواجهات عسكرية مع التحالف، الذي شعر عبر قيادته في الرياض، بمنعطف تاريخي.
حين تسحب منه قاعدة المعركة في أرض الجنوب، ويُحاصر هادي تحت سلاح المتمردين في عدن، وهو ما يعني ليس خسارة المعركة وحسب، ولكن مستقبلا متدحرجا نحو الهاوية لكل المنطقة، وفتح باب حروب أخرى، ستشعل الشمال والجنوب معا، وكل اليمن خاسر فيها.
وفيما تعيش المنطقة، أصداء زيارة ترامب، وأجراس حرب قرعت مراراً، منذ عهد الرئيس جيمي كارتر، ولم تشتعل يوماً مع طهران، وتوصل الطرفان واشنطن وطهران إلى لغة حرب باردة، فيها قدر من الصراع، لكن لم يمنعهما في التوحد الميداني قبل أوباما ومنذ الجمهوري جورج بوش الصغير، في أفغانستان والعراق، ثم في منع الثورة السورية بأيديهم وبأيدي خليجية ان تُسقط الأسد، وهي رؤية تل ابيب في ضمان أمنها بنظامه.
فهل ما قاله الرئيس ترامب، يمحو كل هذه التجربة، هل سيخوض حربا عسكرية بالفعل مع إيران، ام أنه سيُصعّد لغة التهديد، ثم ينتقل لتسوية معها لمصالح الأمن القومي الأميركي، يُقنع بها دول الخليج بعد تأميم ودائعهم.
وفي أقل التقدير، فإن مثل هذا التصور لابد أن يُطرح، من أي موقع صناعة قرار، قبل رهن المنطقة لسيناريو يترتب عليه، ذهاب جزء من ثروتها القومية، وترحيل ما تبقى من سيادة لها.
وهنا يجدر التفكر في كيف أن هذه الإعلانات مع إيران ورعايتها الحقيقة للإرهاب، تزامنت مع إعلان تجديد المواجهة مع الحالة الإسلامية السنية! التي تَرتكب وارتكبت تنظيماتها الحزبية أخطاء كبرى وحماقات، لكن الحرب معها أثبت أنه يعطي تفوقا إيرانيا نوعيا، فكيف يُجمع هذا الصوت الشرس مع إيران، في حين يتم استهداف الحالة الإسلامية السنية؟
وفي ظل استمرار التناقضات، يطرأ على المشهد من جديد استدعاء نموذج السلفية المغالية أمام الحياة المدنية وأمام العالم الإسلامي، لاستخدامها في مواجهة الإسلاميين الحركيين، ولقد استُهلكت السلفيات في هذا الزمن بصورة منهكة، وفاتكة لحاضر العالم الإسلامي، خاصة في توظيفها، لكن إعادة الاستدعاء لها بعد تراجع السلفية الجامية، التي ستواجه انشقاقات وتمردا في حواضن عديدة، كحالة طبيعية للضخ والتوظيف للتطرف، فهو واقع يزيد المنطقة رهقاً على رهق.
إن استدعاء الحالة السلفية الطائفية، ونقصد أنها طائفية ضد العالم السني خلال عقود، للتحالف مع واشنطن اليوم، ضد الحزبيين الحركيين لن يؤدي إلى اعتدال مطلقا، بل سيؤدي إلى تزايد الأزمة الفكرية في العالم الإسلامي، وسهولة انفجار النسخة الجديدة من السلفية الجهادية، فيما إطلاق الحوار الفكري الشامل، والمصالحات الوطنية في الوطن العربي، مع شراكة الإسلاميين، ستكون بوابة ولو من باب المصلحة النفعية الكبرى، لاحتواء التغول الإيراني.
فإذا عدنا إلى اليمن وتساءلنا، هل هناك من طريق يستفاد منه من الحملة الصوتية لترامب، قبل إجراءات عزله، طريق ثالث يصب في مصلح أمن الخليج العربي، وأمن المشرق العربي ويبدأ من اليمن، نقول نعم، وممكن أن يستفاد من غطاء إدارة ترامب مرحليا، حيث لا يضمن وضعها مستقبليا.
إن الثنائية الأساسية للنصر العربي في اليمن لكل أهله ولكل العرب، هو وقف الحرب بعد منع المشروع الإيراني من الهيمنة كما جرى لبغداد ودمشق، وهنا نذكّر وزير الخارجية الإيرانية بكذبه الفاقع، حين ادعى أن طهران بذلت مساعي للسلام مع جيرانها، ومع موقفنا الذي لا يرى مصلحة لأي حرب غربية مع إيران من أرض الخليج، أو اشتباك عسكري مباشر معها، خاصة مع وجود بدائل عديدة لتقويض نفوذها لم تمارسها دول الخليج، ومع تمسكنا بأن حروب الشرق من داخله كارثة سيجلب منها الغرب المزيد.
إلّا أننا نقول إن ما قاله الوزير جواد ظريف مطلع الأسبوع، في مقالته بصحيفة العربي الجديد، كذب وتزوير للحقائق، لقد سعت إيران بكل طاقتها للسلام مع الغرب، مقابل الحرب على شعوب الشرق المسلم وأرضه العربية، وأنتجت فكرا وسلاحا تدميريا، تقاسمت به الفتنة مع السلفية الطائفية والرؤية الإسرائيلية.
وكيف يكون هناك دليل أكبر من كذب هذه المقولة، من دماء أبناء الشعب السوري والعراقي والافغاني، ونقض عرى التعايش والتسامح الذي ساد بين الشيعة والسُنة في المشرق، ولم يُنقض إلا بعد قيام الثورة الطائفية 1979، وصوت القهر اليوم يجري في الشرق الإسلامي من سياساتها، إلى حركة الإسلام الأخضر بقيادة أبنائها المتمردين عليها من أبناء الثورة.
أما السبيل والمخرج لليمن، ومن ثم البناء عليه لاحتواء الزحف الإيراني، فهو ممكن في استثمار هذا التقارب العماني السعودي والمصالحة الدينية التي جرت مؤخراً، ولم تكن هناك دواع للفرقة أصلا، لكن موقف عمان الأخير من إعلان فصل الجنوب لتطويقها، وهو ما توقعناه في صحيفة الوطن، ودعمها للرئيس هادي ضد مشروع الانقلاب في عدن.
ممكن جداً أن يتحول لمشروع سياسي، يوقف الحرب تحت دولة الشرعية، ويُدعم اليمن الشرعي بعدها، من الحليفين الكبيرين في الخليج السعودية وعمان، هنا لن تدخل المنطقة، في بازار الحرب الصوتية أو الموسمية لمصادرة ثروتها، ويبدأ الأمن العربي القومي يحكم المعادلة، لا أمن إسرائيل وولي الفقيه، وصندوق الشركات الأميركية.
بقلم : مهنا الحبيل
فيدرالية تحت الشرعية يتمتع بها الجنوب بحقوقه، أم المجلس الذي يقوده تحالف الحركة الجامية المسلحة وقدامى الماركسيين، الذين رُبطوا عضويا وميدانيا بالراعي الإقليمي، وما قد يجره من مواجهات عسكرية مع التحالف، الذي شعر عبر قيادته في الرياض، بمنعطف تاريخي.
حين تسحب منه قاعدة المعركة في أرض الجنوب، ويُحاصر هادي تحت سلاح المتمردين في عدن، وهو ما يعني ليس خسارة المعركة وحسب، ولكن مستقبلا متدحرجا نحو الهاوية لكل المنطقة، وفتح باب حروب أخرى، ستشعل الشمال والجنوب معا، وكل اليمن خاسر فيها.
وفيما تعيش المنطقة، أصداء زيارة ترامب، وأجراس حرب قرعت مراراً، منذ عهد الرئيس جيمي كارتر، ولم تشتعل يوماً مع طهران، وتوصل الطرفان واشنطن وطهران إلى لغة حرب باردة، فيها قدر من الصراع، لكن لم يمنعهما في التوحد الميداني قبل أوباما ومنذ الجمهوري جورج بوش الصغير، في أفغانستان والعراق، ثم في منع الثورة السورية بأيديهم وبأيدي خليجية ان تُسقط الأسد، وهي رؤية تل ابيب في ضمان أمنها بنظامه.
فهل ما قاله الرئيس ترامب، يمحو كل هذه التجربة، هل سيخوض حربا عسكرية بالفعل مع إيران، ام أنه سيُصعّد لغة التهديد، ثم ينتقل لتسوية معها لمصالح الأمن القومي الأميركي، يُقنع بها دول الخليج بعد تأميم ودائعهم.
وفي أقل التقدير، فإن مثل هذا التصور لابد أن يُطرح، من أي موقع صناعة قرار، قبل رهن المنطقة لسيناريو يترتب عليه، ذهاب جزء من ثروتها القومية، وترحيل ما تبقى من سيادة لها.
وهنا يجدر التفكر في كيف أن هذه الإعلانات مع إيران ورعايتها الحقيقة للإرهاب، تزامنت مع إعلان تجديد المواجهة مع الحالة الإسلامية السنية! التي تَرتكب وارتكبت تنظيماتها الحزبية أخطاء كبرى وحماقات، لكن الحرب معها أثبت أنه يعطي تفوقا إيرانيا نوعيا، فكيف يُجمع هذا الصوت الشرس مع إيران، في حين يتم استهداف الحالة الإسلامية السنية؟
وفي ظل استمرار التناقضات، يطرأ على المشهد من جديد استدعاء نموذج السلفية المغالية أمام الحياة المدنية وأمام العالم الإسلامي، لاستخدامها في مواجهة الإسلاميين الحركيين، ولقد استُهلكت السلفيات في هذا الزمن بصورة منهكة، وفاتكة لحاضر العالم الإسلامي، خاصة في توظيفها، لكن إعادة الاستدعاء لها بعد تراجع السلفية الجامية، التي ستواجه انشقاقات وتمردا في حواضن عديدة، كحالة طبيعية للضخ والتوظيف للتطرف، فهو واقع يزيد المنطقة رهقاً على رهق.
إن استدعاء الحالة السلفية الطائفية، ونقصد أنها طائفية ضد العالم السني خلال عقود، للتحالف مع واشنطن اليوم، ضد الحزبيين الحركيين لن يؤدي إلى اعتدال مطلقا، بل سيؤدي إلى تزايد الأزمة الفكرية في العالم الإسلامي، وسهولة انفجار النسخة الجديدة من السلفية الجهادية، فيما إطلاق الحوار الفكري الشامل، والمصالحات الوطنية في الوطن العربي، مع شراكة الإسلاميين، ستكون بوابة ولو من باب المصلحة النفعية الكبرى، لاحتواء التغول الإيراني.
فإذا عدنا إلى اليمن وتساءلنا، هل هناك من طريق يستفاد منه من الحملة الصوتية لترامب، قبل إجراءات عزله، طريق ثالث يصب في مصلح أمن الخليج العربي، وأمن المشرق العربي ويبدأ من اليمن، نقول نعم، وممكن أن يستفاد من غطاء إدارة ترامب مرحليا، حيث لا يضمن وضعها مستقبليا.
إن الثنائية الأساسية للنصر العربي في اليمن لكل أهله ولكل العرب، هو وقف الحرب بعد منع المشروع الإيراني من الهيمنة كما جرى لبغداد ودمشق، وهنا نذكّر وزير الخارجية الإيرانية بكذبه الفاقع، حين ادعى أن طهران بذلت مساعي للسلام مع جيرانها، ومع موقفنا الذي لا يرى مصلحة لأي حرب غربية مع إيران من أرض الخليج، أو اشتباك عسكري مباشر معها، خاصة مع وجود بدائل عديدة لتقويض نفوذها لم تمارسها دول الخليج، ومع تمسكنا بأن حروب الشرق من داخله كارثة سيجلب منها الغرب المزيد.
إلّا أننا نقول إن ما قاله الوزير جواد ظريف مطلع الأسبوع، في مقالته بصحيفة العربي الجديد، كذب وتزوير للحقائق، لقد سعت إيران بكل طاقتها للسلام مع الغرب، مقابل الحرب على شعوب الشرق المسلم وأرضه العربية، وأنتجت فكرا وسلاحا تدميريا، تقاسمت به الفتنة مع السلفية الطائفية والرؤية الإسرائيلية.
وكيف يكون هناك دليل أكبر من كذب هذه المقولة، من دماء أبناء الشعب السوري والعراقي والافغاني، ونقض عرى التعايش والتسامح الذي ساد بين الشيعة والسُنة في المشرق، ولم يُنقض إلا بعد قيام الثورة الطائفية 1979، وصوت القهر اليوم يجري في الشرق الإسلامي من سياساتها، إلى حركة الإسلام الأخضر بقيادة أبنائها المتمردين عليها من أبناء الثورة.
أما السبيل والمخرج لليمن، ومن ثم البناء عليه لاحتواء الزحف الإيراني، فهو ممكن في استثمار هذا التقارب العماني السعودي والمصالحة الدينية التي جرت مؤخراً، ولم تكن هناك دواع للفرقة أصلا، لكن موقف عمان الأخير من إعلان فصل الجنوب لتطويقها، وهو ما توقعناه في صحيفة الوطن، ودعمها للرئيس هادي ضد مشروع الانقلاب في عدن.
ممكن جداً أن يتحول لمشروع سياسي، يوقف الحرب تحت دولة الشرعية، ويُدعم اليمن الشرعي بعدها، من الحليفين الكبيرين في الخليج السعودية وعمان، هنا لن تدخل المنطقة، في بازار الحرب الصوتية أو الموسمية لمصادرة ثروتها، ويبدأ الأمن العربي القومي يحكم المعادلة، لا أمن إسرائيل وولي الفقيه، وصندوق الشركات الأميركية.
بقلم : مهنا الحبيل