عندما نشرت التصريحات المفبركة المنسوبة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، على موقع وكالة الأنباء القطرية في تمام الساعة 12:14 دقيقة بعد منتصف الليل، اتضح لنا للوهلة الأولى أن هناك «حاجة غلط» في الموضوع، فلا التوقيت مناسب ولا التصريحات المنسوبة تتماشى مع الخط السياسي الواضح لدولة قطر، والمعلن في مختلف المؤتمرات واللقاءات، والمرتكز على التضامن العربي والإسلامي وتعزيز منظومة دول مجلس التعاون الخليجي.
ولأن الموضوع «مريب» اتصل المحرر المناوب بوكالة الأنباء القطرية «قنا» للتحقق مما تم بثه عبر خدمتها الإخبارية، فجاء الجواب إن موقع الوكالة تم اختراقه من قبل جهة غير معروفة، ونفس الشعور انتاب الكثيرين لحظة سماعهم بهذه التصريحات، وذلك بسبب الوعي، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها البالغ، والذي أحدث «صدمة وترويع» لوسائل الإعلام التي تناقلت الخبر وصنعت منه برامج للردح والسهرة، وفرصة للبحث عن جماهير وشهرة.
لكن لضعف السيناريو المعد وكثرة ما به من ثغرات وبسبب «غباء» المخرج المكلف، ظهر العرض ركيكا ومهزوزا، وجاءت المسرحية «هزلية» ليضحك الجمهور على الممثلين والمطبلين والراقصين، بدلا من أن يصفق لهم!
فرغم الاستعداد لهذه «اللحظة الخبيثة» وتجهيز القنوات الناقلة والأصوات الباطلة للتحليل والتخليل، ليبدأوا مباشرة بعد اختراق الموقع، إلا أن التنفيذ كان فاشلا ومثيرا للخجل، فانهارت الخطة وتهاوت بشكل أسرع من فشل انقلاب تركيا ومحاولة انفصال اليمن!! ليتحول المشهد بعد ذلك إلى مظاهرة حب ووفاء من الشارع الخليجي والعربي لقطر وأميرها عبر هاشتاقات #تميم المجد، و# قطر ليست وحدها، والتي تصدرت سماء تويتر طوال يوم أمس.
دعونا الآن نعود لبداية القصة، من أجل الوقوف على الحقائق مجردة:
في الساعة 14:19 من عصر يوم الثلاثاء 23 مايو 2017 بثت وكالة الأنباء القطرية خبرا يحمل الرقم 0054 بعنوان «طلقات تحذيرية من الجيش الكوري الجنوبي على «جسم مجهول» انطلق من بيونغ يانغ».
بعد مرور وقت ليس بالقصير، أدركنا في «الوطن»، كما هو حال الزملاء في الصحف الأخرى، توقف بث الوكالة، وتم الاتصال بها، حيث أعلمتنا بأن هناك توقفا في الإرسال بسبب مشكلة فنية يعملون على حلها.
في الساعة 21:39 استأنفت الوكالة إرسالها بالخبر رقم 0055 بعنوان «عون يرجح إجراء الانتخابات النيابية في لبنان على أساس القانون الانتخابي الحالي».
في الساعة 01:10 من فجر يوم الأربعاء 24 مايو 2017 بثت الوكالة الخبر رقم 0080، ونقلت فيه تصريحا لسعادة الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني مدير مكتب الاتصال الحكومي بأن موقع وكالة الأنباء القطرية قد تم اختراقه من قبل جهة غير معروفة إلى الآن.
في الساعة 02:04 بثت الوكالة خبرا برقم 0083 أكدت فيه أن موقعها الإلكتروني قد تعرض للاختراق من قبل جهات غير معروفة، وأن الجهات المختصة تباشر التحقيق في الأمر.
وفي الساعة 09:34 صباحا بثت الوكالة الخبر رقم 0010 ونقلت فيه بيانا لوزارة الخارجية التي نفت صدور أي تصريحات لسعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير الخارجية، وأكدت فيه على أن التصريحات التي نسبت لسعادته في حساب وكالة الأنباء القطرية على «تويتر» مفبركة، وذلك على إثر الاختراق الذي تعرض له حساب وكالة الأنباء القطرية من جهة غير معلومة.
الأخطاء التي وقع فيها مدبرو الخطة كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
أن حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى لم يدل بأي حديث شامل لوسائل الإعلام إبان حضوره حفل تخريج الدفعة الثامنة للخدمة الوطنية، والحفل مصور ومسجل من لحظة قدوم سموه إلى مغادرته.
هذه المعلومة نوردها لنضع النقاط على الحروف، وحتى قبل أن نفتح باب الأسئلة التي يكفي أي واحد منها لنسف المؤامرة، ولكن نضع أحدها من باب «الطقطقة» على هذه الجوقة المرتزقة.
فهل يعقل أن وكالة أنباء رسمية تبث حديثا لأمير البلاد بعد منتصف الليل؟ وسؤال آخر للقرصان «الغبي» الذي لعب دور «أبو الحروف» : إذا أردت أن تغير في المحتوى فعليك أن تختار نفس الحرف المعمول به، وإذا كتبت الاسم فاذكره باللقب كما هو، لكن الواضح أن الفشل اللغوي كان هو العامل المشترك بين فرقة «حسب الله»، إذ كانت الأخطاء الإملائية حاضرة في تغريداتهم لدرجة أن أحد التصريحات كان يذكّر المؤنث ويونّث المذكر، فتذكرت مشهدا كوميديا مشابها من مسرحية «انتخبوا أم علي»!
ولأن الواتساب من أفضل وسائل التواصل الاجتماعي، فلا أستبعد أنهم قد اجتمعوا في «قروب» ونزل فيه التغريدات المطلوبة، لذلك كانت السرعة حاضرة بقوة وتجاوزت العفوية والموضوعية، كما هو الحال مع ضيوف «العربية» و«سكاي نيوز» الذين «ذاكروا كويس»، قبل نشر الخبر، ولم يتقنوا الدور التمثيلي المطلوب في مثل هذه الحالة !
بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، فعندما استضافوا المحلل الأكاديمي «النزيه» خالد بامطرفي للتعليق على الموضوع قال: تم نفيه من قبل الجهات المختصة في قطر ويجب علينا احترام هذا الرد».. فلم يرق لهم كلامه وأنهوا الاتصال معه سريعا!
وبصراحة كل ذلك «يهون أمره» إلا المقال الذي كتبه «الشيبة» خالد المالك (73) سنة بعد منتصف الليل، ونشره بمساحة صفحة كاملة، في وقت تدور فيه ماكينة الطباعة لمعظم الصحف، كما أن مقالا بهذا الحجم لـ «كاتب» بهذا العمر يحتاج إلى جهد وتحضير خاصة أنه في هذا الوقت يكون في «سابع نومة» مما يثير علامات الاستفهام والتعجب والاعجاب بهذه الحيوية.
أما أطرف التعليقات التي قرأتها أمس فهي أن «روتانا» قطعت البث لتنقل التصريحات المزعومة.
أي بث الذي تتحدث عنه، فهي إما كانت تعرض فيلما لأحمد حلمي أو أغنية: الله ياني على لاماك «متصوع»!.
ولأن السيناريو «طفولي» كان لابد أن تشارك قناة «طيور الجنة» في الحملة، ويكون لها عصفور في هذه الحفلة.
وعموما ومع كل خطة يقودها السفهاء في الإعلام تبرز إيجابيات تضاف لرصيد الشعب القطري لدى أمته، مما يمنحه كل هذه الشعبية و«الحميمية»، ومن أبرز ما أسفرت عنه هذه المحاولة الفاشلة لضرب استقرار وتوحد دول مجلس التعاون الخليجي أن الإعلام القطري ورواد التواصل الاجتماعي ترفعوا عن «الخطابات المتدنية» والكلمات الهابطة التي يستخدمها الطرف الآخر بلا أخلاق أو مهنية.
والنقطة الأبرز هي الالتفاف الكبير حول قطر من أبناء المنطقة لإدراكهم الكبير وإيمانهم العميق بأنها «سيف مجرب» لضرب الأعداء، وذلك من خلال مشاركتها فعليا وعلى الأرض مع أشقائها في اليمن، حيث اختلطت دماؤنا جميعا في معارك الذود عن حرية الشعب اليمني، دفاعا عن شرعيته وسلامة أراضيه، الأمر الذي لا يترك لأي «مزايد» أن يجد ثغرة يبث منها سمومه.
ما تم اختراقه هو الموقع الإلكتروني للوكالة، وهو تماما ما حدث مع أكبر موجة قرصنة عرفتها الدول حديثاً عبر فيروس الفدية الذي اجتاح عشرات الدول حول العالم، وأوقع 200 ألف ضحية، هي بشكل رئيسي من الشركات في 150 بلداً على الأقل، ووصف من قبل المكتب الأوروبي لأجهزة الشرطة الأوروبية «اليوروبول» بغير المسبوق.
لم يقفوا عند ذلك بل فبركوا وقرصنوا خبر قيام قطر بسحب سفرائها من عدة دول عربية، ولم نسمع يوما أن سحب السفراء يتم عبر مواقع التواصل وفي منتصف الليل، وبهذه الطريقة التي تنم عن جهل بآليات العمل الدبلوماسي، وعن حقد لقطر وشعبها، وهو الذي أعمى بصيرة المتربصين فجاءت العملية ساذجة إلى أبعد درجة.
إلى هنا يمكن فهم كل ذلك، من خلال فهم عقلية الذين يقفون وراء عملية القرصنة، لكن أن تنساق وسائل إعلام عربية وراء هذه الحملة وتضحي بسمعتها، أو ما تبقى لها من سمعة، فإن الأمر يحتاج إلى وقفة، فهي لم تفعل ما فعلته إلا لإضفاء نوع من «المصداقية» على ما تم بثه، فكان أن جندت خبراء ومحللين، كانوا جميعا تائهين، لإثبات ما لا يمكن إثباته، ما يعني أن العملية كانت مدروسة و«مدسوسة» وتم العمل عليها لفترة طويلة ولم يتبق سوى «ساعة الصفر» لبث هذا السم، ثم تأكيده عبر الاستعانة بهذا الإعلام المضلل المشبوه.
كانت عملية ممنهجة تم الإعداد لها على نار الفتنة، ومن المؤسف أن بعض الذين وقعوا في فخ هؤلاء لم يدركوا بسرعة أن ما تم الترويج له لا يمكن أن يصدر عن قطر، ولا يمكن أن يعبر عن مواقفها الأصيلة.
لسنا بحاجة للقول إن قرصنة المواقع أمر شديد السهولة وهو يكاد أن يحدث يوميا، وقد تعرضت الكثير من وسائل الإعلام العالمية لعمليات مماثلة، قبل أن تتكشف الحقائق، وهو بالضبط ما حدث لوكالتنا الوطنية.
هذا استعراض «فني» لتسلسل الأحداث، كما تابعناها تماما كمشتركين، فلم نجد شيئا على الإطلاق، حاولنا التأكد من «الوكالة» وعلمنا أن الأمر غير صحيح، وبات واضحا أن هناك عملية قرصنة لموقع الوكالة، ومع ذلك دعونا نقف أمام «الحديث المغلوط» قليلا، فما تم نقله ليس مجرد تصريح مقتضب، كما هو الحال في مثل هذه المناسبات، مع أن صاحب السمو لا يدلي عادة بتصريحات من هذا النوع، وإنما تمت صياغته بطريقة تحتاج إلى وقت طويل من الإعداد، إذ أنه حمل مجموعة من الرسائل هدفها الأساسي الإساءة لمواقف قطر الثابتة، وعلاقتها الراسخة مع الأشقاء والأصدقاء، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية التي تجمعنا بها أفضل العلاقات وأكثرها تطورا، وما زلنا نذكر جميعا الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين إلى الدوحة في ديسمبر من العام الماضي، والاستقبال الرسمي والشعبي الذي عكس حرارة هذه العلاقات وتاريخيتها وأهميتها.
ما ينطبق على المملكة العربية السعودية ينطبق على الدول الخليجية الأخرى، وخاصة دولة الكويت، التي نحمل لها أسمى آيات التقدير والاحترام، لكن هذه العلاقات الطيبة لم ترق للبعض، ومن هؤلاء الذين حاولوا خلال الأسابيع الماضية تشويه صورة قطر عبر محاولة ربطها بالإرهاب.
لم ينقض وقت طويل حتى انعقدت قمة الرياض الخليجية الإسلامية- الأميركية، التي أعلن خلالها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن قطر شريك استراتيجي في مكافحة الإرهاب، وكانت تلك شهادة أثارت حفيظة الذين دأبوا على الإساءة لقطر ومحاولة تشويه مواقفها، فلجأوا إلى القرصنة، كوسيلة أخيرة، بعد أن فقدوا صوابهم، وكانوا قبل ذلك فقدوا أخلاقهم وقيمهم.
لسنا بحاجة لتأكيد مواقفنا، ولا لتكرار ثوابتنا ومبادئنا، فهي مصدر فخر لنا ولشعوب المنطقة، ولكل عربي أصيل يعرف ما فعلته قطر خدمة لقضايا أمتها، لا لسنا بحاجة لتكرار هذه المواقف فهي معروفة للقاصي والداني، لكن ما يؤلم حقا هو هذا الانحدار المروع لوسائل إعلام تحولت إلى التهريج وإثارة الفتن في الخليج ودخلت في مخطط قرصنة حقيقي من الواضح أنها استعدت له مبكرا، فانخرطت في حملة مسعورة قامت على باطل، لتأليب الأشقاء ضد قطر، عبر أكثر الأساليب رخصا وأقلها كفاءة.
كان واضحا أن هذه المحطات أعدت «أدواتها» استعدادا لـ «ساعة الصفر» وكانت هذه 12:15 ليلا، وبدأ سيل المحللين مع تجاهل تام للبيان الذي صدر عن سعادة الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني مدير مكتب الاتصال الحكومي، بعد ذلك بأقل من ساعة، كنا أمام هستيريا: شرائط فيديو قديمة تم استحضارها، محللون كانوا على أهبة الاستعداد، ثم تكرار الخبر وكأنه حقيقة نهائية، وكانت سقطة هؤلاء المريعة أنهم لم يستضيفوا قطريا واحدا للتعليق على ما حدث، وفي ذلك طعنة في ظهر المصداقية والموضوعية.
لقد تمت عملية البث في هذا التوقيت لضمان عدم وجود ردود فعل قطرية سريعة، والمرضى الذين فعلوا ذلك اعتقدوا أن قطر ستنتظر إلى الصباح لتفنيد ما ورد، الأمر الذي يسمح لهم بإشعال فتيل الأزمة ثم انفجارها قبل أن تتمكن قطر من تصويب ما حدث.
لقد تم تشكيل فريق للتحقيق في جريمة اختراق موقع الوكالة، وبات واضحا أن لهذه الجريمة أهدافها الدنيئة من قبل مرتكبيها أو المحرضين عليها، وسوف يتكشف للجميع عاجلا من يقف وراء هذا العمل المشين، وعندها سوف تتخذ كافة الوسائل والتدابير والإجراءات القانونية لملاحقة ومقاضاة مرتكبي جريمة القرصنة، ومع ذلك فإن الشيء الذي أذهلنا كقطريين وخليجيين وإعلاميين هو موقف بعض وسائل الإعلام والقنوات الفضائية، رغم إصدار مدير مكتب الاتصال الحكومي بيانا تضمن الإعلان عن قرصنة موقع الوكالة إلا أن بعض وسائل الإعلام والقنوات الفضائية استمرت في نشر التصريحات المكذوبة والتعليق عليها، الأمر الذي يثير أكثر من تساؤل حول أهدافها ودوافعها، ومن يدفعها أو «يدفع لها»..!
التحقيق سوف يكشف من يقف وراء هذه القرصنة، ربما يأخذ بعض الوقت، لكن الحقائق سوف تتكشف بكل تفاصيلها، ومع ذلك فقد بتنا نعرف على الأقل من يقف وراء الشريط المنسوب لتليفزيون قطر، حيث تم تزويره ليظهر أثناء الاحتفال بتخريج الدفعة الثامنة للخدمة الوطنية، وبحسب ما يدعي أصحاب الفتنة فإن التصريح المغلوط لصاحب السمو قد تم الإدلاء به بعد انتهاء حفل التخريج، كيف إذا ظهر الشريط قبل الإدلاء بالتصريح المزعوم؟.
المملكة العربية السعودية، شقيقتنا الكبرى، وهي خط الدفاع الأول عن منطقتنا بأسرها، ندعمها ونعاضدها ونؤيدها، والسؤال الآن: ما هو الهدف من كل ذلك؟ وهل الهدف هو قطر فحسب، أم أمن الخليج بأسره؟. عبر طعن وحدتنا الخليجية بسكين الغدر، من خلال عملية قرصنة خسيسة أطلقت بعدها دعوات الفتنة والغدر، بعد ثلاث قمم ناجحة مميزة شهدتها الرياض عاصمة العروبة، وكأن المطلوب ضرب وحدتنا الخليجية وتمزيق كياننا الواحد، عبر إدخاله في متاهة خلافات وهمية هدفها أمننا جميعا دون استثناء.
بقلم : محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
ولأن الموضوع «مريب» اتصل المحرر المناوب بوكالة الأنباء القطرية «قنا» للتحقق مما تم بثه عبر خدمتها الإخبارية، فجاء الجواب إن موقع الوكالة تم اختراقه من قبل جهة غير معروفة، ونفس الشعور انتاب الكثيرين لحظة سماعهم بهذه التصريحات، وذلك بسبب الوعي، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها البالغ، والذي أحدث «صدمة وترويع» لوسائل الإعلام التي تناقلت الخبر وصنعت منه برامج للردح والسهرة، وفرصة للبحث عن جماهير وشهرة.
لكن لضعف السيناريو المعد وكثرة ما به من ثغرات وبسبب «غباء» المخرج المكلف، ظهر العرض ركيكا ومهزوزا، وجاءت المسرحية «هزلية» ليضحك الجمهور على الممثلين والمطبلين والراقصين، بدلا من أن يصفق لهم!
فرغم الاستعداد لهذه «اللحظة الخبيثة» وتجهيز القنوات الناقلة والأصوات الباطلة للتحليل والتخليل، ليبدأوا مباشرة بعد اختراق الموقع، إلا أن التنفيذ كان فاشلا ومثيرا للخجل، فانهارت الخطة وتهاوت بشكل أسرع من فشل انقلاب تركيا ومحاولة انفصال اليمن!! ليتحول المشهد بعد ذلك إلى مظاهرة حب ووفاء من الشارع الخليجي والعربي لقطر وأميرها عبر هاشتاقات #تميم المجد، و# قطر ليست وحدها، والتي تصدرت سماء تويتر طوال يوم أمس.
دعونا الآن نعود لبداية القصة، من أجل الوقوف على الحقائق مجردة:
في الساعة 14:19 من عصر يوم الثلاثاء 23 مايو 2017 بثت وكالة الأنباء القطرية خبرا يحمل الرقم 0054 بعنوان «طلقات تحذيرية من الجيش الكوري الجنوبي على «جسم مجهول» انطلق من بيونغ يانغ».
بعد مرور وقت ليس بالقصير، أدركنا في «الوطن»، كما هو حال الزملاء في الصحف الأخرى، توقف بث الوكالة، وتم الاتصال بها، حيث أعلمتنا بأن هناك توقفا في الإرسال بسبب مشكلة فنية يعملون على حلها.
في الساعة 21:39 استأنفت الوكالة إرسالها بالخبر رقم 0055 بعنوان «عون يرجح إجراء الانتخابات النيابية في لبنان على أساس القانون الانتخابي الحالي».
في الساعة 01:10 من فجر يوم الأربعاء 24 مايو 2017 بثت الوكالة الخبر رقم 0080، ونقلت فيه تصريحا لسعادة الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني مدير مكتب الاتصال الحكومي بأن موقع وكالة الأنباء القطرية قد تم اختراقه من قبل جهة غير معروفة إلى الآن.
في الساعة 02:04 بثت الوكالة خبرا برقم 0083 أكدت فيه أن موقعها الإلكتروني قد تعرض للاختراق من قبل جهات غير معروفة، وأن الجهات المختصة تباشر التحقيق في الأمر.
وفي الساعة 09:34 صباحا بثت الوكالة الخبر رقم 0010 ونقلت فيه بيانا لوزارة الخارجية التي نفت صدور أي تصريحات لسعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير الخارجية، وأكدت فيه على أن التصريحات التي نسبت لسعادته في حساب وكالة الأنباء القطرية على «تويتر» مفبركة، وذلك على إثر الاختراق الذي تعرض له حساب وكالة الأنباء القطرية من جهة غير معلومة.
الأخطاء التي وقع فيها مدبرو الخطة كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
أن حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى لم يدل بأي حديث شامل لوسائل الإعلام إبان حضوره حفل تخريج الدفعة الثامنة للخدمة الوطنية، والحفل مصور ومسجل من لحظة قدوم سموه إلى مغادرته.
هذه المعلومة نوردها لنضع النقاط على الحروف، وحتى قبل أن نفتح باب الأسئلة التي يكفي أي واحد منها لنسف المؤامرة، ولكن نضع أحدها من باب «الطقطقة» على هذه الجوقة المرتزقة.
فهل يعقل أن وكالة أنباء رسمية تبث حديثا لأمير البلاد بعد منتصف الليل؟ وسؤال آخر للقرصان «الغبي» الذي لعب دور «أبو الحروف» : إذا أردت أن تغير في المحتوى فعليك أن تختار نفس الحرف المعمول به، وإذا كتبت الاسم فاذكره باللقب كما هو، لكن الواضح أن الفشل اللغوي كان هو العامل المشترك بين فرقة «حسب الله»، إذ كانت الأخطاء الإملائية حاضرة في تغريداتهم لدرجة أن أحد التصريحات كان يذكّر المؤنث ويونّث المذكر، فتذكرت مشهدا كوميديا مشابها من مسرحية «انتخبوا أم علي»!
ولأن الواتساب من أفضل وسائل التواصل الاجتماعي، فلا أستبعد أنهم قد اجتمعوا في «قروب» ونزل فيه التغريدات المطلوبة، لذلك كانت السرعة حاضرة بقوة وتجاوزت العفوية والموضوعية، كما هو الحال مع ضيوف «العربية» و«سكاي نيوز» الذين «ذاكروا كويس»، قبل نشر الخبر، ولم يتقنوا الدور التمثيلي المطلوب في مثل هذه الحالة !
بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، فعندما استضافوا المحلل الأكاديمي «النزيه» خالد بامطرفي للتعليق على الموضوع قال: تم نفيه من قبل الجهات المختصة في قطر ويجب علينا احترام هذا الرد».. فلم يرق لهم كلامه وأنهوا الاتصال معه سريعا!
وبصراحة كل ذلك «يهون أمره» إلا المقال الذي كتبه «الشيبة» خالد المالك (73) سنة بعد منتصف الليل، ونشره بمساحة صفحة كاملة، في وقت تدور فيه ماكينة الطباعة لمعظم الصحف، كما أن مقالا بهذا الحجم لـ «كاتب» بهذا العمر يحتاج إلى جهد وتحضير خاصة أنه في هذا الوقت يكون في «سابع نومة» مما يثير علامات الاستفهام والتعجب والاعجاب بهذه الحيوية.
أما أطرف التعليقات التي قرأتها أمس فهي أن «روتانا» قطعت البث لتنقل التصريحات المزعومة.
أي بث الذي تتحدث عنه، فهي إما كانت تعرض فيلما لأحمد حلمي أو أغنية: الله ياني على لاماك «متصوع»!.
ولأن السيناريو «طفولي» كان لابد أن تشارك قناة «طيور الجنة» في الحملة، ويكون لها عصفور في هذه الحفلة.
وعموما ومع كل خطة يقودها السفهاء في الإعلام تبرز إيجابيات تضاف لرصيد الشعب القطري لدى أمته، مما يمنحه كل هذه الشعبية و«الحميمية»، ومن أبرز ما أسفرت عنه هذه المحاولة الفاشلة لضرب استقرار وتوحد دول مجلس التعاون الخليجي أن الإعلام القطري ورواد التواصل الاجتماعي ترفعوا عن «الخطابات المتدنية» والكلمات الهابطة التي يستخدمها الطرف الآخر بلا أخلاق أو مهنية.
والنقطة الأبرز هي الالتفاف الكبير حول قطر من أبناء المنطقة لإدراكهم الكبير وإيمانهم العميق بأنها «سيف مجرب» لضرب الأعداء، وذلك من خلال مشاركتها فعليا وعلى الأرض مع أشقائها في اليمن، حيث اختلطت دماؤنا جميعا في معارك الذود عن حرية الشعب اليمني، دفاعا عن شرعيته وسلامة أراضيه، الأمر الذي لا يترك لأي «مزايد» أن يجد ثغرة يبث منها سمومه.
ما تم اختراقه هو الموقع الإلكتروني للوكالة، وهو تماما ما حدث مع أكبر موجة قرصنة عرفتها الدول حديثاً عبر فيروس الفدية الذي اجتاح عشرات الدول حول العالم، وأوقع 200 ألف ضحية، هي بشكل رئيسي من الشركات في 150 بلداً على الأقل، ووصف من قبل المكتب الأوروبي لأجهزة الشرطة الأوروبية «اليوروبول» بغير المسبوق.
لم يقفوا عند ذلك بل فبركوا وقرصنوا خبر قيام قطر بسحب سفرائها من عدة دول عربية، ولم نسمع يوما أن سحب السفراء يتم عبر مواقع التواصل وفي منتصف الليل، وبهذه الطريقة التي تنم عن جهل بآليات العمل الدبلوماسي، وعن حقد لقطر وشعبها، وهو الذي أعمى بصيرة المتربصين فجاءت العملية ساذجة إلى أبعد درجة.
إلى هنا يمكن فهم كل ذلك، من خلال فهم عقلية الذين يقفون وراء عملية القرصنة، لكن أن تنساق وسائل إعلام عربية وراء هذه الحملة وتضحي بسمعتها، أو ما تبقى لها من سمعة، فإن الأمر يحتاج إلى وقفة، فهي لم تفعل ما فعلته إلا لإضفاء نوع من «المصداقية» على ما تم بثه، فكان أن جندت خبراء ومحللين، كانوا جميعا تائهين، لإثبات ما لا يمكن إثباته، ما يعني أن العملية كانت مدروسة و«مدسوسة» وتم العمل عليها لفترة طويلة ولم يتبق سوى «ساعة الصفر» لبث هذا السم، ثم تأكيده عبر الاستعانة بهذا الإعلام المضلل المشبوه.
كانت عملية ممنهجة تم الإعداد لها على نار الفتنة، ومن المؤسف أن بعض الذين وقعوا في فخ هؤلاء لم يدركوا بسرعة أن ما تم الترويج له لا يمكن أن يصدر عن قطر، ولا يمكن أن يعبر عن مواقفها الأصيلة.
لسنا بحاجة للقول إن قرصنة المواقع أمر شديد السهولة وهو يكاد أن يحدث يوميا، وقد تعرضت الكثير من وسائل الإعلام العالمية لعمليات مماثلة، قبل أن تتكشف الحقائق، وهو بالضبط ما حدث لوكالتنا الوطنية.
هذا استعراض «فني» لتسلسل الأحداث، كما تابعناها تماما كمشتركين، فلم نجد شيئا على الإطلاق، حاولنا التأكد من «الوكالة» وعلمنا أن الأمر غير صحيح، وبات واضحا أن هناك عملية قرصنة لموقع الوكالة، ومع ذلك دعونا نقف أمام «الحديث المغلوط» قليلا، فما تم نقله ليس مجرد تصريح مقتضب، كما هو الحال في مثل هذه المناسبات، مع أن صاحب السمو لا يدلي عادة بتصريحات من هذا النوع، وإنما تمت صياغته بطريقة تحتاج إلى وقت طويل من الإعداد، إذ أنه حمل مجموعة من الرسائل هدفها الأساسي الإساءة لمواقف قطر الثابتة، وعلاقتها الراسخة مع الأشقاء والأصدقاء، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية التي تجمعنا بها أفضل العلاقات وأكثرها تطورا، وما زلنا نذكر جميعا الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين إلى الدوحة في ديسمبر من العام الماضي، والاستقبال الرسمي والشعبي الذي عكس حرارة هذه العلاقات وتاريخيتها وأهميتها.
ما ينطبق على المملكة العربية السعودية ينطبق على الدول الخليجية الأخرى، وخاصة دولة الكويت، التي نحمل لها أسمى آيات التقدير والاحترام، لكن هذه العلاقات الطيبة لم ترق للبعض، ومن هؤلاء الذين حاولوا خلال الأسابيع الماضية تشويه صورة قطر عبر محاولة ربطها بالإرهاب.
لم ينقض وقت طويل حتى انعقدت قمة الرياض الخليجية الإسلامية- الأميركية، التي أعلن خلالها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن قطر شريك استراتيجي في مكافحة الإرهاب، وكانت تلك شهادة أثارت حفيظة الذين دأبوا على الإساءة لقطر ومحاولة تشويه مواقفها، فلجأوا إلى القرصنة، كوسيلة أخيرة، بعد أن فقدوا صوابهم، وكانوا قبل ذلك فقدوا أخلاقهم وقيمهم.
لسنا بحاجة لتأكيد مواقفنا، ولا لتكرار ثوابتنا ومبادئنا، فهي مصدر فخر لنا ولشعوب المنطقة، ولكل عربي أصيل يعرف ما فعلته قطر خدمة لقضايا أمتها، لا لسنا بحاجة لتكرار هذه المواقف فهي معروفة للقاصي والداني، لكن ما يؤلم حقا هو هذا الانحدار المروع لوسائل إعلام تحولت إلى التهريج وإثارة الفتن في الخليج ودخلت في مخطط قرصنة حقيقي من الواضح أنها استعدت له مبكرا، فانخرطت في حملة مسعورة قامت على باطل، لتأليب الأشقاء ضد قطر، عبر أكثر الأساليب رخصا وأقلها كفاءة.
كان واضحا أن هذه المحطات أعدت «أدواتها» استعدادا لـ «ساعة الصفر» وكانت هذه 12:15 ليلا، وبدأ سيل المحللين مع تجاهل تام للبيان الذي صدر عن سعادة الشيخ سيف بن أحمد آل ثاني مدير مكتب الاتصال الحكومي، بعد ذلك بأقل من ساعة، كنا أمام هستيريا: شرائط فيديو قديمة تم استحضارها، محللون كانوا على أهبة الاستعداد، ثم تكرار الخبر وكأنه حقيقة نهائية، وكانت سقطة هؤلاء المريعة أنهم لم يستضيفوا قطريا واحدا للتعليق على ما حدث، وفي ذلك طعنة في ظهر المصداقية والموضوعية.
لقد تمت عملية البث في هذا التوقيت لضمان عدم وجود ردود فعل قطرية سريعة، والمرضى الذين فعلوا ذلك اعتقدوا أن قطر ستنتظر إلى الصباح لتفنيد ما ورد، الأمر الذي يسمح لهم بإشعال فتيل الأزمة ثم انفجارها قبل أن تتمكن قطر من تصويب ما حدث.
لقد تم تشكيل فريق للتحقيق في جريمة اختراق موقع الوكالة، وبات واضحا أن لهذه الجريمة أهدافها الدنيئة من قبل مرتكبيها أو المحرضين عليها، وسوف يتكشف للجميع عاجلا من يقف وراء هذا العمل المشين، وعندها سوف تتخذ كافة الوسائل والتدابير والإجراءات القانونية لملاحقة ومقاضاة مرتكبي جريمة القرصنة، ومع ذلك فإن الشيء الذي أذهلنا كقطريين وخليجيين وإعلاميين هو موقف بعض وسائل الإعلام والقنوات الفضائية، رغم إصدار مدير مكتب الاتصال الحكومي بيانا تضمن الإعلان عن قرصنة موقع الوكالة إلا أن بعض وسائل الإعلام والقنوات الفضائية استمرت في نشر التصريحات المكذوبة والتعليق عليها، الأمر الذي يثير أكثر من تساؤل حول أهدافها ودوافعها، ومن يدفعها أو «يدفع لها»..!
التحقيق سوف يكشف من يقف وراء هذه القرصنة، ربما يأخذ بعض الوقت، لكن الحقائق سوف تتكشف بكل تفاصيلها، ومع ذلك فقد بتنا نعرف على الأقل من يقف وراء الشريط المنسوب لتليفزيون قطر، حيث تم تزويره ليظهر أثناء الاحتفال بتخريج الدفعة الثامنة للخدمة الوطنية، وبحسب ما يدعي أصحاب الفتنة فإن التصريح المغلوط لصاحب السمو قد تم الإدلاء به بعد انتهاء حفل التخريج، كيف إذا ظهر الشريط قبل الإدلاء بالتصريح المزعوم؟.
المملكة العربية السعودية، شقيقتنا الكبرى، وهي خط الدفاع الأول عن منطقتنا بأسرها، ندعمها ونعاضدها ونؤيدها، والسؤال الآن: ما هو الهدف من كل ذلك؟ وهل الهدف هو قطر فحسب، أم أمن الخليج بأسره؟. عبر طعن وحدتنا الخليجية بسكين الغدر، من خلال عملية قرصنة خسيسة أطلقت بعدها دعوات الفتنة والغدر، بعد ثلاث قمم ناجحة مميزة شهدتها الرياض عاصمة العروبة، وكأن المطلوب ضرب وحدتنا الخليجية وتمزيق كياننا الواحد، عبر إدخاله في متاهة خلافات وهمية هدفها أمننا جميعا دون استثناء.
بقلم : محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول