كل المواقف المعلنة للدول المختلفة حول ما يجري في السودان تذهب إلى المطالبة بوقف الاشتباكات الدائرة هناك، وضبط النفس وتحكيم العقل، واللجوء إلى التفاهم السلمي لحل الخلافات، حماية للأرواح ومقدرات الشعب السوداني، وحفاظًا على أمن السودان واستقراره ووحدة أراضيه، لكن هذه الدعوات لا تجد من يستمع إليها، فالصراع الدائر اليوم بدأ يتحول إلى صراع وجودي بين الطرفين المتناحرين، ما يعني أنه مستمر إلى حين حسمه ميدانيا، وهذه مسألة في غاية الصعوبة، بسبب توازن القوى والامتدادات القبلية والعشائرية، والتدخلات الإقليمية والدولية ذات المصالح المتباينة.

ومع تفاقم المعارك في الخرطوم، بدأ آلاف المدنيين يفرون منها تحت القصف، سيرا أو في مركبات، على الطرق التي تغطيها الجثث وهياكل المدرعات المتفحمة، إذ لم يعد البقاء ممكنا فيها مع انقطاع الكهرباء والمياه الجارية والرصاص الطائش الذي يخترق النوافذ وحتى الجدران، والذي تسبب في مقتل عشرات المدنيين، بالإضافة إلى الصواريخ التي تنهمر فجأة لتحول مبنى أو مستشفى إلى كومة من الأنقاض.

حتى الآن لا توجد سوى حصيلة مؤقتة لأعداد الضحايا لأن ساحة المعركة خطيرة، ولم يتم بعد جمع العديد من الجثث، ولم يصل كثير من الجرحى لتلقي العلاج، وهذا يعني أن الأعداد أكبر بكثير مما تم الإعلان عنه حتى الآن، وهي مرشحة للتزايد أكثر فأكثر ما لم يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، والبدء بحوار جاد ومسؤول يسمح بوقف إراقة الدماء، وتحقيق أحلام السودانيين في التحول الديمقراطي، بعد أن قدموا ما فيه الكفاية من التضحيات.