روى الذهبي في سير أعلام النبلاء، وابن عساكر في تاريخ دمشق، والمزني في تهذيب الكمال، والغزالي في إحياء علوم الدين أن الأصمعي قال: دخلَ عطاء بن أبي رباح على عبد الملك بن مروان، وهو جالس على كرسي المُلكِ وحوله الأشراف من الناس، وهو يومئذ بمكة للحج.
فلما رآه عبد الملك قام إليه، وأجلسه إلى جواره، وقال له: يا أبا محمد، ما حاجتُكَ؟
فقال عطاء: يا أمير المؤمنين، اتقِ الله في حرمِ الله، وتعاهده بالعمارة، واتقِ الله في أولاد المهاجرين والأنصار، فإنكَ بهم جلستَ هذا المجلس، واتقِ الله في أهل الثغور، فإنهم حصن المسلمين، وتفقَّدْ أمور المسلمين، فإنكَ وحدكَ المسؤول عنهم!
فقال له عبد الملك: أفعَلُ إن شاء الله.
فقام عطاء يريدُ أن يمضي، فأمسكه الخليفة من يده، وقال له: يا أبا محمد، إنما سألتنا حوائج غيرك، وقد قضيناها، فما حاجتُك؟
فقال: ما لي إلى مخلوقٍ حاجة!
ثم خرجَ من عنده، فقال عبد الملك: هذا والله الشرف، هذا والله السُّؤدد!
إنَّ الذي يطرقُ الأبواب سائلاً لنفسه سرعان ما يملَّه الناس ويسقط من أعينهم، أما الذي يطرقُ الأبواب سائلاً للهِ يكبر في عيون الناس!
يعجبني الذي لا يسأل لنفسه إبرة، ولكنه للهِ يسألُ وادياً من إبر!
يعجبني أولئك الذين يرون أن مسجد الحيِّ بحاجةٍ إلى إصلاحاتٍ فيطرقون الأبواب لأجل إتمامها، وأحدهم لأجل بيته لا يطلبُ شيئاً، ولكنه لأجل اللهِ لا يتحرَّج!
يعجبني أولئك الذين يعرفون بمريضٍ فقير يحتاج إلى عملية جراحية عاجلة، فيأخذون الأمر على عاتقهم، وكأن المريض من بعض أهلهم، فلا يتركون باباً يرجون منه الخير إلا طرقوه، ويحتسبون في ذلك الأجر، وجبر الخواطر! وأحدهم لو لم يجد ثمن علبة دواء لنفسه ما سأل أحداً ثمنها!
حيث أسكن مجموعة من الشباب أطلقوا عن أنفسهم اسم «شباب الخير»، وهم للعام الرابع على التوالي في كل رمضان، دوَّنوا أسماء الأُسر الفقيرة المتعففة، في قوائم، ثم طرقوا أبواب الميسورين يسألونهم أن يعينوهم على مساعدة الناس، والجميع يُحبهم من أعطاهم ومن أخذ منهم، ولا يعلمُ أحدٌ إلا الله من أعطاهم ولا من أخذ منهم، فلا يصورون وجه محتاج، ولا يذكرون اسم فقيرٍ، وإنما يصورون كل يوم ما يقومون بتوزيعه وينشرونه، وبهذا يطمئِّنُ من أعطى، وينستر من أخذ!
وفي العشر الأواخر من رمضان أقاموا حملة لشراء ثياب العيد لأطفال الأُسر المتعففة، مستهدفين مائة طفل، فاستطاعوا أن يجمعوا أكثر مما يحتاجون، فأعطوا كل طفلٍ عيدية مع الثياب!
كتبتُ هذا إعجاباً بهم، وشداً على أيديهم، وتشجيعاً لأمثالهم، فإذا رأيتم هذه المبادرات فاجعلوا لكم فيها سهماً، كبير جداً من يُعطي للهِ، وأكبر منه من يسأل لله!