مؤشرات كثيرة قادمة من السودان تؤكد أن البلاد قد دخلت واحدة من أخطر أطوارها التاريخية الحديثة، فقد بدأت أهم الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية بإجلاء رعاياها من هناك وإغلاق مقرات بعثاتها الدبلوماسية. دول أخرى كثيرة خطت نفس الخطوة من أجل حماية مواطنيها ودبلوماسييها وهو ما يؤكد أن الصراع على السلطة الذي اندلع مؤخرا لن يكون حالة ظرفية بل سيمتد في الزمن.
لن نختلف في أنّ القوى الدولية لو أرادت إيقاف الصراع المسلّح على السلطة هناك لأنهته في ساعات لكن لا يبدو هذا القرار من أولويات القوى الدولية. بل ولن نجادل في أن نفس هذه القوى مشاركة بقوة في تأجيج الصراع هناك لحساب أطماعها الاستراتيجية والاقتصادية التوسعية. لكن المشكلة الأكبر هي عجز القوى السودانية المدنية والعسكرية والسياسية على وضع حدّ لهذا النزيف وكذلك عجز القوى العربية وعلى رأسها جامعة الدول العربية على فرض الحوار في الخرطوم.
الخطير في الملف السوداني أنه مرشح بقوة للانخراط في منوالات الفوضى الاقليمية ويكون بذلك إلى جانب ليبيا بؤرة جديدة للعنف التي قد تتمدد إلى الجوار الإفريقي والعربي. من جهة ثانية لا تملك البلاد أية مقومات للاستقرار بعد سنوات من الصراع الخافت على السلطة بعد إسقاط حكم البشير ورفض القوى العسكرية تسليم السلطة إلى المدنيين. كما أن المجتمع المدني والسياسي السوداني يبدو الغائب الأكبر عما يحدث من تقاتل وعنف وانتشار المليشيات المسلحة في كل مكان. فشل البلد كما فشلت دول عربية كثيرة في تحييد الدور العسكري وفي بناء الحدّ الأدنى من المؤسسات القادرة على تكوين مناعة سياسية من الانزلاق نحو العنف المسلح بل شارك السودان بمليشياته ومرتزقته في الصراع الدائر في ليبيا واليمن وصولا إلى المشاركة في النزاع السوري.
الوجه الآخر للكارثة أن السودان يعتبر من أغنى الدول العربية والإفريقية من حيث الثروات الباطنية والأراضي الخصبة والقدرات البشرية التي لم تنجح النظم السياسية المتعاقبة على حكمه في تحويلها إلى رافد للتنمية والاستقرار. حيث تتربص بالبلاد كل الأطماع الإقليمية والدولية لوضع اليد على ثروات السودان مستفيدة من حالة الفوضى والحرب الأهلية كما حدث قبل ذلك في العراق وسوريا واليمن.
السودان اليوم في عين العاصفة إذا لم تسارع القوى الداخلية والمؤسسات العربية إلى منعه من الانزلاق نحو الهاوية وهو الأمر الذي ستكون له عواقب وخيمة على دول حوض النيل والمنطقة العربية ككل.