منذ أيامٍ أصدرت «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» بياناً تتمنى فيه من الأشخاص الذين يلعبون ألعاب فيديو قتالية التوقف «إلكترونياً» عن ارتكاب جرائم حرب! وقد أدرجتْ أربع قواعد على اللاعبين الالتزام بها وهي:
- لا تُطلقوا النار على الجرحى.
- لا تستهدفوا المدنيين.
- لا تُدمروا المباني السكنية.
- لا تُتلفوا المعدات الطبيَّة.
وعللت اللجنة بيانها هذا بتذكير البشرية باتفاقية «جنيف» للحروب التي أقرَّتها البشرية عام 1949 عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية!
قبل هذا بما يزيدُ على 1400 سنة، وقف رجلٌ في صحراء العرب يُملي على جيشه أخلاق الحروب! كان خيِّراً إلى درجة يبدو فيها من جنس الملائكة، عطوفاً وكأنه أبٌ لأعدائه حتى، متسامحاً وكأنه رحمة تسير على قدمين! قال لهم يومها: لا تغدروا، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة، ولا كبيراً فانياً، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة، ولا تهدموا بناءً!
وحين كانت الحرب تضعُ أوزارها، كان ينهى أصحابه أن يُمثِّلوا بالجثث، وينهاهم أن يسيئوا للأسرى!
كان كل همّه أن ينشر رسالة ربِّه المأمور ببلاغها بأيسر الطرق، وأكثرها رحمةً ورُقِيًّا، وأقلها خسائر من الطرفين، لم ينشر دينه بالسَّيف، ولكنه كان يعرف أن الحقَّ الذي لا يدعمه السيف يستهين به الناس!
الفارق بين وصايا الإسلام للحرب واتفاقية «جنيف» أنَّ وصايا الإسلام قد طُبقت حرفياً على مدى تاريخ غزوات المسلمين وحروبهم، وهذا كان مثار إعجاب عند كل منصف، حتى قال توماس آرنولد في كتابه «الدعوة إلى الإسلام»: لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من المسلمين!
ولغوستاف لوبون مقولة شبيهة بهذه أيضاً!
أما «المتحضرون» أصحاب اتفاقية «جنيف» فقد أبقوها حبراً على ورق، وها هي حروبهم قد شهدناها سواء علينا، أو بينهم! ما زالوا في أخلاقهم الحربيَّة رعاعاً همجاً وإن كانوا ببذلاتٍ أنيقة!
نعم، عند الغرب دول مدنية تحكمها القوانين التي لا أُنكر أن في طياتها ما يثير الإعجاب!، ولكنها قوانين محليَّة، تُستخدم ضمن نطاقهم فقط، ومتى ما دقوا طبول الحرب، خلعوا قشور التحضر، وظهر ذاك اللب المتخلف، ولم تمضِ بضعة أشهر على صدور كتاب الأمير هاري الذي يفخر فيه بقتل المدنيين في أفغانستان للتسلية وبدم بارد! فإذا كان هذا حال النُخب من ساكني القصور، فعن غيرهم حدِّث ولا حرج!
فلا تنخدعوا بالقشور، ولا تروا من المشهد إلا ما يريدون لكم أن تروه!
«رامبو» البطل لم يكن يحارب الأشرار الفيتناميين كما في أفلام هوليود، كان محتلاً يحارب الفلاحين البسطاء الذين رفضوا احتلال وطنهم! والعراق تم احتلاله لأجل النفط تحت شماعة أسلحة الدمار الشامل! ولم يحدث مرَّةً - ولو من باب الكذب الكلامي - أن أدانوا جرائم «إسرائيل» تحت قبة مجلس الأمن!