استعدى رجل على علي بن أبي طالب عند عمر بن الخطاب، وهو يومئذ خليفة المسلمين، وعلي عنده.
فقال عمر للرجل: اجلس هناك يا فلان..
وقال لعلي: قم يا أبا الحسن فاجلس مع خصمك!
فقام وجلس، وتناظرا، ثم انصرف الرجل ورجع علي إلى مكانه، ورأى عمر تغيرا في وجه علي.
فقال له: ما لي أراك متغيرا يا أبا الحسن، أكرهت ما كان؟
قال: نعم!
فقال له عمر: وما ذاك؟
فقال له علي: كنيتني بحضرة خصمي، وناديته باسمه، هلا قلت: قم يا علي فاجلس مع خصمك؟
فاعتنق عمر عليا وجعل يقبل رأسه ويقول: بأبي أنتم، بكم هدانا الله، وبكم أخرجنا من الظلمات إلى النور!
إنك والله لا تعرف من أي شيء تعجب في هذه القصة!
من الرعية الآمنة التي تخاصم صهر نبيها صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وهي تعلم أن لو كان لها حقا ستأخذه عن آخره!
أو من الخليفة الذي لا يميز بين الناس في القضاء، فكلهم عنده أصغر من الحق! فعلى حبه لعلي، وتوقيره لآل بيت النبوة، إلا أن الناس أمام القانون سواء!
أو من علي بن أبي طالب، الذي يرفض أن يكنى في حضرة خصمه، لأنه رأى في هذا تمييزا له عنه!
إن الإنسان لن يبلغ مرتبة النبل حتى ينصف خصمه كما ينصف نفسه، وحتى يرضى بالحق على نفسه كما يرضاه على غيره!
يحدثك أحدهم عن تكافؤ الفرص، وعند أول وظيفة يتقدم لها يذهب ليبحث عن واسطة!
ويحدثك أحدهم عن تحكيم الشريعة وعند موت أبيه يأكل ميراث إخوته!
إن الشريعة ليست حدودا فقط، هذا نظام العقوبات فيها، الشريعة نظام كامل متى أقمناه في بيوتنا، قام في مجتمعاتنا!
والعدل ليس جملا منمقة، وإنما تصرفات حياتية صغيرة جدا تبدأ في البيت أولا، وتصحبك إلى كل مكان تذهب إليه!