لماذا يتقدم شباب الخليج العربي في عالم البودكاست العربي، أظنه سؤال مهم في دقته وفي مسبباته، إذ إن البودكاست يتفاعل اليوم أيضاً في بقية الوطن العربي، وخاصةً في مصر، وليس لديّ إحصائيات عالمية ولكن هناك شواهد في أن صعود البودكاست أفضل من تجربة (كلاب هاوس) الذي تهاوى سريعاً وخاصة بعد أن فتح تويتر مضادات الدفاع في مساحاته، ومن الغريب جداً أن البودكاست يأخذ زمناً طويلاً جداً مقارنةً بعصر السرعة الخيالية في السوشيال ميديا، ومع ذلك يضمن متابعات حاشدة بمئات الآلاف.

وهي مشاهدات تُستقطب عبر اليوتيوب وليس من خلال المنصة الصوتية الإذاعية فقط، فما الذي يحمل المستمع والمشاهد العربي، على هذه المتابعة للمادة الطويلة، في ظني أن تقدير هذا الأمر يحتاج إلى دراسة إحصائية وبحثية، غير أن الخروج عن السائد في طريقة الحوارات الإعلامية، وترك الضيف يعبر بزمنه عبر تدفقه الذاتي، ورفع الحرج عنه وعدم مقاطعة المحاور، شواهد لوجستية مهمة في هذا المضمار، وبالطبع شخصية الضيف ومدى أهمية حديثه للمجتمع المتابع.

ويبرز لي هذا النجاح والحضور الملفت، في بودكاست بدون ورق، الذي يقدمه الشاب الكويتي الخلوق والمهذب فيصل العقل، ويعده مع زميلته منيرة الشريفي، فالجاذبية التي حققها البرنامج وانتقاله من قوة الحضور الكويتي إلى الخليج العربي، ثم بقية الوطن العربي مساحة تستحق التوقف.

وفي لقاء فيصل مع صحيفة النهار اللبنانية المصوّر، قدم رؤيته في رسالة (بدون ورق)، والتي تدور حمل البساطة التي ذكرناها في الأداء، واختيار مواضيع أكثر تشويقاً ولفت نظري استلهامه وحي البرنامج من منهجية الديوانية الكويتية، ومن الصوت الإذاعي الأول حين أطلقت الكويت البث الحي 1951، بعبارة: هنا الكويت.

وبالطبع يقفز هنا سؤال اعتراضي مهم، ماذا عن بودكاست فنجان ومنتجات شركة ثمانية السعودية، وحضورها الضخم في المشاهدات، وهو موضوع مستحق التأمل في حجم النجاح الواسع والاستقطاب الكبير، غير أن مشروع ثمانية هو مشروع دولة اليوم، في حين بودكاست بدون ورق مشروع شباب مستقل.

وهذا لا يلغي تميّز الشباب السعودي في مرحلة تأسيس البودكاست، في شركة ثمانية وغيرها الملفت للنظر، وخاصة في قوة حضورهم الأكبر في الوطن العربي، ولكن مقارنة البودكاست المستقل، بمشروع اقتصادي إعلامي لأي دولة تختلف موازينه، هذا من ناحية التقييم التقني الفكري، بعض النظر عن الخلفية الثقافية التي ينتمي لها أي مشروع.

وهناك روح مهذبة تصالحية ومؤدبة للغاية تجذبك في طريقة أداء فيصل، اعتقد أنها تلعب دوراً في الراحة النفسية للمشاهد، مع استرخاء الضيف وتدفق حديثه، وأنت في رحلتك مع بدون ورق تطل على المسرح الكويتي العام، في شخصيات عديدة، سياسية ودينية وفنية.

وأحياناً يفاجئك البرنامج بشخصية طواها الزمن ولم يتوقف عندها، رغم أهميتها البالغة بسبب الحدث الذي عاصرته، بل كانت جزءا من أحداثه، كما جرى مع الكابتن عيد العازمي، مساعد الطيار في العملية الإرهابية الطائفية، التي نظمتها ميلشيات موالية لإيران عبر اختطاف طائرة الجابرية.

تلك الرحلة التي أوقفت قلوب اهل الخليج العربي وكل إنسان شريف، وهم يتابعون فظاعات المأساة، فلم تكشف بعض أوراقها المهمة، للمحلل السياسي والباحث الفكري، إلا من خلال شهادة الكابتن عيد العازمي، الذي قدّم تفصيلات دقيقة وحسّاسة في ايدلوجية الكراهية النازية الطائفية للإرهابيين، نحو مجتمعات الخليج العربي، لا مجال لشرحها هنا.

كما أن جدول ضيوف فيصل طيف متعدد للمجتمع الكويتي، يبسط لهم مجلس صدره الوفير، فيُقرّب بعضهم لبعض، ويُلامس جذور أزمات عميقة في التاريخ السياسي والديني الكويتي، وشقه المجتمعي، فهو طاولة حوار مفتوحة يُقيّم دورها الوطني والأخلاقي اليوم، بعلامات تفوّق وخاصة في ظل اضطراب الساحة الكويتية المؤسف، فالخلاف والصراع اليوم ليس بين الحكومة والمعارضة، ولكنه بين المعارضة والمعارضة، وبين اضلاع مؤثرة في الحكومة، تنعكس على استقرار المجتمع الكويتي، وتؤخر العمل على استئناف مسيرة التشريع والتنفيذ الحكومي.

وخاصة بعد المبادرة المهمة لأمير الكويت الشيخ نواف الأحمد في قرار العفو وطي صفحة الماضي، وفتح بوابة أمل جديدة لمستقبل الهامش الديمقراطي الكويتي، فهو هامش مهم للكويت الوطن وللأسرة الخليجية وللوطن العربي الكبير، ومعالجة هذه الانشقاقات والحزازات عبر روح المطارحة والمصارحة، أمر مهم وضروري.

آمل أن تعكسه روح فيصل العقل ومنيرة الشريفي، وبقية شركائهم في الكويت، ولعل الله أن يفتح لهم أبوابا أغلقها الصراع على مجلس الأمة، أو الصراع فيه، فنسمع من جديد صدى ورش العمل لبناء كويت الأمل، ورشة عمران وانطلاقة قيم أخلاق، فنقول نعم هنا الكويت.

مهنا الحبيل باحث عربي مستقل رئيس المركز الكندي للاستشارات الفكرية