+ A
A -

روى ابن الجوزي في عيون الحكايات:

أن الخليفة المأمون قال ليحيى بن أكثم: إني أشتهي أن أرى بشر بن الحارث.

فقال يحيى: متى يحب أمير المؤمنين هذا؟

فقال: الليلة.

فركبا إلى منزله، فنزل يحيى، فدق الباب، فقال بشر: من هذا؟

فقال يحيى: من تجب عليك طاعته!

فقال: وأي شيء يريد؟

قال: يريد لقاءك!

فقال بشر: طائعا أم مكرها؟

فعلم المأمون أنه لا يريد لقاءه، فقال ليحيى: امض بنا..

فدخلا مسجدا يصليان، فإذا الإمام حسن القراءة، فلما كان الصبح، أرسل إليه فاستدعاه، فجعل المأمون يناظره في الفقه.

والرجل يقول: القول في المسألة خلاف ما يقول أمير المؤمنين..

فغضب المأمون لما كثر خلافه مع الرجل، وقال له: كأنك تريد أن تذهب إلى أصحابك، فتقول لهم: خطَّأت أمير المؤمنين!

فقال الرجل: والله يا أمير المؤمنين، إني لأستحي من أصحابي أن يعلموا أني جئتك..

فقال المأمون: الحمد لله الذي جعل في رعيتي من يستحي أن يجيئني.

والرجل في القصة الفقيه العابد إبراهيم الحربي.

أحيانا تكون أنت في واد والناس في واد!

والشيء بالشيء يذكر..

في السابعة من عمره اشترك ابني مالك بمسابقة رمضانية لحفظ جزء عم، وقبل توزيع الجوائز بأيام، سألت الشباب في دار التحفيظ عن الجائزة، فاستقللتها، وأردت أن أشجعه، فأعطيتهم مبلغا أضعاف ما سيأخذه، وطلبت منهم أن يضعوه في المغلف الذي سيستلمه منهم دون أن يخبروه أنه مني، ولم يخطر في بالي أن يقوم الأطفال المتسابقون بفتح مغلفاتهم أمام بعضهم البعض، وعندما رأى مالك أن مبلغه أكبر بكثير من مبالغهم، طلب من القائمين على المسابقة - الذين هم أصدقائي- أن لا يخبروني بالمبلغ كي لا آخذ بعضه!

ابني مالك أطيب مما يبدو في هذه الحادثة بكثير، وعنده بر عجيب بي وبأمه، ولكنها طرائف الأطفال، وبراءتهم!

المشكلة في عالم الكبار، في شخص ينظر إلى ما في يديك، وأنت تفكر كيف تزيد له ما في يديه!

في زميل عمل تساعده دون علمه، وتستر زلته، وهو يراك منافسا ويحفر لك!

في شخص تطوي صفحته، وتسأل الله أن يباعد بينك وبينه بعد المشرق عن المغرب، فلا يراك ولا تراه، ما زال يحسب أنه محور الكون، وهو لا يدري أنك بلغت من الزهد به مبلغا أنه لم يعد عندك فضول حتى أن تعرف أهو حي أم ميت!

في شخص تسكت عنه حلما، فيحسب الحلم جبنا!

في شخص تترفع عنه، لأنك تختار خصومك بذات الدقة التي تختار بها أحبابك، فيحسبك ضعيفا في المواجهة! في شخص تراعي فيه الرحم والقرابة، وتقول في نفسك: لا بأس، مع الله! بينما هو يحسب أنك تخشاه!

قبل أن تخوض صراعاتك، تأكد أن الطرف الآخر له رغبة في أن يخوض هذا النزال معك، لأنك ستبدو مضحكا وأنت تقاتل وهما كما فعل «دون كيشوت» مع طواحين الهواء!

copy short url   نسخ
11/05/2023
390