+ A
A -
قبل إعلان أبوظبي الرسمي، بأنها أبلغت واشنطن الامتناع عن أي عمل عسكري ضد دولة قطر، كان هناك حقيبة ضخمة من المواقف والتحركات، ساهمت بصورة كبيرة، في سحب الزخم المتفجر، الذي تسبب به دعم ترامب لقرار الحرب العسكري في منطقة الخليج العربي، وموقعها الاستراتيجي الحيوي لكل دول العالم.
ومن المهم لنا هنا أن نُحلل هذه المواقف، لفهم الحدث ومستقبله، مؤكدين في مطلع المقال، وخاصة بعد انكسار قرار الحرب الخطير، على ضرورة التواصل المباشر بين الرياض والدوحة، وبرغم كل ما تعرضت له الشخصيات الاعتبارية في قطر من لغة شرسة تجاوزت كل الحدود، إلّا أن زيارة المسؤول السعودي، ستجد لدى الدوحة مواقف الأخ الشهم الذي يعرفونه.
فتبدأ بعدها سلسلة التفاهمات الثنائية، وخاصة في الملفات التي تهم العلاقة الثنائية، والتي ذكرناها في مقال قبل أن يحترق الخليج، هذا هو الطريق لتطويق الخسائر الضخمة من قرار الحصار، ومنع المزيد من الاستثمار الإقليمي والدولي له، على حساب مستقبل دول الخليج العربية.
وهذه التسوية هي في الحقيقة تدارك لصالح الرياض والدوحة معاً، وهي بالقطع ليست عودة لواقع المجلس الخليجي مطلقاً، فالمجلس عصفت به أزمة ثقة تهدد وجوده، فضلا عن قدرته في صناعة الحد الأدنى من التفاهم، وإنما لتطويق خسائر كبيرة قد يستثمرها التطرف الغربي في قانون جاستا، مع شريكهم الخليجي الخاص في مستقبل المنطقة.
وخاصةً من خلال ما نشر في وسائل الإعلام، من لغة خطيرة لها تفسيرات قانونية يسهل توظيفها، في الرواق الدولي، والسياسة حالة متقلبة لا يمكن الوثوق بواقع أرضيتها، فيما ستلعب لغة الاعلام مستقبلا دوراً يستثمر كل ما جرى.
ولذلك نؤكد على لقاء سعودي قطري، في الدوحة، لتدارك أي مساحة، ممكن أن تحقق توازناً للمستقبل الاستراتيجي للسعودية ذاتها، قبل شقيقتها في قطر.
أما المسار الذي انعطفت به رياح الحرب، فهو الموقف الأميركي ذاته أولاً، فتباين موقف الخارجية الأميركي وبقية المؤسسات مع أحاديث ترامب المكثفة لدعم العمل العسكري، إضافة لموقف سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في الدوحة، الذي أظهرته، وكأنها توبخ ترامب على حماقاته المستمرة، وممارسة شهوة التغريد، على حساب مصالح واشنطن، كل ذلك عزّز عودة الخارجية الأميركية لإمساك الملف، وهي قضية رُصدت من مؤسسات عربية وغربية ومراقبين متعددين بوضوح.
لكن ما كتبته بلومبيرغ في تقريرها، حول إصرار ترامب على التغريد، رغم تنبيهه وأنه لا يفهم ما يقول، أتحفظ عليه كلياً، فترامب كان يعي تأثير دعمه لقرار الحرب، وكان جاداً في نشوته، بل لا أستبعد أنه كان يُمنّي رئاسته بجزء كبير من غنيمة الحرب، بحسب تفاهمات سابقة.
إضافة إلى أن المكسب الوحيد لدونالد ترامب، كان إعلانه أن أموال الصفقة الأخيرة مع الخليج العربي، والتي تقدّر كمرحلة أولى بقرابة 800 مليار، عبر حقيبة مشاريع ومسارات مختلفة، فبالتالي كان يقول لأنصاره، إنني لا أستطيع التراجع عن هذا الدعم فتخسرون وظائفكم الحلم.
ولذلك تَرَك مهمة معالجة الكارثة لوزارة الخارجية، التي أيضا تقيس مصالح واشنطن القومية، حتى في حقيبة التناقضات، وقد يأتي زمنٌ تُكشف فيه حقائق مذهلة، بعد بدء إجراءات عزل الرئيس الأميركي، خلال عام بحسب توقعات مراقبين أميركيين.
وبنية التقاطع مع ترامب، كما أنها أصيلة في موقف الصهيونية الأميركية المؤيدة لإسرائيل، في قرار الحرب على قطر، وهو ما بينّاه سابقاً، فلها شركاء أيضا من الجمهوريين، اعتقدت حساباتهم أن غنيمة ترامب من الحرب ستصب في سلة واشنطن، وإن احترق الخليج العربي، فهم الأقدر على إعادة تخطيط خرائطه.
ونأخذ هنا بعين الاهتمام، بدء الصفقات التجارية الضخمة بين الجمهورية الإيرانية والولايات المتحدة، والتي لم توقفها مطلقا حملات ترامب الصوتية، كما أن موقف إيران وتحالفها مع موسكو، تحصّل على أقوى دعم استراتيجي منذ الثورة السورية، بسبب قرار الحرب على قطر، وهي اليوم تتقدم في أيام وأسابيع، ما لم تحققه في سنوات.
أما المسار الثاني فهو موقف أوروبا وانضمام باريس إلى برلين ثم لندن، والذي عارض بشدة قرار ترامب الذي أَعلن رسميا انه المسؤول الأول عنه، مع حلفائه في الخليج العربي، وذلك لتقدير أوروبا الأعمق تاريخيا، لمآلات هذه الحرب العسكرية والسياسية عليها، وعلى العالم، وأهم أمر بعد مخزن النفط والغاز، هو حالة انفجار التوحش الإرهابي في العالم، الذي لا يزال يضرب الشرق ويصل لهيبه إلى الغرب، لو كان الاجتياح حصل بالفعل.
كل ذلك تزامن مع بدء الانتشار التركي، وفقا للاتفاق الدفاعي بين الدوحة وأنقرة، والإعلان الرسمي لبدء تدشين قاعدة الريّان العسكرية، والرسالة الضمنية القوية، أن واشنطن مركز غادر لا يؤمن له لأمن العرب، وهو موقفنا في الفكر الإسلامي والقومي قديما.
فتوازن الدور التركي، ليس من خلال تأثيره على الاستقلال العربي، المنهوب أصلا في بازارات العالم، وإنما لمدافعة شر مستطير، لو كانت قطر تعرضت للعمل العسكري لا سمح الله.
وبالتالي وكما رددنا فهذا التوازن لمصلحة كل دول المنطقة، وواضح أن رسالة وزير الخارجية جاويش أوغلوا للرياض جاءت في هذه السياق، والتقاط واشنطن الرسالة، دفعها للإعلان عن المناورة البحرية المشتركة مع القوات المسلحة القطرية، وإن كان الدرس في فهم العقل والجيب الذي انتخب ترامب، لا يخدعُ عاقلا اليوم.
هذا الموقف أيقظ عواصم عربية وخاصة الرباط وعمّان، أمام التوازن الأوروبي الواضح، وبدأت حركة التصحيح الدبلوماسي تتوالى على منطقة الخليج العربي، في حين كنّا نأمل أن تُحل الأزمة عبر مبادرة الشيخ صباح ودعم سلطنة عمان، منذ أول الأمر، ورغم دخول الأزمة منعطف الرعاية الدولية لضمان عدم تكرارها، إلا أن مهمة الشيخ صباح وثنائية موقف الكويت المتحد مع مسقط، سيلعب دوراً مركزيا.
لتحقيق انسحاب آمن بين موقفي الخليج، موقف الكويت وعُمان وقطر، وموقف الامارات والسعودية والبحرين، وليس المقصود محاور مواجهة ولا مفاصلة، لكن من الواضح أن الأزمة ستخلق برنامج شراكات واسعة لا يعرف أين حدودها مع العالم والإقليم، ومن صالح الجميع انجاز ميثاق توافقي بديل، بعد فشل المجلس الخليجي، ومعالجة كارثة التصعيد على العلاقات الاجتماعية، والبناء على أسس توافق حقيقية، لا مجاملات وعلاقات عامة هزيلة.
هنا يبقى دور الكويت لإنجاز هذه التفاهمات المهمة، لمستقبل الخليج العربي، الذي تَهدم أركانه أطماع النفوذ الجديد، مستثمرة أخطر عنصر، وهو غياب الموقف الشعبي الذي فقد برلمانه المنتخب ذا الصلاحيات، واليوم يفقد حتى حق صوته المبحوح، وتتزامن خطة الحرب والتقسيم فيه مع خطة التهويد لبيت الله المقدّس، في زهرة المدائن.
بقلم : مهنا الحبيل
ومن المهم لنا هنا أن نُحلل هذه المواقف، لفهم الحدث ومستقبله، مؤكدين في مطلع المقال، وخاصة بعد انكسار قرار الحرب الخطير، على ضرورة التواصل المباشر بين الرياض والدوحة، وبرغم كل ما تعرضت له الشخصيات الاعتبارية في قطر من لغة شرسة تجاوزت كل الحدود، إلّا أن زيارة المسؤول السعودي، ستجد لدى الدوحة مواقف الأخ الشهم الذي يعرفونه.
فتبدأ بعدها سلسلة التفاهمات الثنائية، وخاصة في الملفات التي تهم العلاقة الثنائية، والتي ذكرناها في مقال قبل أن يحترق الخليج، هذا هو الطريق لتطويق الخسائر الضخمة من قرار الحصار، ومنع المزيد من الاستثمار الإقليمي والدولي له، على حساب مستقبل دول الخليج العربية.
وهذه التسوية هي في الحقيقة تدارك لصالح الرياض والدوحة معاً، وهي بالقطع ليست عودة لواقع المجلس الخليجي مطلقاً، فالمجلس عصفت به أزمة ثقة تهدد وجوده، فضلا عن قدرته في صناعة الحد الأدنى من التفاهم، وإنما لتطويق خسائر كبيرة قد يستثمرها التطرف الغربي في قانون جاستا، مع شريكهم الخليجي الخاص في مستقبل المنطقة.
وخاصةً من خلال ما نشر في وسائل الإعلام، من لغة خطيرة لها تفسيرات قانونية يسهل توظيفها، في الرواق الدولي، والسياسة حالة متقلبة لا يمكن الوثوق بواقع أرضيتها، فيما ستلعب لغة الاعلام مستقبلا دوراً يستثمر كل ما جرى.
ولذلك نؤكد على لقاء سعودي قطري، في الدوحة، لتدارك أي مساحة، ممكن أن تحقق توازناً للمستقبل الاستراتيجي للسعودية ذاتها، قبل شقيقتها في قطر.
أما المسار الذي انعطفت به رياح الحرب، فهو الموقف الأميركي ذاته أولاً، فتباين موقف الخارجية الأميركي وبقية المؤسسات مع أحاديث ترامب المكثفة لدعم العمل العسكري، إضافة لموقف سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في الدوحة، الذي أظهرته، وكأنها توبخ ترامب على حماقاته المستمرة، وممارسة شهوة التغريد، على حساب مصالح واشنطن، كل ذلك عزّز عودة الخارجية الأميركية لإمساك الملف، وهي قضية رُصدت من مؤسسات عربية وغربية ومراقبين متعددين بوضوح.
لكن ما كتبته بلومبيرغ في تقريرها، حول إصرار ترامب على التغريد، رغم تنبيهه وأنه لا يفهم ما يقول، أتحفظ عليه كلياً، فترامب كان يعي تأثير دعمه لقرار الحرب، وكان جاداً في نشوته، بل لا أستبعد أنه كان يُمنّي رئاسته بجزء كبير من غنيمة الحرب، بحسب تفاهمات سابقة.
إضافة إلى أن المكسب الوحيد لدونالد ترامب، كان إعلانه أن أموال الصفقة الأخيرة مع الخليج العربي، والتي تقدّر كمرحلة أولى بقرابة 800 مليار، عبر حقيبة مشاريع ومسارات مختلفة، فبالتالي كان يقول لأنصاره، إنني لا أستطيع التراجع عن هذا الدعم فتخسرون وظائفكم الحلم.
ولذلك تَرَك مهمة معالجة الكارثة لوزارة الخارجية، التي أيضا تقيس مصالح واشنطن القومية، حتى في حقيبة التناقضات، وقد يأتي زمنٌ تُكشف فيه حقائق مذهلة، بعد بدء إجراءات عزل الرئيس الأميركي، خلال عام بحسب توقعات مراقبين أميركيين.
وبنية التقاطع مع ترامب، كما أنها أصيلة في موقف الصهيونية الأميركية المؤيدة لإسرائيل، في قرار الحرب على قطر، وهو ما بينّاه سابقاً، فلها شركاء أيضا من الجمهوريين، اعتقدت حساباتهم أن غنيمة ترامب من الحرب ستصب في سلة واشنطن، وإن احترق الخليج العربي، فهم الأقدر على إعادة تخطيط خرائطه.
ونأخذ هنا بعين الاهتمام، بدء الصفقات التجارية الضخمة بين الجمهورية الإيرانية والولايات المتحدة، والتي لم توقفها مطلقا حملات ترامب الصوتية، كما أن موقف إيران وتحالفها مع موسكو، تحصّل على أقوى دعم استراتيجي منذ الثورة السورية، بسبب قرار الحرب على قطر، وهي اليوم تتقدم في أيام وأسابيع، ما لم تحققه في سنوات.
أما المسار الثاني فهو موقف أوروبا وانضمام باريس إلى برلين ثم لندن، والذي عارض بشدة قرار ترامب الذي أَعلن رسميا انه المسؤول الأول عنه، مع حلفائه في الخليج العربي، وذلك لتقدير أوروبا الأعمق تاريخيا، لمآلات هذه الحرب العسكرية والسياسية عليها، وعلى العالم، وأهم أمر بعد مخزن النفط والغاز، هو حالة انفجار التوحش الإرهابي في العالم، الذي لا يزال يضرب الشرق ويصل لهيبه إلى الغرب، لو كان الاجتياح حصل بالفعل.
كل ذلك تزامن مع بدء الانتشار التركي، وفقا للاتفاق الدفاعي بين الدوحة وأنقرة، والإعلان الرسمي لبدء تدشين قاعدة الريّان العسكرية، والرسالة الضمنية القوية، أن واشنطن مركز غادر لا يؤمن له لأمن العرب، وهو موقفنا في الفكر الإسلامي والقومي قديما.
فتوازن الدور التركي، ليس من خلال تأثيره على الاستقلال العربي، المنهوب أصلا في بازارات العالم، وإنما لمدافعة شر مستطير، لو كانت قطر تعرضت للعمل العسكري لا سمح الله.
وبالتالي وكما رددنا فهذا التوازن لمصلحة كل دول المنطقة، وواضح أن رسالة وزير الخارجية جاويش أوغلوا للرياض جاءت في هذه السياق، والتقاط واشنطن الرسالة، دفعها للإعلان عن المناورة البحرية المشتركة مع القوات المسلحة القطرية، وإن كان الدرس في فهم العقل والجيب الذي انتخب ترامب، لا يخدعُ عاقلا اليوم.
هذا الموقف أيقظ عواصم عربية وخاصة الرباط وعمّان، أمام التوازن الأوروبي الواضح، وبدأت حركة التصحيح الدبلوماسي تتوالى على منطقة الخليج العربي، في حين كنّا نأمل أن تُحل الأزمة عبر مبادرة الشيخ صباح ودعم سلطنة عمان، منذ أول الأمر، ورغم دخول الأزمة منعطف الرعاية الدولية لضمان عدم تكرارها، إلا أن مهمة الشيخ صباح وثنائية موقف الكويت المتحد مع مسقط، سيلعب دوراً مركزيا.
لتحقيق انسحاب آمن بين موقفي الخليج، موقف الكويت وعُمان وقطر، وموقف الامارات والسعودية والبحرين، وليس المقصود محاور مواجهة ولا مفاصلة، لكن من الواضح أن الأزمة ستخلق برنامج شراكات واسعة لا يعرف أين حدودها مع العالم والإقليم، ومن صالح الجميع انجاز ميثاق توافقي بديل، بعد فشل المجلس الخليجي، ومعالجة كارثة التصعيد على العلاقات الاجتماعية، والبناء على أسس توافق حقيقية، لا مجاملات وعلاقات عامة هزيلة.
هنا يبقى دور الكويت لإنجاز هذه التفاهمات المهمة، لمستقبل الخليج العربي، الذي تَهدم أركانه أطماع النفوذ الجديد، مستثمرة أخطر عنصر، وهو غياب الموقف الشعبي الذي فقد برلمانه المنتخب ذا الصلاحيات، واليوم يفقد حتى حق صوته المبحوح، وتتزامن خطة الحرب والتقسيم فيه مع خطة التهويد لبيت الله المقدّس، في زهرة المدائن.
بقلم : مهنا الحبيل