رغم التناقضات التي تسود الحالة العربية، فالإعلان عن الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا من قبل جزء أساسي من النظام العربي وعلى الأخص الرياض وأبوظبي والقاهرة يثير التساؤلات الجمة عن مدى تماهي النظام العربي مع إعلانات الإرهاب الاميركية التي تخلط بين المقاومة والعنف والإرهاب. الإخوان هم الطرف السياسي الذي تحالف معه النظام العربي في مراحل مختلفة وعلى الأخص المملكة العربية السعودية، فقد رعتهم واحتضنتهم لعقود عدة خاصة في زمن المواجهة مع القومية العربية الناصرية. فما الذي تغير عبر الزمن؟
لقد دخل النظام العربي الرسمي بمزاج آخر بعد ثورات 2011، إذ لم تعد قضيته الأساسية الحفاظ على التوازنات والتعامل مع هامش من الحرية، بل أصبح الأمر يتعلق بالحق بممارسة العمل السياسي لأطراف عده يمثل الإخوان المسلمين أحدها. فالنظام العربي الرسمي لديه مشكلة عميقة تزداد وضوحا في هذه المرحلة المفصلية مع كل ممارسة سياسية تتنقد إحتكار السلطة ومصادرتها. أصل المرض العربي ما زال في الهرمية السياسية (الديكتاتورية)، وهو يزداد خطورة كلما ازادات أعداد الناس (ملايين وعشرات الملايين) وقلت مواردهم الاقتصادية وارتفعت نسب الفساد في صفوف نخبها. ويتضح أن الإخوان المسلمين والتيار الحقوقي الديمقراطي العربي يعاقبون بصورة جماعية على تجرؤهم على المشاركة في ثورات 2011. فالنظام العربي تعلم من ثورات 2011 استباق تحركات المجتمعات العربية وكأنه في حرب في الداخل والخارج.
إن حرب النظام العربي على «الاخوان» لا تستهدفهم وحدهم، بل تستهدف من يمارس العمل السياسي وتنظيم الأحزاب ويطالب بالحريات والمساءلة بصورة مستقلة، بل تستهدف الإجراءات كل من يمتلك قاعدة شعبية في الشارع العربي والمصري والخليجي. ومن هنا بالتحديد الخوف المبالغ به من الإخوان المسلمين ومن النشطاء ومن محطات الجزيرة وكل رأي يحمل وجهة نظر نقدية. لقد جعل النظام العربي من «الاخوان المسلمين» والاجتثاث شعارا لمرحلة أرى بكل أسف أنها ستمتد لسنوات.
وحرصا على الموضوعية يجب التنبه إلى أن الإخوان المسلمين يشاركون اليوم في حكومات وبرلمانات دول شتى ويلعبون دورا في المعارضات السلمية من الخليج للمحيط، وأنه بلا مشاركتهم الحقيقية لن يكون في الوطن العربي أي تحول ديمقراطي ناضج. إن عدم الاعتراف بأن الإخوان المسلمين مروا بتجارب ساهمت بإنضاج تصوراتهم وتتضمن قبولهم بقواعد للديمقراطية فيه تجنٍ مقصود على التيار بهدف تصفيته لصالح نظام عربي لم يعد يقبل بالحد الأدنى من الاختلاف والتنوع. إن حوارات حركة النهضة التونسية تؤكد لنا أن الإخوان في تونس في طليعة التحرك للقبول بالآخر والسلوك الديمقراطي. المطلوب تطوير هذه المواقف وليس إجهاضها واجتثاثها. إن فقدان الموضوعية في تناول ظاهرة الإخوان المسلمين مرتبط بفشل نظام السيسي في مصر بالتحديد في تثبيت وضعه، لكن الأمر امتد للأزمة الخاصة بمحاصرة دولة قطر التي تطرح رأيا مختلفا في الإطار العربي الأوسع، فلا الشيطنة ستنهي الظاهرة ولا التيار سيختفي من الساحة، خاصة أن المنطقة العربية متعطشة لتجارب جديدة مع الدستورية والتحول الديمقراطي.
إن الهجوم على الإخوان المسلمين ومن يؤمن بحقهم في العمل السياسي السلمي لا يتم بسبب محافظتهم الدينية أو بسبب أخطائهم المختلفة، فالنظام العربي محافظ بطبيعته ويسن قوانين متشددة بحجة تطبيق الشريعة ويمارس قطاع كبير منه الطائفية المرعبة والعزل لفئات اجتماعية رئيسية. إن التغير الذي وقع في صفوف الإخوان المسلمين وتيارات عربية أخرى مارست الفعل السياسي الشعبي والديمقراطي منذ 2010-2011 هو أساس الهجوم. إنه ذات الهجوم على محطات إعلامية قيمة كمحطة الجزيرة بكل تعبيراتها. ان إقصاء تيارات لديها قواعد شعبية وتمر بتجربة مع المظلومية سيجعلها أكثر إصرارا لانتزاع حقها بالعمل السياسي والمشاركة. لا نهاية للتاريخ، فوفق أحد التصورات يشهد التاريخ بداية جديدة في الزمن الراهن.
بقلم : د. شفيق ناظم الغبرا
لقد دخل النظام العربي الرسمي بمزاج آخر بعد ثورات 2011، إذ لم تعد قضيته الأساسية الحفاظ على التوازنات والتعامل مع هامش من الحرية، بل أصبح الأمر يتعلق بالحق بممارسة العمل السياسي لأطراف عده يمثل الإخوان المسلمين أحدها. فالنظام العربي الرسمي لديه مشكلة عميقة تزداد وضوحا في هذه المرحلة المفصلية مع كل ممارسة سياسية تتنقد إحتكار السلطة ومصادرتها. أصل المرض العربي ما زال في الهرمية السياسية (الديكتاتورية)، وهو يزداد خطورة كلما ازادات أعداد الناس (ملايين وعشرات الملايين) وقلت مواردهم الاقتصادية وارتفعت نسب الفساد في صفوف نخبها. ويتضح أن الإخوان المسلمين والتيار الحقوقي الديمقراطي العربي يعاقبون بصورة جماعية على تجرؤهم على المشاركة في ثورات 2011. فالنظام العربي تعلم من ثورات 2011 استباق تحركات المجتمعات العربية وكأنه في حرب في الداخل والخارج.
إن حرب النظام العربي على «الاخوان» لا تستهدفهم وحدهم، بل تستهدف من يمارس العمل السياسي وتنظيم الأحزاب ويطالب بالحريات والمساءلة بصورة مستقلة، بل تستهدف الإجراءات كل من يمتلك قاعدة شعبية في الشارع العربي والمصري والخليجي. ومن هنا بالتحديد الخوف المبالغ به من الإخوان المسلمين ومن النشطاء ومن محطات الجزيرة وكل رأي يحمل وجهة نظر نقدية. لقد جعل النظام العربي من «الاخوان المسلمين» والاجتثاث شعارا لمرحلة أرى بكل أسف أنها ستمتد لسنوات.
وحرصا على الموضوعية يجب التنبه إلى أن الإخوان المسلمين يشاركون اليوم في حكومات وبرلمانات دول شتى ويلعبون دورا في المعارضات السلمية من الخليج للمحيط، وأنه بلا مشاركتهم الحقيقية لن يكون في الوطن العربي أي تحول ديمقراطي ناضج. إن عدم الاعتراف بأن الإخوان المسلمين مروا بتجارب ساهمت بإنضاج تصوراتهم وتتضمن قبولهم بقواعد للديمقراطية فيه تجنٍ مقصود على التيار بهدف تصفيته لصالح نظام عربي لم يعد يقبل بالحد الأدنى من الاختلاف والتنوع. إن حوارات حركة النهضة التونسية تؤكد لنا أن الإخوان في تونس في طليعة التحرك للقبول بالآخر والسلوك الديمقراطي. المطلوب تطوير هذه المواقف وليس إجهاضها واجتثاثها. إن فقدان الموضوعية في تناول ظاهرة الإخوان المسلمين مرتبط بفشل نظام السيسي في مصر بالتحديد في تثبيت وضعه، لكن الأمر امتد للأزمة الخاصة بمحاصرة دولة قطر التي تطرح رأيا مختلفا في الإطار العربي الأوسع، فلا الشيطنة ستنهي الظاهرة ولا التيار سيختفي من الساحة، خاصة أن المنطقة العربية متعطشة لتجارب جديدة مع الدستورية والتحول الديمقراطي.
إن الهجوم على الإخوان المسلمين ومن يؤمن بحقهم في العمل السياسي السلمي لا يتم بسبب محافظتهم الدينية أو بسبب أخطائهم المختلفة، فالنظام العربي محافظ بطبيعته ويسن قوانين متشددة بحجة تطبيق الشريعة ويمارس قطاع كبير منه الطائفية المرعبة والعزل لفئات اجتماعية رئيسية. إن التغير الذي وقع في صفوف الإخوان المسلمين وتيارات عربية أخرى مارست الفعل السياسي الشعبي والديمقراطي منذ 2010-2011 هو أساس الهجوم. إنه ذات الهجوم على محطات إعلامية قيمة كمحطة الجزيرة بكل تعبيراتها. ان إقصاء تيارات لديها قواعد شعبية وتمر بتجربة مع المظلومية سيجعلها أكثر إصرارا لانتزاع حقها بالعمل السياسي والمشاركة. لا نهاية للتاريخ، فوفق أحد التصورات يشهد التاريخ بداية جديدة في الزمن الراهن.
بقلم : د. شفيق ناظم الغبرا