أياً كان ما ستؤول إليه الانتخابات الرئاسية التركية التي ستجرى جولة الإعادة منها في 28 مايو/ أيار الجاري، ستظل لهذا الاستحقاق الديمقراطي بصمة واضحة على الصورة الذهنية لتركيا في العالم.. لم تكن هذه الانتخابات وحدها دليل ديمقراطية تركيا وتحضّر الشعب التركي، فقبل سنوات قليلة، قدّم الأتراك مثالاً يُحتذى في تموضع المواطن حامياً رئيساً وربما وحيداً لصوته ولحقوقه في بلده. والحرص على إكمال الاستحقاق الانتخابي بالقدر نفسه من الديمقراطية والحرية والالتزام، لا يقل وطنية ولا شجاعة عن مواجهة الانقلاب وإجهاضه.

وبالنظر إلى ارتفاع نسبة الشباب في التركيبة العمرية للمجتمع التركي، يصبح المشهد مثيراً للإعجاب، حيث الشباب الأكثر انفتاحاً وتمرّداً على التقاليد والأطر التقليدية لم يقلوا التزاما وحرصاً على المشاركة عن الكهول والشيوخ.

دور المواطن الحارس هو الأهم والمحوري في إنجاح أي تجربة ديمقراطية وتثبيتها، لكنه بالتأكيد ليس الوحيد. وبالفعل، لا تقتصر دروس الانتخابات التركية على هذا الدور الشعبي، فالمؤسسات الرسمية والأجهزة الأمنية قدّمت مثالاً يحتذى في خدمة الشعب ممثلاً في أصواته واختياراته لممثليه، من دون انحياز لا للموجودين في السلطة ولا لمعارضيهم.

ولعل هذا ما أحرج بعض الأصوات، فانخرست سريعاً بعد أن شكّكت في نزاهة الانتخابات منذ الساعات الأولى للتصويت. وبعد الإعلان رسمياً أن نتيجة التصويت لم تُحسم لصالح أي مرشّح، وأن الانتخابات ستشهد جولة ثانية، لم يجرؤ أي معارض على التشكيك في النتيجة. لسبب بسيط، وهو أنها دليل كافٍ على الديمقراطية، إذ لم يتمكّن رئيس الجمهورية من حسم الفوز من الجولة الأولى، وقد كان يحتاج فقط إلى أقلّ من 1 % من الأصوات ليعلن فوزه بالرئاسة. ما يعني أن أي تلاعبٍ ولو بعدد ضئيل جداً من الأصوات كان سيمنحه تلك النسبة المطلوبة، غير أن هذا لم يحدُث، وبالتالي تلك وحدها شهادة تلقائية بنزاهة الانتخابات بكل إجراءاتها.