يقول إدواردو غليانو:
وُلدتُ عام 1940، ومذ كنتُ صغيراً عزمتُ على أن أترك أثراً قبل مغادرة هذا العالم!
ولتحقيق هذه الرغبة صرتُ كاتباً!
أشد أعمالي نجاحاً هي ثلاث مقالاتٍ يجري تداولها باسمي على الانترنت، والناس يوقفونني في الشارع لتهنئتي عليها، وفي كل مرةٍ يحدث هذا أبدأ بنتف بتلات الوردة التي اعتدتُ أن أحملها وأرددُ:
أقتلُ نفسي، لا أقتلُ نفسي، أقتلُ نفسي، لا أقتل نفسي!
ولا واحدة من تلك المقالات كتبتها أنا!
يبدو أن آفة نسبة الكلام إلى غير أهله معضلة كونية، ولا تتعلق بنا نحن العرب فقط!
وهذه الآفة تبدأ حين يقرأ شخصٌ ما كلاماً لا يعرفُ كاتبه، فيعجبه، ويقرر أن ينشره، ويصبح لحظتذاك بين خيارين، إما أن يكتب تحت النص منقول، أو كلمة اقتباس، أو أضعف الإيمان أن يضعه بين قوسين!
وإما أن يختار اسماً رناناً لأديب مشهور، فينسب الكلام له، لأنه يرى أن كلمة منقول فيها خدش لثقافته، أو لأنه يريدُ أن يلقى منشوره رواجاً، وهذه الفعلة من أقبح ما يمكن فعله!
المشكلة أن هذا التشويه لا يمكن إيقافه أبداً، لأن الناس سيتناقلونه منسوباً لغير صاحبه، ولا يستطيع صاحبه بعد ذلك أن يُقنع هذا الكوكب أن الكلام له، ولا يستطيع الذي نُسبَ له الكلام أن يتبرأ منه!
لأن مواقع التواصل أقوى من الجميع!
وصلني مرة كلام منسوب لديستويفسكي، فنشرته كما وصلني، ليتبين بعد ذلك أن الكلام لكاتبة سعودية! انزعجتُ يومها كثيراً، فأنا وإن كنتُ لا أتحمل مسؤولية جرمية، فعلى الأقل أتحمل مسؤولية أخلاقيَّة! ومن يومها كل كلام لا أتثبتُ مائة بالمائة من صاحبه، إما أن أكتب تحته مقتبس أو أضعه بين قوسين، أن يبقى هكذا مقتبساً بلا اسم صاحبه، أفضل من أن يُنسب إلى غيره!
منذ عشر سنوات كتبتُ مقولتي: إذا فشلتَ في رفع أحدٍ إلى مستوى أخلاقكَ، فلا تجعله ينجح في أن ينزلكَ إلى مستوى أخلاقه!
أحدهم نسبَ المقولة لبرنارد شو، وما زال الناس يتناقلونها على أنها له، ولو قام برنارد شو من قبره وأخبرهم أن المقولة ليست له فلن يصدقه أحد!
وبالمقابل يُنسبُ لي كلام لم أقله، فلا أنا أستطيع أن أعيد إليَّ كلامي المسلوب، ولا أستطيع أن أردَّ ما لم أقله لصاحبه، ثمة مواقف لا يجدي معها إلا أن تردد: يا صبر الأرض على الناس!