قبل شهرين سألَ صحفيٌّ ليونيل ميسي: سوف تبلغ الثلاثين بعد ثلاثة أسابيع، ماذا يعني لكَ ذلك؟
فقال: هذا يعني أني وُلدتُ قبل ثلاثين عاماً!
للوهلة الأولى قد يبدو السؤال عميقاً جداً، والإجابة سطحيّة جداً، ولكن لو نظرنا إلى السؤال والإجابة بتأنٍ لانقلبت الأدوار، ولبدا السّؤال غاية في السّطحيّة، والإجابة غاية في العمق! ذلك أنه لا يهمّ عدد السنوات التي نعيشها، ولكن المهم ما الذي حققناه في تلك السنوات!
تتباهى وسائل الإعلام وهي تعرضُ تقريراً عن عثورها على أكبر معمّر في بلد ما وكأنها وقعت على صيدٍ ثمين! ولستُ أدري أي إنجازٍ هذا أن يعيش إنسان مائة سنة، ومائة سنة هي متوسط أعمار السلاحف بالمناسبة! وفي حديقة الحيوان في لندن توجد سلحفاة عمرها مائتان وخمسون سنة، عظيمة هذه السّلحفاة منذ قرنين ونصف القرن وهي تأكل أوراق الخسّ والملفوف وتحبو! ودوماً يسألون ذلك المُعمّر كم عشتَ؟ يريدون أن يلفظ الرقم بلسانه ليؤكد تقريرهم العظيم! تمنيتُ لو سألوا معمّراً مرّةً: كيفَ عشتَ بدل كم عشتَ!
سعد بن معاذ ماتَ في السّادسة والثلاثين فصلّى عليه سبعون ألف ملك!
زيد بن ثابت أسلم في العاشرة، وأتقن العبرية في الرابعة عشرة، وكتب الوحيّ للنبي صلى الله عليه وسلم في السّابعة عشرة، وجمع القرآن لأبي بكر في الحادية والعشرين!
النووي مات في الخامسة والأربعين ولكنه عاش بما يكفي ليشرح لنا صحيح مسلم!
وابن المقفّع مات في السّادسة والثلاثين ولكنّه ترك لنا ثروة رهيبة من النثر!
وطرفة ابن العبد مات في السادسة والعشرين ولكن معلقته ما زالت حيّة!
ومحمد الفاتح كان في الثانية والعشرين من عمره عندما حاصر بجيشه القسطنطينية!
وأبو أيوب الأنصاريّ كان قد تجاوز المائة سنة حين استشهد على أبوابها!
طول العمر ليس سُبّة، وقصره ليس مثلبة! الفكرة تكمن في ما يفعل الإنسان في سنوات عمره!
العمر مجرد أرقام، وأعمارنا الحقيقية لا تحددها أوراق الرّزنامة، ولا وثائق الولادة والوفاة، وإنما يحددها كيف عشنا، وماذا قدّمنا! الأشجار بثمارها لا بضخامة جذوعها، والغيوم بأمطارها وظلالها لا بمدة تسكعها في الفضاء!
أعمارنا الحقيقية لا تُقاس بعدد الأيام بل بحجم التجارب والمشاعر! أوّل ما يسأله الخاطب عن الفتاة عمرها، وأول ما تسأله المخطوبة عن الشاب عمره...
لا أحد يسأل الآخر كم كتاباً قرأت
وكم فقيراً ساعدت
وكم تائهاً أرشدت
وكم واقعاً سيئاً غيرت
وكم ابتسامة على وجوه المحزونين رسمت
وكم فرضاً في المسجد صليت
وكم جزءاً من المصحف حفظت
طبعاً أنا لا أقول إن التناسب في الأعمار ليس مهماً، وإنه ليس من حق الآخر أن يختار لنفسه عمراً قريباً من عمره، ليس هذا موضوعنا أساساً، كل ما أردتُ قوله أننا نُقدّس الأرقام وننسى تلك الأشياء التي تجعل من الإنسان إنساناً!
خلاصة الكلام:
ليس بأيدينا أن نعيش طويلاً ولكن بأيدينا أن نعيش كثيراً!
بقلم : أدهم شرقاوي
فقال: هذا يعني أني وُلدتُ قبل ثلاثين عاماً!
للوهلة الأولى قد يبدو السؤال عميقاً جداً، والإجابة سطحيّة جداً، ولكن لو نظرنا إلى السؤال والإجابة بتأنٍ لانقلبت الأدوار، ولبدا السّؤال غاية في السّطحيّة، والإجابة غاية في العمق! ذلك أنه لا يهمّ عدد السنوات التي نعيشها، ولكن المهم ما الذي حققناه في تلك السنوات!
تتباهى وسائل الإعلام وهي تعرضُ تقريراً عن عثورها على أكبر معمّر في بلد ما وكأنها وقعت على صيدٍ ثمين! ولستُ أدري أي إنجازٍ هذا أن يعيش إنسان مائة سنة، ومائة سنة هي متوسط أعمار السلاحف بالمناسبة! وفي حديقة الحيوان في لندن توجد سلحفاة عمرها مائتان وخمسون سنة، عظيمة هذه السّلحفاة منذ قرنين ونصف القرن وهي تأكل أوراق الخسّ والملفوف وتحبو! ودوماً يسألون ذلك المُعمّر كم عشتَ؟ يريدون أن يلفظ الرقم بلسانه ليؤكد تقريرهم العظيم! تمنيتُ لو سألوا معمّراً مرّةً: كيفَ عشتَ بدل كم عشتَ!
سعد بن معاذ ماتَ في السّادسة والثلاثين فصلّى عليه سبعون ألف ملك!
زيد بن ثابت أسلم في العاشرة، وأتقن العبرية في الرابعة عشرة، وكتب الوحيّ للنبي صلى الله عليه وسلم في السّابعة عشرة، وجمع القرآن لأبي بكر في الحادية والعشرين!
النووي مات في الخامسة والأربعين ولكنه عاش بما يكفي ليشرح لنا صحيح مسلم!
وابن المقفّع مات في السّادسة والثلاثين ولكنّه ترك لنا ثروة رهيبة من النثر!
وطرفة ابن العبد مات في السادسة والعشرين ولكن معلقته ما زالت حيّة!
ومحمد الفاتح كان في الثانية والعشرين من عمره عندما حاصر بجيشه القسطنطينية!
وأبو أيوب الأنصاريّ كان قد تجاوز المائة سنة حين استشهد على أبوابها!
طول العمر ليس سُبّة، وقصره ليس مثلبة! الفكرة تكمن في ما يفعل الإنسان في سنوات عمره!
العمر مجرد أرقام، وأعمارنا الحقيقية لا تحددها أوراق الرّزنامة، ولا وثائق الولادة والوفاة، وإنما يحددها كيف عشنا، وماذا قدّمنا! الأشجار بثمارها لا بضخامة جذوعها، والغيوم بأمطارها وظلالها لا بمدة تسكعها في الفضاء!
أعمارنا الحقيقية لا تُقاس بعدد الأيام بل بحجم التجارب والمشاعر! أوّل ما يسأله الخاطب عن الفتاة عمرها، وأول ما تسأله المخطوبة عن الشاب عمره...
لا أحد يسأل الآخر كم كتاباً قرأت
وكم فقيراً ساعدت
وكم تائهاً أرشدت
وكم واقعاً سيئاً غيرت
وكم ابتسامة على وجوه المحزونين رسمت
وكم فرضاً في المسجد صليت
وكم جزءاً من المصحف حفظت
طبعاً أنا لا أقول إن التناسب في الأعمار ليس مهماً، وإنه ليس من حق الآخر أن يختار لنفسه عمراً قريباً من عمره، ليس هذا موضوعنا أساساً، كل ما أردتُ قوله أننا نُقدّس الأرقام وننسى تلك الأشياء التي تجعل من الإنسان إنساناً!
خلاصة الكلام:
ليس بأيدينا أن نعيش طويلاً ولكن بأيدينا أن نعيش كثيراً!
بقلم : أدهم شرقاوي