في الوقت الذي تصمت فيه معظم الدول العربية وإعلامها وعلمائها عن إدانة سلطات الاحتلال الاسرائيلي بسبب منعها إقامة صلاة الجمعة في المسجد الأقصى لأول مرة منذ عام 1969، مما يشكل تعدياً واضحاً، وانتهاكا صارخا للاتفاقيات الدولية والمقدسات الاسلامية واستفزازا لمشاعر الملايين حول العالم.. استنكرت دولة قطر هذا الفعل المشين الذي أدى إلى حرمان المصلين، من التعبد وأداء صلاة الجمعة في الحرم القدسي، لتؤكد على الدوام، حتى وإن كانت تحت الحصار، أنها ستبقى صوت العرب والمسلمين، وقضيتها المركزية فلسطين، وستظل تقف إلى جوار الحق بالصدق والصبر.. وعزيمة لا تلين.
دول الحصار لم يحرّك فيها الانتهاك الإسرائيلي أي ردة فعل أو أحاسيس، فهي أصبحت متبلدة المشاعر، لا تفرح ولا تحزن لما يصيب الأشقاء، ويبدو أن قانون التعاطف جعل الحكومات والشعوب والمشايخ في هذه الدول يحسبون ألف حساب لأي شعور، سواء بالتعبير عن أفراحهم أو أحزانهم.. لأنه قد يؤدي بصاحبه إلى أقرب زنزانة.. مع هدية كتاب «مكافحة الإرهاب» عنوانه!
لكن في المقابل واصلت بعض وسائل إعلام الحصار، الصراخ والصياح، ولن أقول النباح، بأسلوب الردح والقدح والتأليب والفبركة والأكاذيب، كما حدث من قناة أبوظبي بعد صلاة الجمعة، عندما استضافت رجلاً كسا شعره الشيب، ولم يمنعه ذلك عن العيب، وقال من الكلام المسيء ما لا يجب أن يقوله «شايب» في عمره، دون أدلة أو براهين، وإن كنا نعلم أنه مجبور ومجرور وقال ما قاله بـ «خاطر مكسور».
فهذه القناة التي لم تتألم لما حدث للمسلمين في الأقصى، تريد دولتها أن تتزعم الشرق الأوسط سياسيا عبر «جحفلة» الرياض من عاصمة القرار العربي، إذ أنها تقدم نفسها، وتعرض مفاتنها لـ«واشنطن» كدولة لا دينية، رغم أنها تسعى بكل وسائل «الخبث والخبائث» لـ «جحفلة» السعودية مرة أخرى وهذه المرة من المشهد الديني، وتخطط مع حليفتها مصر السيسي لإخراج السلفية والوهابية من «أهل السنة والجماعة» عبر مؤتمر مولته ونظمته أبوظبي في العاصمة الشيشانية غروزني، والهدف تصعيد الأزهر ليتصدر المشهد الديني وقيادة الأمة واعتماده المرجع الوسطي والمعتدل في الفتاوى كما يقولون.. ويصفونه.
أبوظبي العاصمة.. أصبحت منصة لـ «الشر وأهله»، فهي تحتضن المطلوبين والهاربين والملطخة أيديهم بالدماء والمتآمرين على شعوبهم ومدبري الانقلابات ومخططي الاغتيالات، وأسر الطغاة، ورغم أنها تقول بشعارها الداخلي «البيت متوحد»، إلا أنها في مشروعها الخارجي ترفع شعار «تقسيم» الدول، و«تسميم» الأجواء، و«تكميم» الأفواه، وتموّل الميليشيات المسلحة وتنشئ السجون.. كل ذلك يحدث في عواصم عربية وإسلامية برعاية ظبيانية.. لكن في المقابل هي حمامة سلام مع تل أبيب، و مع طهران طير بوحقب!
أما «أبوظبي» القناة وزميلاتها من وسائل الإعلام الإماراتية، فهي مدعاة للشفقة لما أصابها من رعب وفوبيا ولوثة عقلية، جعلتها غير قادرة على مواجهة الحجة بالحجة، ومقارعة التهمة بالدليل، ومقارنة الكلام بالواقع، ومقاربة المؤشرات بالقرائن، ففشلت في كل ذلك واتجهت للطريق الآخر الذي يشبه شارع الهرم في الرقص والطقطقة والدمبكة والشكشكة، ويجمع معهم بعض الصحف السعودية من طينة الجزيرة ورئيس تحريرها السبعيني الذي يبدو أنه أصابه الزهايمر ولم يعد معه قادرا على استذكار المواقف والحقائق المدعومة بالوثائق، ومعه على نفس سفرة الخزي والعار، تفترش جريدة «الكبدة والمعدة» وتقتات الفتات بنقل مباشر من القنوات المهتمة بصحة البقر والتهريج والسحر والتنويم المغناطيسي.. في عواصم ومدن دول الحصار دون استثناء.
من يتحدث عن الجن والشعوذة لا يستحق المشاهدة، ولكن من أراد المتابعة أو القراءة، فعليه أولا بقراءة الفاتحة والمعوذات ثم يبصق على هذه الوسائل الإعلامية ثلاث مرات، ويغسل يده منها سبع مرات.. لعلها تشفى مما أصابها من مس أو تتوقف عن الرقص والتدليس في حفلة مجون وجنون برعاية إبليس!
ويا للأسف.. أن يكون وزراء الإعلام العرب قد اجتمعوا قبل أيام في القاهرة، وبدلا من أن يقوموا بأدوارهم الطبيعية المناطة بهم، وهي الدفاع عن الحريات الإعلامية وتسهيل مهامها وتذليل العقبات أمامها، والعمل سوياً على تطوير المشهد الإعلامي العربي لمواكبة ما يحدث في العالم، أخذ الاجتماع جانباً سياسياً شخصياً وخصص وزراء الحصار كلماتهم للهجوم على أنجح مشروع إعلامي عرفته الأمة العربية، وينافس ويتفوق على وسائل إعلام عالمية عريقة، وهو منبر تنويري فخر لكل العرب، والغريب العجيب أن وزير الإعلام السعودي الذي لم يجف حبر تعيينه بعد، ولم يتأقلم بعد على بشت الوزارة، ينتقد ويندد ويصعّد، وهو ما عنده خبر أن زملاءه العرب ومسؤولين سعوديين كباراً كانوا على تواصل مع رئيس شبكة الجزيرة، يشكرونه على مهنيتها وتغطيتها ومساندتها في حربي سوريا واليمن تحديدا.. وأغلبهم يتمنون الظهور على شاشتها، وأنا أؤكد لك لولا موقف الجزيرة النزيه ودورها الشريف في عاصفة الحزم لـ «ابتلعتكم» وسائل إعلام عالمية عبر تقارير تكتب وتنشر وتسيء لهذه المعركة، وربما كانت ستسبب اصطفافاً عالمياً مطالباً بتوقفها، بيد أن الجزيرة بصوتها المسموع والمثير والمؤثر، كانت ترد وتصد مثل هذه التقارير، وتنشر الحقيقة حول العالم في الوقت الذي لا يتجاوز صدى قناتكم الإخبارية حي النسيم في الرياض!
توقعت أن يتوقف وزراء الإعلام العرب عند جرائم مهنية تحدث لأول مرة في عالمنا العربي وأن يرفضوها وينددوا بها ويهددوا من يقف وراءها حفاظا على هذا المجال من التطرف والإرهاب والقرصنة!
لكن للأسف هؤلاء الوزراء أقل من أنهم يمثلون الشعوب وإن صح التعبير هم يمثلون على الشعوب!
فلم يتم التطرق إلى الهجوم الإلكتروني على وكالة الأنباء القطرية ولا إلى الفبركة.. ولا حتى إلى امتناع إعلام الفتنة عن بث وإذاعة بيان النفي الصادر من قطر، مما يمثل مخالفة صريحة لكل قوانين الإعلام.. حتى في جزر المالديف والواق واق!
كما لم توجه انتقادات للإعلام المصري الذي حرّض على ارتكاب عمليات إرهابية في قطر رسمياً، مما يعد سابقة، ويبدو أن هذا هو زمن «السوابق» والإعلام الخافق الذي يبث إرساله عبر القمر الصناعي «حضيض» وبتردد مشترك مع دول الحصار.. ولم تعاقب الصحيفة التي كتبت عن خادم الحرمين الشريفين «جلالة الملك الخائن».. ولم توقف المذيعة التي ظهرت على الهواء تعلم المشاهدين كيفية استنشاق الهيروين والأسلوب الصحي لتعاطي المخدرات..!
هذه المواد التي تمثل كارثة أخلاقية وإنسانية لم تستفز مشاعر الوزراء العرب.. لكن أحرقت أعصابهم الجزيرة التي تستطيع بتقرير واحد مدته «3» دقائق أن «تفحط» على كل وسائل إعلام الحصار مجتمعة..!
وإذا كانوا يعيبون على الجزيرة استضافتها لـ «بن لادن» و«الجولاني» على شاشتها، فلا بأس أن نرش على وجوههم قليلاً من الماء البارد لإنعاشهم، على أمل أن تنتعش ذاكرتهم ولا ترتعش مواقفهم، ونحيطكم علماً أصحاب البشوت قليلي الحظ والبخوت، أن قنوات عالمية سبقت الجزيرة على هذه الحوارات وفضائيات أخرى نقلت عنها وشاشات تمولها أبوظبي مثل الغد وأورينت، أجرت ونقلت مثل هذه الحوارات.. لذلك معلوماتكم تحتاج إلى «أب ديت»، فهذا عرف عالمي، وسبق صحفي، ونجاح مهني، لا يضيق منه أو يهرب عنه إلا ضيق الأفق الضعيف.. الفاشل.. المنغلق!
ولأننا نعيش زمن المراهقين والحمقى، فلا عجب أن نرى أخطاء المبتدئين أمامنا، وفي أحيان كثيرة نتجاهل الرد عليها لسببين، التزاماً بما تربينا عليه وما نص عليه بيان الاتصال الحكومي بعدم الانزلاق لمثل هذه المستويات..
والسبب الآخر اقتناعاً بالمثل العربي القديم: «لا تجادل الأحمق فيخطئ الناس في التفريق بينكما»!
وإحدى هذه الحماقات كما يشاع رغبة دول عربية في الطلب من الـ «فيفا» سحب تنظيم كأس العالم من قطر، وسواء كان الخبر صحيحاً أو خاطئاً، لكن الأكيد أنها أمنية لدى البعض من العواصم العربية التي تتآكل من الحقد والغيرة وتعاني مرضاً مزمناً اسمه «نجاح الدوحة»، لكن الأكيد أكثر أن الـ «فيفا» ليس مطعماً للكشري أو المندي والمضغوط، حتى تفرض عليه طلباتك.. وتملي عليه رغباتك، وكل ما في وسعك الآن أيها الحانق.. الناقم.. من تنظيم قطر لـ «مونديال 2022» أن تستمتع بعبارة «جيم أوفر أو حظا أوفر».. مع موسيقى هادئة لأغنية «اضغط المضغوط أكثر».. فنحن صامدون مع الحصار، ولن نقبل بغير الانتصار.
الحديث في الرياضة كما في السياسة له قواعد وأطر وقوانين تحكمه وتنظمه وإن كانت اللغة لدى «الرباعي» قد فقدت توازنها وتحلحلت براغيها، وانهارت مبادئها كما ظهر ذلك في حديث سفير خادم الحرمين الشريفين في المملكة الأردنية الهاشمية، عندما قال في ندوة إعلامية، بلغة بعيدة عن القواعد الدبلوماسية، إن قطر لا تشكل حارة في الرياض وتحملناها 21 سنة، خلاص ما نبيهم «لا تجونا ولا نجيكم»..!
هذا الكلام ليس في استراحة بمجمع الدانة في الثمامة، ولا في حارة المظلوم في جدة، هذا للأسف كلام سفير وأمير، ويمثل المملكة العربية السعودية!
يا معالي السفير الذي ما زلت تقيس الأمور على طريقة الكبير والصغير في زمن يقاس فيه النجاح والفشل.. ونضرب لك مثالا على السريع، أن سنغافورة لا تمثل حارة في «الحساء».. وهي اليوم واحدة من أنجح دول العالم اقتصادياً وسياحياً.. فيما محافظة الإحساء زاد أنينها بعد أن هجرها القطريون، وشكت أسواقها، وبكت فنادقها.. وهي إحدى مناطق الدولة الكبيرة!
يا سمو الأمير.. لو كانت هذه المقاييس هي المعتمدة لما نجحت العصابات والميليشيات والأحزاب في بسط نفوذها على أربع عواصم عربية، دون أن تنجح الدولة الكبيرة في التصدي لها!
يا معالي السفير أذكرك بأن الأمير فهد بن سعد آل سعود عندما فكّر بالرحيل من بلاده بسبب الخلافات مع الملك عبدالعزيز، طيّب الله ثراه، فكانت قطر الصغيرة في مساحتها، الكبيرة في مواقفها، هي وجهته، وكان الشيخ جاسم بن ثاني - رحمه الله - هو مقصده، فنال ما تمنى وأكرمه و«زبّنه» رغم أنه وصلته رسالة من الملك عبدالعزيز يطلب منه تسليمه خلال ثلاثة أيام، فجاءه الرد: «هذا ضيف عندي وأحمله على رأسي وإن نزل فعلى أكتافي، ولا تنس أن والدك عبدالرحمن الفيصل، حين أتاني ومعه عائلته، استضفناه وكل يوم لهم عندي عيد يتجدد حتى قرروا بأنفسهم الرحيل إلى الكويت.. فتركتهم وحريتهم». فقال الملك عبدالعزيز في جواب آخر: «والله إني أراك مثل والدي ولو لنا في ذمتكم عشرة من الرجال فلا أعاتبك عنهم فافعل ما شئت مع ضيوفك فليس لك لائم ولا معارض.. والسلام».
هذا درس من التاريخ لك يا سعادة السفير، لعلّك تستفيد منه في قادم الأيام، عندما تطرح القضايا على طريقة الكبير والصغير!
لكن اليوم.. ومع كل الأسف لم يعد هناك حدود للتصريحات أو الخطابات أو حتى التغريدات، فوزير «الحزن» يحرّض على قطر من قلب أوروبا، ووزير تويتر يهدد «تالي الليل» بالفراق والطلاق، ووزير يتجوّل في متحف الفن الإسلامي، وآخر يتمشى في «سوق واقف» منذ شهور وأسابيع، ثم يقولون صبرنا عليكم (20) سنة، وطفح الكيل!
على مر الأزمان.. كانت الأزمات تفرز لنا شخصيات يخلّدها التاريخ وتحفظها ذاكرة الشعوب نتيجة سلوكها وأدائها ودهائها في معالجة أسبابها أو مواجهة إفرازاتها، والأمثلة كثيرة وليس هذا وقت عرضها أو حصرها، ولكن هذه الأزمة المفتعلة لم تنجب سوى نماذج مهزوزة ومرتبكة وبخطط متهالكة ومتشابكة، سواء كانوا على المستوى الوزاري أو سفراء يتحدثون بلغة «الحواري»!
بقلم : محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
دول الحصار لم يحرّك فيها الانتهاك الإسرائيلي أي ردة فعل أو أحاسيس، فهي أصبحت متبلدة المشاعر، لا تفرح ولا تحزن لما يصيب الأشقاء، ويبدو أن قانون التعاطف جعل الحكومات والشعوب والمشايخ في هذه الدول يحسبون ألف حساب لأي شعور، سواء بالتعبير عن أفراحهم أو أحزانهم.. لأنه قد يؤدي بصاحبه إلى أقرب زنزانة.. مع هدية كتاب «مكافحة الإرهاب» عنوانه!
لكن في المقابل واصلت بعض وسائل إعلام الحصار، الصراخ والصياح، ولن أقول النباح، بأسلوب الردح والقدح والتأليب والفبركة والأكاذيب، كما حدث من قناة أبوظبي بعد صلاة الجمعة، عندما استضافت رجلاً كسا شعره الشيب، ولم يمنعه ذلك عن العيب، وقال من الكلام المسيء ما لا يجب أن يقوله «شايب» في عمره، دون أدلة أو براهين، وإن كنا نعلم أنه مجبور ومجرور وقال ما قاله بـ «خاطر مكسور».
فهذه القناة التي لم تتألم لما حدث للمسلمين في الأقصى، تريد دولتها أن تتزعم الشرق الأوسط سياسيا عبر «جحفلة» الرياض من عاصمة القرار العربي، إذ أنها تقدم نفسها، وتعرض مفاتنها لـ«واشنطن» كدولة لا دينية، رغم أنها تسعى بكل وسائل «الخبث والخبائث» لـ «جحفلة» السعودية مرة أخرى وهذه المرة من المشهد الديني، وتخطط مع حليفتها مصر السيسي لإخراج السلفية والوهابية من «أهل السنة والجماعة» عبر مؤتمر مولته ونظمته أبوظبي في العاصمة الشيشانية غروزني، والهدف تصعيد الأزهر ليتصدر المشهد الديني وقيادة الأمة واعتماده المرجع الوسطي والمعتدل في الفتاوى كما يقولون.. ويصفونه.
أبوظبي العاصمة.. أصبحت منصة لـ «الشر وأهله»، فهي تحتضن المطلوبين والهاربين والملطخة أيديهم بالدماء والمتآمرين على شعوبهم ومدبري الانقلابات ومخططي الاغتيالات، وأسر الطغاة، ورغم أنها تقول بشعارها الداخلي «البيت متوحد»، إلا أنها في مشروعها الخارجي ترفع شعار «تقسيم» الدول، و«تسميم» الأجواء، و«تكميم» الأفواه، وتموّل الميليشيات المسلحة وتنشئ السجون.. كل ذلك يحدث في عواصم عربية وإسلامية برعاية ظبيانية.. لكن في المقابل هي حمامة سلام مع تل أبيب، و مع طهران طير بوحقب!
أما «أبوظبي» القناة وزميلاتها من وسائل الإعلام الإماراتية، فهي مدعاة للشفقة لما أصابها من رعب وفوبيا ولوثة عقلية، جعلتها غير قادرة على مواجهة الحجة بالحجة، ومقارعة التهمة بالدليل، ومقارنة الكلام بالواقع، ومقاربة المؤشرات بالقرائن، ففشلت في كل ذلك واتجهت للطريق الآخر الذي يشبه شارع الهرم في الرقص والطقطقة والدمبكة والشكشكة، ويجمع معهم بعض الصحف السعودية من طينة الجزيرة ورئيس تحريرها السبعيني الذي يبدو أنه أصابه الزهايمر ولم يعد معه قادرا على استذكار المواقف والحقائق المدعومة بالوثائق، ومعه على نفس سفرة الخزي والعار، تفترش جريدة «الكبدة والمعدة» وتقتات الفتات بنقل مباشر من القنوات المهتمة بصحة البقر والتهريج والسحر والتنويم المغناطيسي.. في عواصم ومدن دول الحصار دون استثناء.
من يتحدث عن الجن والشعوذة لا يستحق المشاهدة، ولكن من أراد المتابعة أو القراءة، فعليه أولا بقراءة الفاتحة والمعوذات ثم يبصق على هذه الوسائل الإعلامية ثلاث مرات، ويغسل يده منها سبع مرات.. لعلها تشفى مما أصابها من مس أو تتوقف عن الرقص والتدليس في حفلة مجون وجنون برعاية إبليس!
ويا للأسف.. أن يكون وزراء الإعلام العرب قد اجتمعوا قبل أيام في القاهرة، وبدلا من أن يقوموا بأدوارهم الطبيعية المناطة بهم، وهي الدفاع عن الحريات الإعلامية وتسهيل مهامها وتذليل العقبات أمامها، والعمل سوياً على تطوير المشهد الإعلامي العربي لمواكبة ما يحدث في العالم، أخذ الاجتماع جانباً سياسياً شخصياً وخصص وزراء الحصار كلماتهم للهجوم على أنجح مشروع إعلامي عرفته الأمة العربية، وينافس ويتفوق على وسائل إعلام عالمية عريقة، وهو منبر تنويري فخر لكل العرب، والغريب العجيب أن وزير الإعلام السعودي الذي لم يجف حبر تعيينه بعد، ولم يتأقلم بعد على بشت الوزارة، ينتقد ويندد ويصعّد، وهو ما عنده خبر أن زملاءه العرب ومسؤولين سعوديين كباراً كانوا على تواصل مع رئيس شبكة الجزيرة، يشكرونه على مهنيتها وتغطيتها ومساندتها في حربي سوريا واليمن تحديدا.. وأغلبهم يتمنون الظهور على شاشتها، وأنا أؤكد لك لولا موقف الجزيرة النزيه ودورها الشريف في عاصفة الحزم لـ «ابتلعتكم» وسائل إعلام عالمية عبر تقارير تكتب وتنشر وتسيء لهذه المعركة، وربما كانت ستسبب اصطفافاً عالمياً مطالباً بتوقفها، بيد أن الجزيرة بصوتها المسموع والمثير والمؤثر، كانت ترد وتصد مثل هذه التقارير، وتنشر الحقيقة حول العالم في الوقت الذي لا يتجاوز صدى قناتكم الإخبارية حي النسيم في الرياض!
توقعت أن يتوقف وزراء الإعلام العرب عند جرائم مهنية تحدث لأول مرة في عالمنا العربي وأن يرفضوها وينددوا بها ويهددوا من يقف وراءها حفاظا على هذا المجال من التطرف والإرهاب والقرصنة!
لكن للأسف هؤلاء الوزراء أقل من أنهم يمثلون الشعوب وإن صح التعبير هم يمثلون على الشعوب!
فلم يتم التطرق إلى الهجوم الإلكتروني على وكالة الأنباء القطرية ولا إلى الفبركة.. ولا حتى إلى امتناع إعلام الفتنة عن بث وإذاعة بيان النفي الصادر من قطر، مما يمثل مخالفة صريحة لكل قوانين الإعلام.. حتى في جزر المالديف والواق واق!
كما لم توجه انتقادات للإعلام المصري الذي حرّض على ارتكاب عمليات إرهابية في قطر رسمياً، مما يعد سابقة، ويبدو أن هذا هو زمن «السوابق» والإعلام الخافق الذي يبث إرساله عبر القمر الصناعي «حضيض» وبتردد مشترك مع دول الحصار.. ولم تعاقب الصحيفة التي كتبت عن خادم الحرمين الشريفين «جلالة الملك الخائن».. ولم توقف المذيعة التي ظهرت على الهواء تعلم المشاهدين كيفية استنشاق الهيروين والأسلوب الصحي لتعاطي المخدرات..!
هذه المواد التي تمثل كارثة أخلاقية وإنسانية لم تستفز مشاعر الوزراء العرب.. لكن أحرقت أعصابهم الجزيرة التي تستطيع بتقرير واحد مدته «3» دقائق أن «تفحط» على كل وسائل إعلام الحصار مجتمعة..!
وإذا كانوا يعيبون على الجزيرة استضافتها لـ «بن لادن» و«الجولاني» على شاشتها، فلا بأس أن نرش على وجوههم قليلاً من الماء البارد لإنعاشهم، على أمل أن تنتعش ذاكرتهم ولا ترتعش مواقفهم، ونحيطكم علماً أصحاب البشوت قليلي الحظ والبخوت، أن قنوات عالمية سبقت الجزيرة على هذه الحوارات وفضائيات أخرى نقلت عنها وشاشات تمولها أبوظبي مثل الغد وأورينت، أجرت ونقلت مثل هذه الحوارات.. لذلك معلوماتكم تحتاج إلى «أب ديت»، فهذا عرف عالمي، وسبق صحفي، ونجاح مهني، لا يضيق منه أو يهرب عنه إلا ضيق الأفق الضعيف.. الفاشل.. المنغلق!
ولأننا نعيش زمن المراهقين والحمقى، فلا عجب أن نرى أخطاء المبتدئين أمامنا، وفي أحيان كثيرة نتجاهل الرد عليها لسببين، التزاماً بما تربينا عليه وما نص عليه بيان الاتصال الحكومي بعدم الانزلاق لمثل هذه المستويات..
والسبب الآخر اقتناعاً بالمثل العربي القديم: «لا تجادل الأحمق فيخطئ الناس في التفريق بينكما»!
وإحدى هذه الحماقات كما يشاع رغبة دول عربية في الطلب من الـ «فيفا» سحب تنظيم كأس العالم من قطر، وسواء كان الخبر صحيحاً أو خاطئاً، لكن الأكيد أنها أمنية لدى البعض من العواصم العربية التي تتآكل من الحقد والغيرة وتعاني مرضاً مزمناً اسمه «نجاح الدوحة»، لكن الأكيد أكثر أن الـ «فيفا» ليس مطعماً للكشري أو المندي والمضغوط، حتى تفرض عليه طلباتك.. وتملي عليه رغباتك، وكل ما في وسعك الآن أيها الحانق.. الناقم.. من تنظيم قطر لـ «مونديال 2022» أن تستمتع بعبارة «جيم أوفر أو حظا أوفر».. مع موسيقى هادئة لأغنية «اضغط المضغوط أكثر».. فنحن صامدون مع الحصار، ولن نقبل بغير الانتصار.
الحديث في الرياضة كما في السياسة له قواعد وأطر وقوانين تحكمه وتنظمه وإن كانت اللغة لدى «الرباعي» قد فقدت توازنها وتحلحلت براغيها، وانهارت مبادئها كما ظهر ذلك في حديث سفير خادم الحرمين الشريفين في المملكة الأردنية الهاشمية، عندما قال في ندوة إعلامية، بلغة بعيدة عن القواعد الدبلوماسية، إن قطر لا تشكل حارة في الرياض وتحملناها 21 سنة، خلاص ما نبيهم «لا تجونا ولا نجيكم»..!
هذا الكلام ليس في استراحة بمجمع الدانة في الثمامة، ولا في حارة المظلوم في جدة، هذا للأسف كلام سفير وأمير، ويمثل المملكة العربية السعودية!
يا معالي السفير الذي ما زلت تقيس الأمور على طريقة الكبير والصغير في زمن يقاس فيه النجاح والفشل.. ونضرب لك مثالا على السريع، أن سنغافورة لا تمثل حارة في «الحساء».. وهي اليوم واحدة من أنجح دول العالم اقتصادياً وسياحياً.. فيما محافظة الإحساء زاد أنينها بعد أن هجرها القطريون، وشكت أسواقها، وبكت فنادقها.. وهي إحدى مناطق الدولة الكبيرة!
يا سمو الأمير.. لو كانت هذه المقاييس هي المعتمدة لما نجحت العصابات والميليشيات والأحزاب في بسط نفوذها على أربع عواصم عربية، دون أن تنجح الدولة الكبيرة في التصدي لها!
يا معالي السفير أذكرك بأن الأمير فهد بن سعد آل سعود عندما فكّر بالرحيل من بلاده بسبب الخلافات مع الملك عبدالعزيز، طيّب الله ثراه، فكانت قطر الصغيرة في مساحتها، الكبيرة في مواقفها، هي وجهته، وكان الشيخ جاسم بن ثاني - رحمه الله - هو مقصده، فنال ما تمنى وأكرمه و«زبّنه» رغم أنه وصلته رسالة من الملك عبدالعزيز يطلب منه تسليمه خلال ثلاثة أيام، فجاءه الرد: «هذا ضيف عندي وأحمله على رأسي وإن نزل فعلى أكتافي، ولا تنس أن والدك عبدالرحمن الفيصل، حين أتاني ومعه عائلته، استضفناه وكل يوم لهم عندي عيد يتجدد حتى قرروا بأنفسهم الرحيل إلى الكويت.. فتركتهم وحريتهم». فقال الملك عبدالعزيز في جواب آخر: «والله إني أراك مثل والدي ولو لنا في ذمتكم عشرة من الرجال فلا أعاتبك عنهم فافعل ما شئت مع ضيوفك فليس لك لائم ولا معارض.. والسلام».
هذا درس من التاريخ لك يا سعادة السفير، لعلّك تستفيد منه في قادم الأيام، عندما تطرح القضايا على طريقة الكبير والصغير!
لكن اليوم.. ومع كل الأسف لم يعد هناك حدود للتصريحات أو الخطابات أو حتى التغريدات، فوزير «الحزن» يحرّض على قطر من قلب أوروبا، ووزير تويتر يهدد «تالي الليل» بالفراق والطلاق، ووزير يتجوّل في متحف الفن الإسلامي، وآخر يتمشى في «سوق واقف» منذ شهور وأسابيع، ثم يقولون صبرنا عليكم (20) سنة، وطفح الكيل!
على مر الأزمان.. كانت الأزمات تفرز لنا شخصيات يخلّدها التاريخ وتحفظها ذاكرة الشعوب نتيجة سلوكها وأدائها ودهائها في معالجة أسبابها أو مواجهة إفرازاتها، والأمثلة كثيرة وليس هذا وقت عرضها أو حصرها، ولكن هذه الأزمة المفتعلة لم تنجب سوى نماذج مهزوزة ومرتبكة وبخطط متهالكة ومتشابكة، سواء كانوا على المستوى الوزاري أو سفراء يتحدثون بلغة «الحواري»!
بقلم : محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول