+ A
A -

يروي إيسوب فيلسوف الإغريق الشهير في حكاياته الشعبية:

تجادلت القصبة وشجرة الزيتون حول قوة وثبات كل منهما وليونته، سخرت شجرة الزيتون من القصبة قائلة لها: أنت ضعيفة، تذعنين أمام الرياح.

فقالت لها القصبة: ولكني بليونتي أحافظ على وجودي!

وانتهى النقاش على غير اتفاق. وبعد أيام هبت ريح عاتية، كسرت أغصان الزيتونة أول الأمر، ثم شيئاً فشيئاً اقتلعتها من جذورها وألقتها على الأرض لا تصلح إلا خشباً للمدفأة، بينما كانت القصبة تتماوج بانسيابٍ مع كل هجوم للريح، وحين انتهت العاصفة، استعادت القصبة وقوفها القديم!

والحياة كالعاصفة تكسر كل من ليس فيه شيء من المرونة! هذا بالطبع لا يعني ألا يكون للإنسان مبدأ، ولكن المرونة شيء والنفاق شيء آخر!

وكلنا تضعنا الحياة في مواقف تحتم علينا أن نكون مرنين!

كثيرة هي الزيجات التي لو أعملت فيها العقل كأنها معادلة حسابية سيكون حكمك عليها أن ينفرط عقدها ويمضي كل حي في سبيله، ولكنك لو نظرت إلى الأمر بواقعية، وحسبت تداعيات هذا الحكم، فستكتشف أن بعض المشكلات حلها الوحيد أن تبقى مشكلات مُتكيَّفٍ معها، لأن أي حل سينشأ عنه مشكلة جديدة هي أكثر فداحة من الأولى!

إن حكمك العقلي الصرف لكل عامل لا يجد احتراماً كافياً من ربِّ عمله أن يترك هذا العمل فوراً، ولكن من منا عاملته الحياة يوماً كما يجب، وبما يستحق؟! وكم نسبة الذين سيبقى لهم وظائف إذا قرروا ألا يعملوا إلا في مناخ عمل يحقق لهم راحةً في كل المجالات؟! إنَّ الحياة يا عزيزي إنما تستمرُّ بالضرورة لا بالرغبة!

كثيرة هي الكلمات التي يجب أن تقال لأنها حقّ، ولكن كلنا نعرف أن الأمور لن تبقى بعدها كما كانت!

وكثيرة هي المواقف التي يجب أن تؤخذ لأنها تجب فعلاً، ولكن الأطباء يا عزيزي يضحون بالجنين لسلامة الأم، هذا هو درس المرونة الأكبر: الخروج من الأمر بأقل الخسائر!

فلا تحكم على إنسان ما لم تكن مكانه، ولا تنظر في أمرٍ لا تعرف عنه شيئاً، ولا تفت في أمر لم تجربه، ربما لو كنتَ مكان الذين تنتقدهم ما وسعك إلا أن تحذو حذوهم!

قال الخشب للمسمار متوجعاً: لقد ثقبتني!

فقال له المسمار: لو رأيت الطَّرقَ على رأسي لعذرتني!

copy short url   نسخ
01/06/2023
370