+ A
A -

«أليس الخير معدن كل البشر؟ وهل يمكن أن يؤذينا إنسان نحسن إليه؟ وألا تكفي طيبة التعامل لتلين أقسى القلوب؟».

للإجابة عن هذا السؤال أود أن أخبرك بأن هذا المقال لا يقترب بأي شكل من الأشكال من المثالية، ولا يدعو إلى المدينة الفاضلة التي دعا إليها أفلاطون، ولا ينمق الحقائق أو يزيف الواقع لينسج لك عالماً من وحي الخيال، بل يفضح ما هو معلوم لكنك لا تتقبله، وما هو ظاهر لكنك تتجاهله، وما هو حاضر بيد أنك تغيّبه خلف ادعاء أن التعامل الطيب مع الجميع سيؤتي ثماره دوماً!

لست هنا بغرض إقناعك بشيء قد يخالف ما تعتقده، لكنني أود أن أدعوك إلى النظر إلى تاريخ البشرية وحاضر اليوم بدقة، وتتبع أخبار من حولك والتنبه إلى حياتك الشخصية. لا شك أن تعاملك اللين والودود مع جميع من قابلتهم خلال عمرك لم يرتد عليك بخير دائماً، بل على العكس تماماً، أليس كذلك؟

عشرات الشباب والفتيات يؤكدون بعد أن يكبروا ويتعلموا من تجارب الحياة، أن الطيبة الزائدة تؤدي مفعولاً معاكساً، وبأن لطفهم مع بعض الأشخاص أدى إلى تعرضهم للاستغلال والخداع والاستخفاف. بل حتى التسامح الذي يعد أعلى القيم الأخلاقية يمكن أن يجعل الطرف الآخر ينظر إليك باستحقار على اعتبار أنك شخص بلا كرامة أو اكتفاء ذاتي لذلك تسامحه على خطأ جسيم. بل وصل الحد في العلاقات هذه الأيام إلى اعتبار الطرف الذي يضحي كثيراً في سبيل الحب شخصاً رومانسياً غبياً ليس لديه طموحات ولا أهداف، لذلك يصب كل تركيزه على شريك ينفر بعد فترة منه مدعياً أنه يخنقه بفرط المحبة!

من جانب آخر، هناك بعض البشر أشبه بـ «كوفيدات» خطرة يمكن أن تنتقل عدواهم إلى كل شخص يقترب منهم. هم أناس مسمومون فكرياً وروحياً، لا يرون في هذا العالم سوى أنفسهم، ولا يريدون منك سوى أن تكون أداة لتحقيق مصالحهم، وألا تعلو فوقهم، بل أن تتحطم أحلامك على جزرهم حتى تبقى رهن إشارتهم يحركونك كيفما يشاؤون.

عندما تبدأ في مراجعة تاريخك، والتعلم من تجارب الآخرين، ستدرك أن العالم ليس فردوساً من النعيم، ولا هو ملتقى يجتمع فيه الأخيار، بل هو مزيج من الخير والشر، وفيه الصالح والطالح، فيه من إذا أكرمته ملكته، ومن إذا أكرمته تمرد، فيه من يود قربك لأنه يحبك فعلاً، ومن يقترب منك لغاية في نفسه.

من هذا المنطلق، يجب أن تترك مسافة فاصلة بينك وبين «الكوفيدات» الخطرة، حتى لا يصبح هؤلاء مثل «الكورونات» التي تنتعش حين تعطيها الحق في الاقتراب من عالمك الخاص فيصيبك الأذى. فابدأ في اتباع نهج التباعد الأخلاقي الذي يحفظ كرامتك وكرامة الآخرين، ويبعدك في نفس الوقت عن أي أذى محتمل، والذي لا يتطلب توصيات من منظمة الصحة العالمية، بل يستلزم حساسات اجتماعية عالية تعينك على تمييز من تمد جسور التواصل والمودة بينك وبينهم، وبين من تحرق تلك الجسور الواصلة بينكم حتى تبقى بمنأى عن سمومهم؛ لأن إصلاحهم غير ممكن، وتغييرهم أمر غير وارد.

إذا أدركت هذه الحقائق الواقعية فستبدأ حياتك بالتغير نحو الأفضل؛ لأنك ستحيط نفسك عندها بأصدقاء وأحبة داعمين ومحفزين، وتبتعد عن كل شخص يحبطك أو يحاول استغلالك ولا يقدر تضحياتك ومحبتك. وقتها فقط لن تتعلق بالأوهام التي يروج لها بعض دعاة الحب الأفلاطوني، بل ستعيش الواقع بحكمة وذكاء لتنهل من نهر السعادة والنجاح قدر ما تشاء بإذن خالق الكون العظيم.

copy short url   نسخ
05/06/2023
50