منذ اللحظة الأولى للمحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا (يوليو 2016)، اختارت قطر أن تنحاز للشرعية والديمقراطية، ممثلة بالرئيس رجب طيب أردوغان.
لم تعدّ للعشرة، ولم تنتظر شروق شمس اليوم التالي أو بزوغ فجره، ولم تتريث إلى أن ينجلي الموقف أو تتضح ملامحه، لكي تقرر أن تمشي خلف النتيجة الواضحة!
لم تفعل شيئا من هذا القبيل، بل اختارت الانحياز لخيار الشعب التركي وقيادته الأصيلة، بغض النظر عن كل ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في ذلك اليوم المشؤوم، في حين كانت بعض الدول العربية تراهن على نجاح تلك المحاولة الغادرة، وتروج لها عبر وسائلها الإعلامية، وتفبرك الأخبار الكاذبة، وتتحدث عن مغادرة الرئيس أردوغان ولجوئه إلى الخارج، لاعتقادها الخاطئ واللئيم أن من شأن ذلك أن يؤثر على النتيجة التي أرادتها أن تكون مخالفة لتطلعات كل الأتراك الأحرار.
في هؤلاء قال الرئيس أردوغان في العاشر من يونيو الماضي: «نعرف جيدا من كان سعيدا في الخليج عندما وقعت المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا»، وفي الواقع فإن العالم بأسره بات يعرف من هؤلاء، وما فعلوا لاحقا مع قطر، فمواقفهم في هذا الإقليم المضطرب لم تعد بحاجة لخبراء في السياسة ومفكرين في الأمن، فأجندتهم انكشفت للعيان، وبات رجل الشارع العادي قادرا على فهم ألاعيبهم وخططهم ومؤامراتهم لتقسيم المنطقة وتفكيك وحدتها.
الرئيس أردوغان لم يقف مع قطر لأنها انحازت إلى الشرعية التي يمثلها خلال الانقلاب الفاشل، لم يكن ذلك من باب رد الجميل، وإنما وقف إلى جانب الحق والعدل، وهو ما يليق برجل كبير، يزن الأمور بميزان الذهب، وقد أمضى عمره وحياته السياسية دفاعا عن الحق، وعن القيم العالية التي أرساها في تركيا، فكان أن تبوأت المكانة التي هي عليها اليوم، وهي مكانة تاريخية أعاد ألقها وتألقها ونشر ضياءها هذا الزعيم الكبير، وحولها إلى سند لأشقائها في العالمين العربي والإسلامي.
هاجس تركيا كان تطويق هذه الأزمة، وإيجاد حل مقبول لها، وقد بدا ذلك واضحا من خلال المباحثات التي جرت أمس بين حضرة صاحب السمو، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، وضيف قطر الكبير، فخامة الرئيس التركي، حيث بحثا تطورات الأزمة الخليجية، والمساعي والجهود المبذولة لاحتوائها وحلها بالحوار والطرق الدبلوماسية، حيث ثمن الطرفان وساطة دولة الكويت الشقيقة لحل الأزمة، وفي ذلك إشارة واضحة لطبيعة التحرك التركي، القائم على أسس موضوعية هدفها تقديم المساعدة، من أجل التوصل إلى حل لهذه الأزمة يقوم على دعم الوساطة الكويتية.
ومع ذلك، فإنه لا يمكن إغفال طبيعة العلاقة الاستراتيجية القائمة بين بلدينا، والتي ازدادت رسوخا خلال السنوات الماضية، حيث تتبنى الدولتان سياسات متطابقة تجاه قضايا المنطقة، الأمر الذي ساهم في تعزيز العلاقات وتطويرها على مختلف المجالات والمستويات.
لقد عمل الرئيس التركي، عبر مجموعة من الاتصالات المكثفة، إقليميا ودوليا، على الدفع باتجاه حل سلمي للأزمة الخليجية، لكنه كان حاسما أيضا عندما حاولت دول الحصار فرض إملاءات تمس صميم السيادة القطرية، بما في ذلك طبيعة العلاقات القائمة بين قطر وتركيا، عبر قائمة المطالب الـ «13» التي دعت إلى إغلاق القاعدة التركية في قطر، وقد كان رد الرئيس أردوغان واضحا وصريحا وحاسما: «مطالبة قبيحة تمثل تدخلا في العلاقات الثنائية بين الدوحة وأنقرة»، موضحا أن تركيا عرضت أيضا إقامة قاعدة عسكرية في السعودية، ولكن الرياض لم ترد، قائلا «رغم أنهم لم يعودوا إلينا بعد بشأن ذلك، فإنهم طلبوا أن تسحب تركيا قواتها (من قطر)، وهو عدم احترام لتركيا».
في موازاة الجهود الدؤوبة التي بذلها الرئيس أردوغان من أجل التوصل لحل سياسي، لا بد أن نذكر أيضا، بكثير من الامتنان والتقدير، ما فعلته تركيا لمساعدة قطر في مواجهة الحصار، وهو ما أشار إليه صاحب السمو في خطابه التاريخي، يوم الجمعة الماضي عندما قال: «ولا يفوتني أن أشيد بالدور الهام الذي لعبته تركيا في إقرارها السريع لاتفاقية التعاون الاستراتيجي الموقعة بيننا والمباشرة في تنفيذها، وأن أشكرها على استجابتها الفورية لتلبية احتياجات السوق القطرية، كما أشكر كل من فتح لنا أجواءه ومياهه الإقليمية حين أغلقها الأشقاء».
استقرار وتوازن
لقد كان الهدف من إقامة قاعدة عسكرية تركية في قطر هو حفظ أمن المنطقة، وتوفير التدريب العسكري للجيش القطري، وبطبيعة الحال فإن الفعاليات الخاصة بالقاعدة ليست موجهة ضد أي دولة، وهي مثلها مثل قواعد دول أجنبية أخرى، كما أن قرار إنشائها يستند إلى الصلاحيات المتعلقة بالسيادة بين البلدين، بهذا المعنى فإن القاعدة التركية من مصلحة المنطقة الخليجية، بما تمثله من عامل استقرار وتوازن، وهي تعود لفترة سابقة على الأزمة الخليجية، لكن الذين اختاروا أن يتآمروا على تركيا فشلوا في قراءة المشهد السياسي، وفشلوا في التعمق بطبيعة التحديات التي تواجه المنطقة، فاندفعوا تهليلا للمحاولة الانقلابية الفاشلة، وهم أنفسهم الذين اشترطوا إغلاق القاعدة التركية، دون إدراك أو وعي بأن تركيا تقوم على أسس ديمقراطية حقيقية، مكنتها من ترسيخ مجتمع متحضر ومعاصر، يحتكم أفراده لحكم المؤسسات والقانون، في إطار القيم الإسلامية التي يؤمن بها الشعب التركي.
لقد قدم الرئيس أردوغان شكلا جديدا من الوسطية، لذلك عندما بدأت الحركة الانقلابية الفاشلة، رأينا الشعب، بكل أطيافه، من إسلامية إلى علمانية إلى يسارية إلى يمينية، يتحرك لإجهاض الانقلاب وقطع دابر المعتدين على الشرعية والديمقراطية، وهذا ما كان ليحدث لولا أن أدرك الشعب بأسره، وبمختلف تياراته السياسية، أن الانقلاب سيقضي على المكاسب الكبيرة التي حصدتها تركيا عبر سنوات طويلة من العمل والنضال والكفاح، كما سيلغي الإنجازات المدوية التي تمت في عهد الرئيس أردوغان، لذلك كان غريبا، بل مقززا، أن تقف إحدى الدول الخليجية مع المتآمرين ضد الشعب التركي بأسره، وهي مفارقة غريبة توضح طبيعة هذه العقلية التآمرية، وافتقارها إلى أبسط أدوات التحليل السليم، وهي ذاتها التي اعتقدت أن في مقدورها الانعطاف نحو قطر، والالتفاف على قرارها السيادي، وتحويلها إلى دولة تحت الانتداب، عبر تقديم لائحة مطالب مضحكة، توضح إلى أي مدى انحدرت هذه الدولة، وإلى أي مدى وصل تخلفها السياسي، وجهلها بطبيعة قطر، القيادة والشعب، والتي لا تهزها مثل هذه الخزعبلات والتصرفات الصبيانية..!
وعاصمة الشر والسوء، التي شاركت في المؤامرة على تركيا، زحفت إلى الدوحة، بعد ساعات من إحباط المحاولة الانقلابية، بحثا عن وساطة تنقذ رقبتها من المقصلة ومن الغضب التركي العارم الذي هدأ وعفا وتجاوز مشكورا تحت عنوان «لأجل عين تكرم مدينة»، لكن ما فيها متجمّل، فهي إمارة النكران والجحود والنكث بالوعود وتمزيق العهود..!
وليس هذا مجال حديثنا اليوم، وإنما زيارة الرئيس التركي، الضيف العزيز والشقيق الكبير، والصديق الذي نفخر بصداقته، وبمواقفه الداعمة والمؤازرة والمؤيدة، وعندما نذكر الرئيس رجب طيب أردوغان فإننا نتحدث عن قائد محنك ثابت المبادئ، يتصف بالحكمة والحنكة، حتى حققت بلاده أرقاما متقدمة في مختلف المجالات، سياسيا واقتصاديا.
نحن أمام خلطة جمعت الجرأة والتخطيط السليم والتنفيذ الدقيق، فظهرت النتائج الاقتصادية مبهرة، ووضعت تركيا في قلب المعادلات العالمية، بعد سنوات من اللااستقرار والتمزق والانقلابات العسكرية.
وهذا النجاح الاقتصادي لم تقتصر تأثيراته على الداخل التركي فقط، بل تجاوزته إلى الإطارين الإقليمي والدولي، مما سمح لتركيا بلعب أدوار إقليمية كبيرة، كان الاقتصاد أحد عواملها.
لقد كان الوضع البائس والانهيار التجاري والمالي لتركيا يشكّل التحدي الأول والأساسي والرئيسي لحزب العدالة والتنمية عند تسلمه مقاليد السلطة في تركيا، حيث استطاع الحزب، بقيادة رجب طيب أردوغان، النهوض بالاقتصاد التركي بما يشبه المعجزة، مما انعكس إيجابيا على نظرة الشعب التركي للحزب، خاصة بعد عقود طويلة من فضائح الفساد والرشاوى والبؤس المالي والاقتصادي الذي عاش فيه الأتراك في فترات سابقة.
لقد حقق «النمر الاقتصادي التركي» معدلات نمو سنوية تراوحت بين 7 و9 بالمائة، هذا الأمر أدى، وفي غضون أقل من عشر سنوات، إلى مضاعفة الناتج المحلي، الذي يزيد حاليا على 800 مليار دولار، أي ما يزيد على ضعف الناتج المحلي الإيراني، ليصبح بذلك أقوى اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط.
علينا، ونحن نرحب بالرئيس أردوغان في الدوحة، أن نستذكر، بكثير من الامتنان، مواقفه الشجاعة، ودعمه الصلب للقضايا العربية والإسلامية، وهي مواقف ندرك أنها فرضت على تركيا أعباء كبيرة، تحملها هذا البلد الشقيق بطيب خاطر، وبأريحية عالية، ودونما منة، ولم نسمع مسؤولا تركيًا واحدا يتحدث عن «تضحيات» أو «خسائر» بسبب موقف هذا البلد من هذه القضايا، لم نر تبرما ولا استياءً، ولم نسمع كلمة تشير إلى تبدل في المواقف، أو تراجع أو تراخٍ، كل ما سمعناه كان التزاما لا يقبل التأويل بالقضايا العربية العادلة.
لن ننسى مواقف تركيا، ولا أفعالها الخيرة، وهي ماثلة للعيان، ولن ننسى قائدها الكبير فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، وجهوده الخيرة من أجل وضع حد للأزمة الخليجية، وهي جهود كبيرة بدأت منذ اللحظة الأولى، من منطلق الحرص على الأمن الخليجي بأسره، وليس أمن قطر وحدها.
هذا هو الفارق الجوهري بين دول راسخة، تحسن قراءة التطورات، وتعرف كيف تتحرك لإطفاء النيران، وبين دول كل همها إشعال الحرائق، والكيد والتآمر وإلحاق الضرر بالآخرين.
هذا هو الفارق بين رئيس دولة يتحدث بلغة السياسة ومفاهيم العلاقات الدولية، ورئيس يتحدث بلغة «الرز» عن عدد الوجبات التي يأكلها شعبه، ويرهن بلده لمن يدفع أكثر، أو كما قالها بلهجته: «عاوز تدخل ادفع فلوس الأول.. واتفضل»، أو كما قال سابقا: «أنا ما بعرف حاجة اسمها ببلاش.. هتدفع يعني هتدفع.. ااه سحيح»..!!
وبعيدا عن هذا الممثل وفرقة حسب الله التي كانت تصفق وتضحك رغم تريئته على عدد سكان دولهم.. وبعيدا عن اللوري الذي حملهم وكأنهم في مشهد من مسلسل «الحيّالة».. نعود للمشهد الرئيسي والمسرح الأساسي ونترك الكومبارس جانبا..
فقد أوضح الرئيس أردوغان، قبيل بدء جولته الخليجية، أن الأزمة لا تفيد أحدا، وأن العالم الإسلامي ليس بحاجة لمزيد من الانقسام، واعتبر أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق السعودية من أجل الدفع باتجاه حل، دون أن ينسى أن قطر تصرفت، من اللحظة الأولى لهذه الأزمة، ببصيرة وبتعقل، ودعت إلى حل الأزمة بالحوار، وبالتأكيد فإننا نأمل بصدق أن تتصرف دول الحصار ببصيرة وتعقل لنزع فتيل التوتر، وهذا لن يتم إلا بإبعاد المراهقين عن القضية، والاستماع لذوي الخبرة والحكمة ورجال الدين، دون تهديد بالسجن أو الجلد أو السفر عبر رحلات
الـ «ONE WAY».. حتى إشعار آخر!
بقلم : محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
لم تعدّ للعشرة، ولم تنتظر شروق شمس اليوم التالي أو بزوغ فجره، ولم تتريث إلى أن ينجلي الموقف أو تتضح ملامحه، لكي تقرر أن تمشي خلف النتيجة الواضحة!
لم تفعل شيئا من هذا القبيل، بل اختارت الانحياز لخيار الشعب التركي وقيادته الأصيلة، بغض النظر عن كل ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في ذلك اليوم المشؤوم، في حين كانت بعض الدول العربية تراهن على نجاح تلك المحاولة الغادرة، وتروج لها عبر وسائلها الإعلامية، وتفبرك الأخبار الكاذبة، وتتحدث عن مغادرة الرئيس أردوغان ولجوئه إلى الخارج، لاعتقادها الخاطئ واللئيم أن من شأن ذلك أن يؤثر على النتيجة التي أرادتها أن تكون مخالفة لتطلعات كل الأتراك الأحرار.
في هؤلاء قال الرئيس أردوغان في العاشر من يونيو الماضي: «نعرف جيدا من كان سعيدا في الخليج عندما وقعت المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا»، وفي الواقع فإن العالم بأسره بات يعرف من هؤلاء، وما فعلوا لاحقا مع قطر، فمواقفهم في هذا الإقليم المضطرب لم تعد بحاجة لخبراء في السياسة ومفكرين في الأمن، فأجندتهم انكشفت للعيان، وبات رجل الشارع العادي قادرا على فهم ألاعيبهم وخططهم ومؤامراتهم لتقسيم المنطقة وتفكيك وحدتها.
الرئيس أردوغان لم يقف مع قطر لأنها انحازت إلى الشرعية التي يمثلها خلال الانقلاب الفاشل، لم يكن ذلك من باب رد الجميل، وإنما وقف إلى جانب الحق والعدل، وهو ما يليق برجل كبير، يزن الأمور بميزان الذهب، وقد أمضى عمره وحياته السياسية دفاعا عن الحق، وعن القيم العالية التي أرساها في تركيا، فكان أن تبوأت المكانة التي هي عليها اليوم، وهي مكانة تاريخية أعاد ألقها وتألقها ونشر ضياءها هذا الزعيم الكبير، وحولها إلى سند لأشقائها في العالمين العربي والإسلامي.
هاجس تركيا كان تطويق هذه الأزمة، وإيجاد حل مقبول لها، وقد بدا ذلك واضحا من خلال المباحثات التي جرت أمس بين حضرة صاحب السمو، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، وضيف قطر الكبير، فخامة الرئيس التركي، حيث بحثا تطورات الأزمة الخليجية، والمساعي والجهود المبذولة لاحتوائها وحلها بالحوار والطرق الدبلوماسية، حيث ثمن الطرفان وساطة دولة الكويت الشقيقة لحل الأزمة، وفي ذلك إشارة واضحة لطبيعة التحرك التركي، القائم على أسس موضوعية هدفها تقديم المساعدة، من أجل التوصل إلى حل لهذه الأزمة يقوم على دعم الوساطة الكويتية.
ومع ذلك، فإنه لا يمكن إغفال طبيعة العلاقة الاستراتيجية القائمة بين بلدينا، والتي ازدادت رسوخا خلال السنوات الماضية، حيث تتبنى الدولتان سياسات متطابقة تجاه قضايا المنطقة، الأمر الذي ساهم في تعزيز العلاقات وتطويرها على مختلف المجالات والمستويات.
لقد عمل الرئيس التركي، عبر مجموعة من الاتصالات المكثفة، إقليميا ودوليا، على الدفع باتجاه حل سلمي للأزمة الخليجية، لكنه كان حاسما أيضا عندما حاولت دول الحصار فرض إملاءات تمس صميم السيادة القطرية، بما في ذلك طبيعة العلاقات القائمة بين قطر وتركيا، عبر قائمة المطالب الـ «13» التي دعت إلى إغلاق القاعدة التركية في قطر، وقد كان رد الرئيس أردوغان واضحا وصريحا وحاسما: «مطالبة قبيحة تمثل تدخلا في العلاقات الثنائية بين الدوحة وأنقرة»، موضحا أن تركيا عرضت أيضا إقامة قاعدة عسكرية في السعودية، ولكن الرياض لم ترد، قائلا «رغم أنهم لم يعودوا إلينا بعد بشأن ذلك، فإنهم طلبوا أن تسحب تركيا قواتها (من قطر)، وهو عدم احترام لتركيا».
في موازاة الجهود الدؤوبة التي بذلها الرئيس أردوغان من أجل التوصل لحل سياسي، لا بد أن نذكر أيضا، بكثير من الامتنان والتقدير، ما فعلته تركيا لمساعدة قطر في مواجهة الحصار، وهو ما أشار إليه صاحب السمو في خطابه التاريخي، يوم الجمعة الماضي عندما قال: «ولا يفوتني أن أشيد بالدور الهام الذي لعبته تركيا في إقرارها السريع لاتفاقية التعاون الاستراتيجي الموقعة بيننا والمباشرة في تنفيذها، وأن أشكرها على استجابتها الفورية لتلبية احتياجات السوق القطرية، كما أشكر كل من فتح لنا أجواءه ومياهه الإقليمية حين أغلقها الأشقاء».
استقرار وتوازن
لقد كان الهدف من إقامة قاعدة عسكرية تركية في قطر هو حفظ أمن المنطقة، وتوفير التدريب العسكري للجيش القطري، وبطبيعة الحال فإن الفعاليات الخاصة بالقاعدة ليست موجهة ضد أي دولة، وهي مثلها مثل قواعد دول أجنبية أخرى، كما أن قرار إنشائها يستند إلى الصلاحيات المتعلقة بالسيادة بين البلدين، بهذا المعنى فإن القاعدة التركية من مصلحة المنطقة الخليجية، بما تمثله من عامل استقرار وتوازن، وهي تعود لفترة سابقة على الأزمة الخليجية، لكن الذين اختاروا أن يتآمروا على تركيا فشلوا في قراءة المشهد السياسي، وفشلوا في التعمق بطبيعة التحديات التي تواجه المنطقة، فاندفعوا تهليلا للمحاولة الانقلابية الفاشلة، وهم أنفسهم الذين اشترطوا إغلاق القاعدة التركية، دون إدراك أو وعي بأن تركيا تقوم على أسس ديمقراطية حقيقية، مكنتها من ترسيخ مجتمع متحضر ومعاصر، يحتكم أفراده لحكم المؤسسات والقانون، في إطار القيم الإسلامية التي يؤمن بها الشعب التركي.
لقد قدم الرئيس أردوغان شكلا جديدا من الوسطية، لذلك عندما بدأت الحركة الانقلابية الفاشلة، رأينا الشعب، بكل أطيافه، من إسلامية إلى علمانية إلى يسارية إلى يمينية، يتحرك لإجهاض الانقلاب وقطع دابر المعتدين على الشرعية والديمقراطية، وهذا ما كان ليحدث لولا أن أدرك الشعب بأسره، وبمختلف تياراته السياسية، أن الانقلاب سيقضي على المكاسب الكبيرة التي حصدتها تركيا عبر سنوات طويلة من العمل والنضال والكفاح، كما سيلغي الإنجازات المدوية التي تمت في عهد الرئيس أردوغان، لذلك كان غريبا، بل مقززا، أن تقف إحدى الدول الخليجية مع المتآمرين ضد الشعب التركي بأسره، وهي مفارقة غريبة توضح طبيعة هذه العقلية التآمرية، وافتقارها إلى أبسط أدوات التحليل السليم، وهي ذاتها التي اعتقدت أن في مقدورها الانعطاف نحو قطر، والالتفاف على قرارها السيادي، وتحويلها إلى دولة تحت الانتداب، عبر تقديم لائحة مطالب مضحكة، توضح إلى أي مدى انحدرت هذه الدولة، وإلى أي مدى وصل تخلفها السياسي، وجهلها بطبيعة قطر، القيادة والشعب، والتي لا تهزها مثل هذه الخزعبلات والتصرفات الصبيانية..!
وعاصمة الشر والسوء، التي شاركت في المؤامرة على تركيا، زحفت إلى الدوحة، بعد ساعات من إحباط المحاولة الانقلابية، بحثا عن وساطة تنقذ رقبتها من المقصلة ومن الغضب التركي العارم الذي هدأ وعفا وتجاوز مشكورا تحت عنوان «لأجل عين تكرم مدينة»، لكن ما فيها متجمّل، فهي إمارة النكران والجحود والنكث بالوعود وتمزيق العهود..!
وليس هذا مجال حديثنا اليوم، وإنما زيارة الرئيس التركي، الضيف العزيز والشقيق الكبير، والصديق الذي نفخر بصداقته، وبمواقفه الداعمة والمؤازرة والمؤيدة، وعندما نذكر الرئيس رجب طيب أردوغان فإننا نتحدث عن قائد محنك ثابت المبادئ، يتصف بالحكمة والحنكة، حتى حققت بلاده أرقاما متقدمة في مختلف المجالات، سياسيا واقتصاديا.
نحن أمام خلطة جمعت الجرأة والتخطيط السليم والتنفيذ الدقيق، فظهرت النتائج الاقتصادية مبهرة، ووضعت تركيا في قلب المعادلات العالمية، بعد سنوات من اللااستقرار والتمزق والانقلابات العسكرية.
وهذا النجاح الاقتصادي لم تقتصر تأثيراته على الداخل التركي فقط، بل تجاوزته إلى الإطارين الإقليمي والدولي، مما سمح لتركيا بلعب أدوار إقليمية كبيرة، كان الاقتصاد أحد عواملها.
لقد كان الوضع البائس والانهيار التجاري والمالي لتركيا يشكّل التحدي الأول والأساسي والرئيسي لحزب العدالة والتنمية عند تسلمه مقاليد السلطة في تركيا، حيث استطاع الحزب، بقيادة رجب طيب أردوغان، النهوض بالاقتصاد التركي بما يشبه المعجزة، مما انعكس إيجابيا على نظرة الشعب التركي للحزب، خاصة بعد عقود طويلة من فضائح الفساد والرشاوى والبؤس المالي والاقتصادي الذي عاش فيه الأتراك في فترات سابقة.
لقد حقق «النمر الاقتصادي التركي» معدلات نمو سنوية تراوحت بين 7 و9 بالمائة، هذا الأمر أدى، وفي غضون أقل من عشر سنوات، إلى مضاعفة الناتج المحلي، الذي يزيد حاليا على 800 مليار دولار، أي ما يزيد على ضعف الناتج المحلي الإيراني، ليصبح بذلك أقوى اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط.
علينا، ونحن نرحب بالرئيس أردوغان في الدوحة، أن نستذكر، بكثير من الامتنان، مواقفه الشجاعة، ودعمه الصلب للقضايا العربية والإسلامية، وهي مواقف ندرك أنها فرضت على تركيا أعباء كبيرة، تحملها هذا البلد الشقيق بطيب خاطر، وبأريحية عالية، ودونما منة، ولم نسمع مسؤولا تركيًا واحدا يتحدث عن «تضحيات» أو «خسائر» بسبب موقف هذا البلد من هذه القضايا، لم نر تبرما ولا استياءً، ولم نسمع كلمة تشير إلى تبدل في المواقف، أو تراجع أو تراخٍ، كل ما سمعناه كان التزاما لا يقبل التأويل بالقضايا العربية العادلة.
لن ننسى مواقف تركيا، ولا أفعالها الخيرة، وهي ماثلة للعيان، ولن ننسى قائدها الكبير فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، وجهوده الخيرة من أجل وضع حد للأزمة الخليجية، وهي جهود كبيرة بدأت منذ اللحظة الأولى، من منطلق الحرص على الأمن الخليجي بأسره، وليس أمن قطر وحدها.
هذا هو الفارق الجوهري بين دول راسخة، تحسن قراءة التطورات، وتعرف كيف تتحرك لإطفاء النيران، وبين دول كل همها إشعال الحرائق، والكيد والتآمر وإلحاق الضرر بالآخرين.
هذا هو الفارق بين رئيس دولة يتحدث بلغة السياسة ومفاهيم العلاقات الدولية، ورئيس يتحدث بلغة «الرز» عن عدد الوجبات التي يأكلها شعبه، ويرهن بلده لمن يدفع أكثر، أو كما قالها بلهجته: «عاوز تدخل ادفع فلوس الأول.. واتفضل»، أو كما قال سابقا: «أنا ما بعرف حاجة اسمها ببلاش.. هتدفع يعني هتدفع.. ااه سحيح»..!!
وبعيدا عن هذا الممثل وفرقة حسب الله التي كانت تصفق وتضحك رغم تريئته على عدد سكان دولهم.. وبعيدا عن اللوري الذي حملهم وكأنهم في مشهد من مسلسل «الحيّالة».. نعود للمشهد الرئيسي والمسرح الأساسي ونترك الكومبارس جانبا..
فقد أوضح الرئيس أردوغان، قبيل بدء جولته الخليجية، أن الأزمة لا تفيد أحدا، وأن العالم الإسلامي ليس بحاجة لمزيد من الانقسام، واعتبر أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق السعودية من أجل الدفع باتجاه حل، دون أن ينسى أن قطر تصرفت، من اللحظة الأولى لهذه الأزمة، ببصيرة وبتعقل، ودعت إلى حل الأزمة بالحوار، وبالتأكيد فإننا نأمل بصدق أن تتصرف دول الحصار ببصيرة وتعقل لنزع فتيل التوتر، وهذا لن يتم إلا بإبعاد المراهقين عن القضية، والاستماع لذوي الخبرة والحكمة ورجال الدين، دون تهديد بالسجن أو الجلد أو السفر عبر رحلات
الـ «ONE WAY».. حتى إشعار آخر!
بقلم : محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول