يروي إيسوب في حكاياته الشعبية الإغريقية:
أنَّ ثعلباً لم يرَ أسداً من قبل، ولكنه حين رأى الأسدَ لأول مرَّةٍ استبدَّ به الرعب، حتى أحسَّ أنه سيموت لمجرد النظر إليه!
وقد صادفه مرةً أخرى، وخاف منه أيضاً، ولكن أقل من المرَّةِ الأولى.
في المرَّة الثالثة استجمع شجاعته للاقتراب منه، والتحدث إليه!
هذه الحكاية تُظهر أن الألفة تُسكِّنْ المخاف!
الأشياءُ من بعيدٍ تبدو غامضة، وما هو غامض مريب، وما هو مريب لا يأخذ في دواخلنا حجمه وصورته الحقيقية، نحن نبالغ في قيمة الأشياء التي لا نعرفها!
حين نجلسُ خلف مقود السيارة لأول مرة تتملكنا منها رهبة لم نكن نعرفها حين كُنَّا رُكاباً، لم تعد السيارة هي السيارة، شيء من الغموض والرهبة يكتنف طريقة قيادتها، شيئاً فشيئاً، بالتعود والمِران نتقن الأمر، فتصبح القيادة سهلة جداً، ونقوم بها بطريقة عفوية لا تستهلك طاقةً ذهنيةً ونفسيةً كنا نحتاجها أول الأمر، الاعتياد يقتل الرهبة!
في محل بيع الأزهار تبدو الورودُ في نظرنا خلابةً، أشياء رقيقة للتعبير عن الحُب، وتصلحُ جداً لتكون رسائل اعتذار! ولكنها في نظر بائع الورود مجرَّد بضاعة للبيع، إن إلفة الأشياء لفترة طويلة يفقدها سحرها الأول!
منظر قبرٍ فارغٍ بانتظار ميت يُصيبنا بالرُّعب! نحن نعرف أن الموت ليس نهاية القصة، وإنما بدايتها، مصير أبديُّ من النعيم أو الشقاء مترتب عما سيكون في هذه الحفرة حين يُهال التراب على الميت! حفَّار القبور لا ينظر إلى الأمر من هذه الزاوية الرُّوحانيّة، بل إنّ كل قبرٍ جديد يعني دخلاً جديداً! القرب اللصيق من الأشياء يُفقدها الكثير من وهرتها!
الناسُ ينظرون إلى المشاهير كأنهم مخلوقات من كوكب آخر، هناك هالة صنعها الإعلام حولهم، وهناك خداع نفسي مدفوع بمدى تأثيرهم فينا يُعظم صورهم في أذهاننا، ولكنهم عن قريب لا يختلفون أبداً عن الناس البسطاء، بل وإنَّ نسبة الأمراض النفسية، والعجرفة، والعته الفكري فيهم أكثر من غيرهم!
لا يوجد أحدٌ منا إلا وعرف شخصاً من بعيدٍ فتمنى قربه، فلما اقترب منه، قال في نفسه: ما أبلغ العرب حين قالوا: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه!