من سمرقند.. مدينة القباب الزرقاء وموطن كبار علماء المسلمين، ومركز العلم والفن والثقافة عبر التاريخ، بدأ حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، جولته في دول آسيا الوسطى الأربع: جمهورية أوزبكستان وجمهورية قيرغيزيا وجمهورية كازاخستان، وجمهورية طاجيكستان.
في هذه المدينة التاريخية، قام صاحب السمو وفخامة الرئيس شوكت ميرضيائيف، رئيس جمهورية أوزبكستان، يوم الثلاثاء الماضي، بجولة على المتاحف والمواقع التاريخية في المدينة، استمع سموه خلالها إلى شرح عن تاريخ مرصد أولوغبيك ودوره في تطور العلوم الفلكية لدى المسلمين، كما اطلع على أبرز مقتنيات متحف أفراسياب، والتي توثق أهم المحطات التاريخية لمدينة سمرقند، ومختلف المناطق الأوزبكية الأثرية.
لطالما كانت سمرقند علامة فارقة في تاريخنا الإسلامي، فهي تحمل بصمات الحضارة والعلوم الإسلامية والتجريبية، كما تحتضن العديد من الآثار الممتدة إلى عصور مديدة، فضلا عن أنها كانت فيما مضى القلب النابض لعالم المعرفة والفن.
ونظراً لقبابها المزينة بزخارف البلاط الأزرق، وكثرة المعالم الأثرية والثقافية التاريخية فيها، تعتبر المدينة بمثابة متحف مفتوح يبوح لزوارها بالكثير من أسرارها.
لذلك لم يكن غريبا على الإطلاق، أن تنطلق الجولة الأميرية من هذه المدينة ذات المخزون التاريخي والثقافي الكبير، بالإضافة إلى أنها كانت من أهم أجزاء طريق الحرير.
السيد عبدالعزيز كاميلوف، الممثل الخاص لرئيس جمهورية أوزبكستان للشؤون الخارجية، وصف زيارة صاحب السمو لأوزبكستان بالحدث التاريخي، خاصة أن سموه يعتبر الأول من بين قادة دول الخليج الذي يزور أوزبكستان الجديدة، في وقت تشهد فيه العلاقات الثنائية بين البلدين تميزا كبيرا.
لطالما كانت العلاقات بين قطر وأوزبكستان، وبقية جمهوريات آسيا الوسطى، التي شملتها الزيارة، قوية وراسخة، وهذه الجولة، بما أسفرت عنه، زادتها رسوخا وقوة، بفضل إيمان قطر الثابت والراسخ، بإقامة أفضل العلاقات بما يخدم الأمن والسلم الدوليين، لذلك حظي صاحب السمو، في حله وترحاله، بين الدول الأربع بالترحيب الكبير لما يتمتع به من احترام وتقدير، بسبب مواقف قطر الثابتة وإيمانها الذي لا يتزعزع بقضايا السلام العالمي، ومواقفها الأخوية التي لا تنسى مع هذه الدول.
إذن.. هي أكثر من زيارة عادية، وأكثر من جولة تقليدية بين دول صديقة، إذ تم خلالها توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم من أجل تطوير العلاقات ودفعها قدما إلى الأمام.
ففي أوزبكستان، التي تأسست العلاقات الدبلوماسية معها في نوفمبر «1997»، شهد حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، وفخامة الرئيس شوكت ميرضيائيف، رئيس جمهورية أوزبكستان الصديقة، مراسم التوقيع على «15» اتفاقية ومذكرة تفاهم وبرنامج عمل بين حكومتي البلدين، شملت مجالات واسعة، هدفها تشجيع الاستثمارات وحمايتها، وتحقيق أعلى درجة من التعاون والتنسيق في كل المجالات.
يوم الأربعاء، عقد صاحب السمو وفخامة الرئيس صادر جباروف، رئيس جمهورية قيرغيزيا الصديقة، جلسة مباحثات رسمية بالقصر الرئاسي آلا أرتشا في العاصمة بيشكيك، وفي بداية الجلسة، رحب فخامة الرئيس القيرغيزي بسمو الأمير والوفد المرافق، متمنياً لهم طيب الإقامة، ومؤكدا أهمية زيارة سموه كأول قائد دولة عربية يقوم بزيارة دولة إلى جمهورية قيرغيزيا.
كان لهذه الإشارة أهميتها ودلالاتها، فزيارة صاحب السمو تأتي متسقة مع المبادئ التي لطالما آمنت بها قطر، والمتمثلة في إقامة أفضل العلاقات مع دول العالم، صحيح أنها كانت الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين، إلا أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تعود إلى «25» عاما خلت، في حين أن العلاقات بين شعبي البلدين عميقة وتاريخية، حيث كان هناك تبادل تجاري وثقافي نشط في التاريخ القديم بين الأجداد في قيرغيزيا ومنطقة الشرق الأوسط والخليج، كما أكد سعادة السيد جينكيز إيشيمبكوف، سفير جمهورية قيرغيزيا لدى دولة قطر، مشيرا إلى أن مؤسسات الدولة في قيرغيزيا تعمل جاهدة على تعزيز التعاون المتبادل مع قطر، حيث وقَّع الجانبان على «19» اتفاقية في مجالات متنوعة حتى الآن، في حين شهد سمو أمير البلاد المفدى وفخامة الرئيس صادر جباروف، رئيس جمهورية قيرغيزيا الصديقة، التوقيع على «12» اتفاقية ومذكرة تفاهم، تُضاف إلى ما تم توقيعه سابقا، لنقل العلاقات والتعاون بين بلدينا إلى آفاق أرحب وأكثر شمولا.
يوم الأربعاء أيضا انتقل صاحب السمو إلى أستانا، وعقد مع فخامة الرئيس قاسم جومارت توكاييف، رئيس جمهورية كازاخستان الصديقة، جلسة مباحثات رسمية بالقصر الرئاسي «آق أوردا»، تناولت تنمية علاقات التعاون وتعزيزها، إضافة إلى تبادل وجهات النظر حول أبرز المستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وفي اليوم التالي، الخميس، شارك صاحب السمو في منتدى أستانا الدولي، حيث حل ضيفا رئيسيا في المنتدى، انعكاسا للمستوى المتطور للعلاقات بين البلدين، وحرص القيادتين على تعزيزها وتطويرها بما يخدم مصالح الشعبين الصديقين.
ومن أستانا إلى دوشنبه، عاصمة جمهورية طاجيكستان، حيث عقد صاحب السمو أمير البلاد المفدى، جلسة مباحثات رسمية مع فخامة الرئيس إمام علي رحمان، رئيس جمهورية طاجيكستان، بالقصر الرئاسي «قصر الأمة»، استعرضا خلالها علاقات الصداقة والتعاون القائمة بين البلدين، وسبل تعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات، كما تناولت الجلسة مجمل الأحداث والتطورات على الساحتين الإقليمية والدولية، كما شهد القائدان التوقيع على «15» اتفاقية ومذكرة تفاهم وبرنامج عمل لنقل العلاقات، التي سيحتفل البلدان بذكرى مرور «30» عاما على تأسيسها السنة المقبلة، إلى آفاق أرحب.
كما قام صاحب السمو ورئيس جمهورية طاجيكستان بافتتاح جامع الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت في العاصمة دوشنبه، حيث عبر الرئيس الطاجيكي عن شكره لسمو الأمير المفدى لافتتاحه الجامع ولصاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، مستذكرا أنه تم الاتفاق على إنشاء الجامع بدعم من دولة قطر، وذلك خلال زيارات سابقة لسمو الأمير الوالد أيام حكمه.
من المؤكد أن جولة صاحب السمو في دول آسيا الوسطى الأربع: جمهورية أوزبكستان، وجمهورية قيرغيزيا، وجمهورية كازاخستان، وجمهورية طاجيكستان، سوف تؤسس لعلاقات أوسع وأشمل وأكثر تكاملا، باتت تنظمها مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وبرامج العمل لتحقيق ما يصبو إليه الجميع، وفتح المزيد من فرص التعاون المستقبلي، والتشاور والتنسيق، في سبيل بناء مواقف من شأنها المساعدة على مواجهة التحديات والتطلع نحو المستقبل بعزم وثقة، خاصة أن قطر وهذه الدول تجمعها الكثير من القواسم المشتركة من ثقافة وغيرها، وامتلاكها كافة العناصر الضرورية التي من شأنها جذب الأعمال التجارية القطرية، وتوفير مزايا ضريبية وجمركية للمستثمرين، والمزيد من فرص التعاون في قطاعات عدة؛ مثل التعليم، والثقافة، والبنوك، والصناعات الزراعية، كما تتصف العلاقات بين قياداتها بـ «الوثيقة والدافئة»، ولذلك فإن هناك إيمانا قويا بأهمية تطويرها وتعزيزها، بحيث تلبي تطلعات الجميع، وتسهم إسهاما عميقا في تكريس الأمن والسلم الدوليين.
جولة صاحب السمو بكل هذه المعاني إعادة اعتبار للتاريخ الإسلامي المشترك، عبر روابط وأواصر جديدة، تستمد جذورها من علاقات تاريخية متينة، ورؤى حديثة تستشرف المستقبل وتغيراته لمصلحة دولنا وشعوبنا كافة.
محمد حمد المري - رئيس التحرير المسؤول