+ A
A -
يتسابق وزراء الخارجية لدول الحصار الأربع حول مَنْ يحرج بلاده أكثر، ويظهر بصورة مهزوزة أكبر في الاجتماعات الدولية أو المؤتمرات الصحفية، سواء بكثرة التناقضات أو الأخطاء في المعلومات، وقد أظهر وزراء «الدفع» الرباعي أداءً لافتاً في تزييف الحقائق وتحريف الوقائع، مضافاً إليها ارتباك أثناء العرض و«تأتأة» في الإلقاء، مما يجعلهم غير منظمين ولا متفقين، ويبدو أنهم أيضاً غير مقتنعين، بل أصبحوا مثل الطالب الذي يذاكر ليُقدِم على الاختبار الشفهي لـ«تسميع» ما حفظه وليس ما فهمه.. ولكن حتى في الحفظ فاشلون!
لقد حاول وزراء الحصار، خلال الفترة الماضية، من القاهرة إلى المنامة وما بينهما، تأجيج الرأي العام عبر وسائل الإعلام، بحثاً عن مكاسب دبلوماسية أو مشاعر جماهيرية، لكن قالها الأولون: «حبل الكذب قصير»، وإن حاولوا زخرفته بمساحيق التجميل، فالقاعدة الأخلاقية تقول: «لا يصح إلا الصحيح»، وهي من يكسب في نهاية المطاف، والقاعدة الشرعية: «ما بُني على باطل فهو باطل»، تنسف ما تم تشييده بالزيف والتحريف والتأليف.
فيوماً بعد يوم تتكشف الحقائق أمام العالم، وتتساقط شعارات دول الحصار واتهاماتها، مما جعلها في موقف لا تحسد عليه.
وفي ظل محاولات وزراء «العدوان الرباعي» على استقرار قطر والمنطقة، للبقاء على مسرح الأحداث بحركاتهم التمثيلية وأدوارهم البهلوانية لإطالة أمد العرض، فإن سفير الإمارات ومخطط المؤامرات في واشنطن، يوسف العتيبة، يأبى إلا أن يخطف الأضواء منهم، فهو انتقل من مرحلة الكومبارس إلى الممثل «النكبة»، الذي ينسف السيناريو بتصريحاته، ويُحرِج المخرج بسقطاته، مما يجعل العمل معه من أسوأ المغامرات.. فهو بكلمة واحدة يغضب السعودية ويوحد الكل ضد الإمارات..!
وآخر شطحاته ما قاله في مقابلة على قناة «PBS» الأميركية: «إن الخلاف مع قطر ليس دبلوماسياً، بقدر ما هو خلاف فلسفي حول رؤية الإمارات والسعودية ومصر والأردن والبحرين لمستقبل الشرق الأوسط بعد عشر سنوات تقوده حكومات علمانية مستقرة ومزدهرة، وذلك يتعارض مع ما تريده دولة قطر»، حسب تعبيره.
وهذا الكلام، في نظر هيئة كبار العلماء السعودية، ممثلة في الشيخ صالح الفوزان، يعتبر كفراً، وفي نظر أبناء الخليج سقوطاً مدوياً للرياض أن يتحدث باسمها سفير «النكبة»، ممثل إمارة القرصنة في هذا الموضوع الحساس، وكأنه يتحدث عن «مجمع وافي» في دبي، وما يجب أن يكون عليه نظامه التسويقي وبرنامجه الترويجي، ولا يتحدث عن دولة عملاقة، فيها مهبط الوحي والرسالة، وقبلة المسلمين ودار الحرمين..!
لكن للأسف، السعودية تمر بمرحلة نكسة سياسية بعد أن قزّمت نفسها، وأصبح «خطامها» بيد أبوظبي، تحركها يميناً وشمالاً حسب مصالحها.. وإذا لم تنتبه من هذه الغفلة قبل فوات الأوان فإنها ستكون سلمت رقبتها لأيدي العابثين في المنطقة، والذين لن يتوانوا- إذا حانت الفرصة- عن أن يحدوا سكاكينهم، ويبدؤوا التقطيع والتقسيم للوصول للشرق الأوسط الجديد «العلماني»، المفرّغ من مضمونه الديني..!
وأمام هذا التطاول على شخصية المملكة العربية السعودية وهويتها وثقافتها وتاريخها.. لم تتحرك شعرة من جسد الوزير «المراوغ» عادل الجبير، ولم يرد على العتيبة، كما يتطلب موقعه ومركزه وواجبه، حتى وإن كان قلبه ليبرالياً أو علمانياً.. ووجهه أكرد أو أجلد.. وحليق اللحية والشنب.. فالدفاع عن الوطن أمر لا جدال فيه، ولا تفاوض حوله، ولا حياد معه، بغض النظر عن الميول الشخصية والقناعات الفكرية!
الجبير الذي يظهر «قطو» أمام هذه التجاوزات الإماراتية والتهديدات الإيرانية والسورية والحوثية، يحاول أن يكون «أسد» على قطر فقط، فهو كعادته وزملاؤه «الحصاريون» لا يقولون إجابات وافية أو مقنعة في المؤتمر، فيضطرون للإضافة تارة والترقيع تارة أخرى.. في الردهات والممرات، وحتماً بعد أن يتلقوا بعضاً من الرسائل والمكالمات..
الجبير يقول بعد المؤتمر: إن مطالبة قطر بتدويل الحج يعتبر إعلان حرب!!
معقولة؟!! هذا وزير خارجية دولة كبرى يستقي معلوماته من واتساب وتويتر..؟!
أولاً: قطر لم تطلب مثل هذا الأمر، ولم يتحدث أي مسؤول رسمي حول هذه النقطة، ومن أرسل لك «مسج» ورطك، وكل ما في الأمر أن لجنة حقوق الإنسان تسجل شكاوى المواطنين وترسلها للجان الدولية لحث حكومة خادم الحرمين الشريفين على تسهيل أمور المسلمين، بعد أن قامت بإقحام الخلافات السياسية في الشعائر الدينية.. واستخدمت الأماكن المقدسة كورقة ضغط على الدول لكسب مواقفها الدبلوماسية، وهذا يسمى تسييساً للحج، أما التدويل فيعني إشرافاً دولياً على تنظيمه وتسيير أموره، وهذا لم يطرح رسمياً ولا غيره، ونرجو أن تكون المعلومة وصلت معاليكم.. ونتفهم حدوث مثل هذا اللبس لديكم، فوزير مثلكم مازال في بداية الطريق «سنة ثالثة وزارة»، مازال يتعلم، ووارد أن يخطئ، والمهم أن يستفيد ويستوعب!
فالسعودية، في هذه الأزمة، استخدمت «التسييس» في الحج والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية والأسرية.
أما أبوظبي فهي متخصصة في «التيسس»، ولها باع في هذا المجال مع الجيران، قبل أن تتفرع هذه التخصصات إلى قرصنة وفبركة... إلخ!!
أما تهديدك يالجبير لـ «قطر» بأنه إعلان حرب، رغم أن التصريح مبني على معلومات مضروبة.. فيذكرنا بتهديدك «الفنكوشي» للنظام السوري عندما قلت: إما رحيل الأسد أو تدخل عسكري، وختمتها بالكلمة الشهيرة: «بتشووووف»..!!
وجّه وجهك يا عادل باتجاه من حاول اغتيالك وأحرق سفارتك ويطالب بتدويل الحج سنويا ويهدد بقصف الرياض يوميا ويدعم الحوثي في الجنوب والمعارضين في المنطقة الشرقية.. وقل له هذا الكلام، وحمّر عيونك عليه، وعض طرف لسانك، وهدده بالويل والثبور وعظائم الأمور..
قل له: صبرنا عليكم 38 سنة وأنتم تعيثون فساداً وإرهاباً في المنطقة.. طفح الكيل يا إيران!!
إذا قلته له فنعدك بأننا لن نذكرك بتصريحك في ديسمبر 2015 بأن إيران دولة جارة مسلمة وذات حضارة، وإنكم مستعدون لفتح صفحة جديدة..
«بنعمل نفسنا ما شفناه ولا قرأناه»..!
لكن يبدو أن الانتقام السعودي يعمل بالمقلوب.. فقطر التي وقفت مع المملكة في السراء والضراء على قلب رجل واحد في «الخفجي» الشمالي وفي الحد الجنوبي، وسالت دماؤها وزهقت أرواح أبنائها، ودافعت عنها في المؤتمرات الدولية، وصوتت معها في المنظمات العالمية، أصبحت في نظرها اليوم هي العدو الذي يستحق الحرب والحصار لأنه يقف مع العرب ومع الشعوب المستضعفة، أما إيران التي شيطنوا من يتعامل معها أو يتصل بها، فالانتقام السعودي منها يعني استقبالها بالأحضان والورود، وفتح كل الأبواب لوكلائها وعملائها في العراق، وكل من تلطخت أيديهم بالدماء، ليدخلوا بلاد الحرمين سالمين غانمين آمنين، فيما أهل قطر يضيّق عليهم في حجهم وعمرتهم!
وننتظر المفاجأة المقبلة في قمة الكلاسيكو الساخنة، إما بوصول حسن نصر الله أو قاسم سليماني إلى جدة، لينضم لمقتدى الصدر والعبادي والأعرجي وقيادات الحشد الشعبي، لتكتمل التشكيلة الذهبية أو المذهبية في حضرة القيادة السعودية، ولا يجرؤ «دليم» على تسجيل لقاءاتهم خلسة، كما فعل مع أمراء القبائل.
فهؤلاء القوم هم سبب حصار قطر؛ إذ نُتَّهَم بالعلاقات المميزة معهم ومع إيران نتيجة اتصال بروتوكولي للتهنئة، فيما التبادل التجاري العالمي بالمليارات مع الإمارات، والعناق الحار والضيافة الملكية لنجوم إيران في المنطقة مع القيادة السعودية، في نظرهم، يعتبر سياسة «احتواء»، وهو في حقيقة الأمر انصياع و«انحناء»!
إعلان الحرب، يا معالي الجبير، يجب أن يُقال لمن قام بالقرصنة والفبركة، وأثار الفتن وقسّم الصفوف ويعمل لمصالحه الخاصة، حتى لو أشعل النيران في المنطقة، لكن لا تجرؤ على قول الحقيقة كما هو حال إعلامك، الذي ثبت رسمياً أنه «يتعاطى» الإشاعات، وأصبح «مدمناً» رسمياً..!
كان يجب عليك أن تكون صادقاً في حديثك عن حج القطريين في مؤتمر المنامة، أمس الأول، ولا تمارس التقية السياسية من أجل إيصال رسائل للغرب بأن المملكة لا تتحكم في الحج ولا تسيّسه، في حين أنك تعلم، قبل غيرك، أن حكومة بلادك غير جادة في تقديم تسهيلات أو ضمانات للحجاج القطريين.. ووضعت أمامهم صعوبات وعراقيل لتغييبهم قسرياً عن أداء فريضة أساسية وركن أصيل من أركان الإسلام..
وهو ما أكدته، أمس، المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، بأن السلطات السعودية لم تعلن عن أي إجراءات لتسهيل وصول الحجاج القطريين إلى الأراضي المقدسة، مؤكدة أن الأدلة تشير إلى أن وزارة الحج السعودية رفضت التواصل مع وزارة الأوقاف القطرية لاستلام قائمة الحجاج لهذا العام وإتمام الإجراءات الخاصة بتيسير حجهم وضمان سلامتهم.
والأسبوع الماضي اتهم الجبير قطر بأنها من جنست المقرن، أحد قيادات القاعدة، والذي قتل في يونيو 2004 في عملية أمنية، وبعدها بساعات قال وزير خارجية مملكة «الريتويت»: إن جواز المقرن مزور..!
الجبير كشف عن تواضع تفكيره في هذه الأزمة وضحالة آرائه واتهاماته. يا عزيزي؛ أي إرهابي يكون من ضمن متعلقاته واكسسواراته أدوات حادة، وعملات نقدية منوعة، وعدد من الجوازات المزورة لسهولة التنقل بين الدول بأسماء وهويات مختلفة، وهذه من الأمور التي يتقنها الإرهابيون من تلقاء أنفسهم، وأنتم من قتله بكل ما لديه من معلومات، وبهذا المنطق الأعوج الأعرج فإن أي دولة تستطيع تزوير جواز لإرهابي باسم دولة أخرى، وتعلن عن إلقاء القبض عليه وبحوزته «الجواز التهمة»، لتلصقها بتلك الدولة وتشيطنها أمام العالم..
«شوية تركيز» يا معالي الوزير، لأننا سئمنا من الرد عليك وعلى إعلامك.. وهذا المستوى المخجل الذي لم يتحمله شعبكم المخنوق بقانون التعاطف.. وهو يردد: «يا جماعة.. ارحموا عقولنا»!
وعلى رأي المثل «من أراد أن يكون كذوبا فليكن ذكورا».
آخر نقطة..
عندما بدأت المقال كنت أنوي تخصيصه للحديث عن اجتماع المنامة الفاشل، ووزرائه المرتبكين، والمطالب الـ13 الملغاة التي عادت للظهور، وتداخلها مع المبادئ الستة، وقبولهم بالحوار ولكن بدون إجراء حوار.. مروراً بوزير الحزن عبدالله بن زايد، الذي اعترف بأن الضرر وقع على المواطن القطري، وهم الذين يدعون أن إجراءاتهم موجهة للحكومة، مما يدل على تخبطهم، ونهاية بالسفير الفيلسوف الحالم الولهان، الذي يتحدث بهيام عن مستقبل الشرق الأوسط، وكأنه استعار الأحاسيس والمشاعر من والده الشاعر مانع العتيبة، والذي كان يشكل «دويتو» مع الفنان ميحد حمد، فالسفير المتفلسف في الحلقة التليفزيونية كان ينقصه أن يقدم اقتراحاً لحكومة أبوظبي لإنشاء وزارة للفلسفة، واقتراحا آخر بتغيير مطلع أغنية عيضة المنهالي التي صرعت الشعب لتصبح كالتالي:
«الله ياني على لاماك متفلسف».. بدل متصوع!
ولكن وجدت الوزير السعودي الذي احترف المراوغة قد أخذ نصيب الأسد وليس «القطو» من هذا المقال بسبب صورته المنتكسة وأدائه المهزوز في هذه الأزمة، لنشرح له الفرق بين التسييس والتدويل في موضوع الحج، وبين التجنيس والتزوير في جوازات السفر، وبين التهديد والوعيد في التصريحات وفي الميدان..
ومتى تستخدم مع إيران.. وليست ضد الجيران!!
بقلم : محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
لقد حاول وزراء الحصار، خلال الفترة الماضية، من القاهرة إلى المنامة وما بينهما، تأجيج الرأي العام عبر وسائل الإعلام، بحثاً عن مكاسب دبلوماسية أو مشاعر جماهيرية، لكن قالها الأولون: «حبل الكذب قصير»، وإن حاولوا زخرفته بمساحيق التجميل، فالقاعدة الأخلاقية تقول: «لا يصح إلا الصحيح»، وهي من يكسب في نهاية المطاف، والقاعدة الشرعية: «ما بُني على باطل فهو باطل»، تنسف ما تم تشييده بالزيف والتحريف والتأليف.
فيوماً بعد يوم تتكشف الحقائق أمام العالم، وتتساقط شعارات دول الحصار واتهاماتها، مما جعلها في موقف لا تحسد عليه.
وفي ظل محاولات وزراء «العدوان الرباعي» على استقرار قطر والمنطقة، للبقاء على مسرح الأحداث بحركاتهم التمثيلية وأدوارهم البهلوانية لإطالة أمد العرض، فإن سفير الإمارات ومخطط المؤامرات في واشنطن، يوسف العتيبة، يأبى إلا أن يخطف الأضواء منهم، فهو انتقل من مرحلة الكومبارس إلى الممثل «النكبة»، الذي ينسف السيناريو بتصريحاته، ويُحرِج المخرج بسقطاته، مما يجعل العمل معه من أسوأ المغامرات.. فهو بكلمة واحدة يغضب السعودية ويوحد الكل ضد الإمارات..!
وآخر شطحاته ما قاله في مقابلة على قناة «PBS» الأميركية: «إن الخلاف مع قطر ليس دبلوماسياً، بقدر ما هو خلاف فلسفي حول رؤية الإمارات والسعودية ومصر والأردن والبحرين لمستقبل الشرق الأوسط بعد عشر سنوات تقوده حكومات علمانية مستقرة ومزدهرة، وذلك يتعارض مع ما تريده دولة قطر»، حسب تعبيره.
وهذا الكلام، في نظر هيئة كبار العلماء السعودية، ممثلة في الشيخ صالح الفوزان، يعتبر كفراً، وفي نظر أبناء الخليج سقوطاً مدوياً للرياض أن يتحدث باسمها سفير «النكبة»، ممثل إمارة القرصنة في هذا الموضوع الحساس، وكأنه يتحدث عن «مجمع وافي» في دبي، وما يجب أن يكون عليه نظامه التسويقي وبرنامجه الترويجي، ولا يتحدث عن دولة عملاقة، فيها مهبط الوحي والرسالة، وقبلة المسلمين ودار الحرمين..!
لكن للأسف، السعودية تمر بمرحلة نكسة سياسية بعد أن قزّمت نفسها، وأصبح «خطامها» بيد أبوظبي، تحركها يميناً وشمالاً حسب مصالحها.. وإذا لم تنتبه من هذه الغفلة قبل فوات الأوان فإنها ستكون سلمت رقبتها لأيدي العابثين في المنطقة، والذين لن يتوانوا- إذا حانت الفرصة- عن أن يحدوا سكاكينهم، ويبدؤوا التقطيع والتقسيم للوصول للشرق الأوسط الجديد «العلماني»، المفرّغ من مضمونه الديني..!
وأمام هذا التطاول على شخصية المملكة العربية السعودية وهويتها وثقافتها وتاريخها.. لم تتحرك شعرة من جسد الوزير «المراوغ» عادل الجبير، ولم يرد على العتيبة، كما يتطلب موقعه ومركزه وواجبه، حتى وإن كان قلبه ليبرالياً أو علمانياً.. ووجهه أكرد أو أجلد.. وحليق اللحية والشنب.. فالدفاع عن الوطن أمر لا جدال فيه، ولا تفاوض حوله، ولا حياد معه، بغض النظر عن الميول الشخصية والقناعات الفكرية!
الجبير الذي يظهر «قطو» أمام هذه التجاوزات الإماراتية والتهديدات الإيرانية والسورية والحوثية، يحاول أن يكون «أسد» على قطر فقط، فهو كعادته وزملاؤه «الحصاريون» لا يقولون إجابات وافية أو مقنعة في المؤتمر، فيضطرون للإضافة تارة والترقيع تارة أخرى.. في الردهات والممرات، وحتماً بعد أن يتلقوا بعضاً من الرسائل والمكالمات..
الجبير يقول بعد المؤتمر: إن مطالبة قطر بتدويل الحج يعتبر إعلان حرب!!
معقولة؟!! هذا وزير خارجية دولة كبرى يستقي معلوماته من واتساب وتويتر..؟!
أولاً: قطر لم تطلب مثل هذا الأمر، ولم يتحدث أي مسؤول رسمي حول هذه النقطة، ومن أرسل لك «مسج» ورطك، وكل ما في الأمر أن لجنة حقوق الإنسان تسجل شكاوى المواطنين وترسلها للجان الدولية لحث حكومة خادم الحرمين الشريفين على تسهيل أمور المسلمين، بعد أن قامت بإقحام الخلافات السياسية في الشعائر الدينية.. واستخدمت الأماكن المقدسة كورقة ضغط على الدول لكسب مواقفها الدبلوماسية، وهذا يسمى تسييساً للحج، أما التدويل فيعني إشرافاً دولياً على تنظيمه وتسيير أموره، وهذا لم يطرح رسمياً ولا غيره، ونرجو أن تكون المعلومة وصلت معاليكم.. ونتفهم حدوث مثل هذا اللبس لديكم، فوزير مثلكم مازال في بداية الطريق «سنة ثالثة وزارة»، مازال يتعلم، ووارد أن يخطئ، والمهم أن يستفيد ويستوعب!
فالسعودية، في هذه الأزمة، استخدمت «التسييس» في الحج والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية والأسرية.
أما أبوظبي فهي متخصصة في «التيسس»، ولها باع في هذا المجال مع الجيران، قبل أن تتفرع هذه التخصصات إلى قرصنة وفبركة... إلخ!!
أما تهديدك يالجبير لـ «قطر» بأنه إعلان حرب، رغم أن التصريح مبني على معلومات مضروبة.. فيذكرنا بتهديدك «الفنكوشي» للنظام السوري عندما قلت: إما رحيل الأسد أو تدخل عسكري، وختمتها بالكلمة الشهيرة: «بتشووووف»..!!
وجّه وجهك يا عادل باتجاه من حاول اغتيالك وأحرق سفارتك ويطالب بتدويل الحج سنويا ويهدد بقصف الرياض يوميا ويدعم الحوثي في الجنوب والمعارضين في المنطقة الشرقية.. وقل له هذا الكلام، وحمّر عيونك عليه، وعض طرف لسانك، وهدده بالويل والثبور وعظائم الأمور..
قل له: صبرنا عليكم 38 سنة وأنتم تعيثون فساداً وإرهاباً في المنطقة.. طفح الكيل يا إيران!!
إذا قلته له فنعدك بأننا لن نذكرك بتصريحك في ديسمبر 2015 بأن إيران دولة جارة مسلمة وذات حضارة، وإنكم مستعدون لفتح صفحة جديدة..
«بنعمل نفسنا ما شفناه ولا قرأناه»..!
لكن يبدو أن الانتقام السعودي يعمل بالمقلوب.. فقطر التي وقفت مع المملكة في السراء والضراء على قلب رجل واحد في «الخفجي» الشمالي وفي الحد الجنوبي، وسالت دماؤها وزهقت أرواح أبنائها، ودافعت عنها في المؤتمرات الدولية، وصوتت معها في المنظمات العالمية، أصبحت في نظرها اليوم هي العدو الذي يستحق الحرب والحصار لأنه يقف مع العرب ومع الشعوب المستضعفة، أما إيران التي شيطنوا من يتعامل معها أو يتصل بها، فالانتقام السعودي منها يعني استقبالها بالأحضان والورود، وفتح كل الأبواب لوكلائها وعملائها في العراق، وكل من تلطخت أيديهم بالدماء، ليدخلوا بلاد الحرمين سالمين غانمين آمنين، فيما أهل قطر يضيّق عليهم في حجهم وعمرتهم!
وننتظر المفاجأة المقبلة في قمة الكلاسيكو الساخنة، إما بوصول حسن نصر الله أو قاسم سليماني إلى جدة، لينضم لمقتدى الصدر والعبادي والأعرجي وقيادات الحشد الشعبي، لتكتمل التشكيلة الذهبية أو المذهبية في حضرة القيادة السعودية، ولا يجرؤ «دليم» على تسجيل لقاءاتهم خلسة، كما فعل مع أمراء القبائل.
فهؤلاء القوم هم سبب حصار قطر؛ إذ نُتَّهَم بالعلاقات المميزة معهم ومع إيران نتيجة اتصال بروتوكولي للتهنئة، فيما التبادل التجاري العالمي بالمليارات مع الإمارات، والعناق الحار والضيافة الملكية لنجوم إيران في المنطقة مع القيادة السعودية، في نظرهم، يعتبر سياسة «احتواء»، وهو في حقيقة الأمر انصياع و«انحناء»!
إعلان الحرب، يا معالي الجبير، يجب أن يُقال لمن قام بالقرصنة والفبركة، وأثار الفتن وقسّم الصفوف ويعمل لمصالحه الخاصة، حتى لو أشعل النيران في المنطقة، لكن لا تجرؤ على قول الحقيقة كما هو حال إعلامك، الذي ثبت رسمياً أنه «يتعاطى» الإشاعات، وأصبح «مدمناً» رسمياً..!
كان يجب عليك أن تكون صادقاً في حديثك عن حج القطريين في مؤتمر المنامة، أمس الأول، ولا تمارس التقية السياسية من أجل إيصال رسائل للغرب بأن المملكة لا تتحكم في الحج ولا تسيّسه، في حين أنك تعلم، قبل غيرك، أن حكومة بلادك غير جادة في تقديم تسهيلات أو ضمانات للحجاج القطريين.. ووضعت أمامهم صعوبات وعراقيل لتغييبهم قسرياً عن أداء فريضة أساسية وركن أصيل من أركان الإسلام..
وهو ما أكدته، أمس، المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، بأن السلطات السعودية لم تعلن عن أي إجراءات لتسهيل وصول الحجاج القطريين إلى الأراضي المقدسة، مؤكدة أن الأدلة تشير إلى أن وزارة الحج السعودية رفضت التواصل مع وزارة الأوقاف القطرية لاستلام قائمة الحجاج لهذا العام وإتمام الإجراءات الخاصة بتيسير حجهم وضمان سلامتهم.
والأسبوع الماضي اتهم الجبير قطر بأنها من جنست المقرن، أحد قيادات القاعدة، والذي قتل في يونيو 2004 في عملية أمنية، وبعدها بساعات قال وزير خارجية مملكة «الريتويت»: إن جواز المقرن مزور..!
الجبير كشف عن تواضع تفكيره في هذه الأزمة وضحالة آرائه واتهاماته. يا عزيزي؛ أي إرهابي يكون من ضمن متعلقاته واكسسواراته أدوات حادة، وعملات نقدية منوعة، وعدد من الجوازات المزورة لسهولة التنقل بين الدول بأسماء وهويات مختلفة، وهذه من الأمور التي يتقنها الإرهابيون من تلقاء أنفسهم، وأنتم من قتله بكل ما لديه من معلومات، وبهذا المنطق الأعوج الأعرج فإن أي دولة تستطيع تزوير جواز لإرهابي باسم دولة أخرى، وتعلن عن إلقاء القبض عليه وبحوزته «الجواز التهمة»، لتلصقها بتلك الدولة وتشيطنها أمام العالم..
«شوية تركيز» يا معالي الوزير، لأننا سئمنا من الرد عليك وعلى إعلامك.. وهذا المستوى المخجل الذي لم يتحمله شعبكم المخنوق بقانون التعاطف.. وهو يردد: «يا جماعة.. ارحموا عقولنا»!
وعلى رأي المثل «من أراد أن يكون كذوبا فليكن ذكورا».
آخر نقطة..
عندما بدأت المقال كنت أنوي تخصيصه للحديث عن اجتماع المنامة الفاشل، ووزرائه المرتبكين، والمطالب الـ13 الملغاة التي عادت للظهور، وتداخلها مع المبادئ الستة، وقبولهم بالحوار ولكن بدون إجراء حوار.. مروراً بوزير الحزن عبدالله بن زايد، الذي اعترف بأن الضرر وقع على المواطن القطري، وهم الذين يدعون أن إجراءاتهم موجهة للحكومة، مما يدل على تخبطهم، ونهاية بالسفير الفيلسوف الحالم الولهان، الذي يتحدث بهيام عن مستقبل الشرق الأوسط، وكأنه استعار الأحاسيس والمشاعر من والده الشاعر مانع العتيبة، والذي كان يشكل «دويتو» مع الفنان ميحد حمد، فالسفير المتفلسف في الحلقة التليفزيونية كان ينقصه أن يقدم اقتراحاً لحكومة أبوظبي لإنشاء وزارة للفلسفة، واقتراحا آخر بتغيير مطلع أغنية عيضة المنهالي التي صرعت الشعب لتصبح كالتالي:
«الله ياني على لاماك متفلسف».. بدل متصوع!
ولكن وجدت الوزير السعودي الذي احترف المراوغة قد أخذ نصيب الأسد وليس «القطو» من هذا المقال بسبب صورته المنتكسة وأدائه المهزوز في هذه الأزمة، لنشرح له الفرق بين التسييس والتدويل في موضوع الحج، وبين التجنيس والتزوير في جوازات السفر، وبين التهديد والوعيد في التصريحات وفي الميدان..
ومتى تستخدم مع إيران.. وليست ضد الجيران!!
بقلم : محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول