+ A
A -

قال عبد الله بن البواب، وكان من جلساء المأمون: كان المأمون يحلم حتى يغيظنا في بعض الأوقات، فنقول في أنفسنا: ألا يغضب هذا الرجل لنفسه وهو الخليفة!وفي يوم من الأيام جلس على ضفاف دجلة ونحن معه، فمر رجل وقال: أتظنون أن هذا المأمون ينبل في عيني وقد قتل أخاه؟ولم يكن الرجل يدري أن هذا هو المأمون!فوالله ما زاد المأمون على أن تبسم، وقال لنا: ما الحيلة عندكم حتى أنبل في عين هذا الرجل الجليل! ودخل عمر بن عبد العزيز المسجد في ليلة مظلمة، فمر برجل نائم فتعثر به، فرفع الرجل رأسه وقال لعمر: أمجنون أنت؟فقال له عمر: لا!فهم به الحرس يريدون أن يعاقبوه، فقال لهم عمر: دعوه، إنما سألني أمجنون أنت؟ فقلت: لا! وروى ابن الأثير في كتابه الماتع «الكامل في التاريخ» أن صلاح الدين الأيوبي كان يوما جالسا وعنده جماعة، فرمى أحد خدمه خادما آخر بحذاء فلم يصبه، ووصل الحذاء إلى صلاح الدين فلم يصبه، ووقع قريبا منه، فالتفت صلاح الدين إلى الجهة الأخرى يحدث جليسا له، وتغافل عنه ولم يعقب! في المستطرف أن رجلا سب عبد الله بن عباس، فلما فرغ، التفت ابن عباس إلى مولاه، وقال له: يا عكرمة، هل للرجل حاجة عندنا فنقضيها له؟!فنكس الرجل رأسه حياء، وانصرف!الفكرة أن العقول والأخلاق بين الناس أرزاق كالأموال، منهم الفقير فيها ومنهم الغني، ولا يخلو أن يتعرض المرء لموقف مستفز من سفيه، أو لوقاحة من شخص بينه وبين الأخلاق كما بين المشرق والمغرب، فإن رد عليه بمثل قوله، فقد نزل إلى مستواه، وإن تغاضى وحلم كان هذا رفعة له، وزكاة عقله وخلقه، فمن حارب الناس بسلاحهم فقد شابههم! ومن تغاضى وتغافل وأمضاها كان أسلم له في دينه وخلقه، وإلا فإن في الحياة معارك المهزوم والمنتصر فيها سواء، فلا تخوضوها!

copy short url   نسخ
28/06/2022
165