فى أحد المطارات الأوروبية استوقفني أحد رجال الأعمال المصريين الذين أعرفهم من سنوات طويلة، ومازالوا يقيمون في مصر، ودار بيني وبينه حوار طويل عن الأوضاع في مصر، كان الرجل مكتئبا ومتألما إلى حد كبير، وقال لي: باختصار شديد لم يعد هناك شيء اسمه مجال أو مناخ الأعمال أو المنافسة الشريفة أوالمناقصات أو المزايدات أصبح هناك شيء واحد يدير كل شيء في مصر بدءا من دكاكين البقالة وحتى رصف الطرق وبناء المطارات، شيء واحد اسمه المؤسسة العسكرية بكل تشكيلاتها من الجيش والمخابرات والشرطة.
من أراد أن يعمل فليعمل من خلالها وإلا فإن مصيره الإفلاس والضياع هو وكل العمال والموظفين الذين يعملون معه، لقد أصبح العسكر وكلاء في كل شيء، وبدلا من التفرغ لصيانة الوطن والدفاع عنه، أصبحوا جميعا رجال أعمال، كل حسب رتبته، كما أن كل مؤسسات الدولة لا تستطيع أن تشتري بدءا من القلم الرصاص وكل أنواع القرطاسية وحتى أكبر شيء إلا من خلال الجيش والمؤسسة العسكرية، اللذين يلعبان دور الوسيط، حيث يضاعفان أثمان الأشياء عشر مرات أحيانا عن أسعارها الموجودة بالسوق، ويبيعانها لمؤسسات الدولة.
وبالتالي أصبحت كل ميزانية الدولة تصب في جيب الجيش، الذي تفرغ للتجارة ولم يعد لديه مجال لأي شيء آخر، أما قصة الإرهاب المخترعة في سيناء فكل من يريدون التخلص منه من جنود وضباط الجيش المشاغبين الرافضين لهذه الأوضاع أو المختلفين معهم في قسمة الموارد فإنهم يرسلونهم إلى سيناء ليلقوا مصيرهم المحتوم، أما الراضون عنهم فإن البدلات والحوافز والأرباح والمكافآت كفيلة بأن تحولهم إلى أثرياء يملكون القصور وليس الفلل وقطع الأراضي وكل ما يمكن أن يخطر على بالك من ممتلكات، لقد خسر معظم رجال الأعمال الشرفاء خسائر فادحة وأصبح علي الجميع إما أن يتعايش مع هذا الوضع أو يفلس، إما أن يدفع الرشاوى والهدايا والمكافآت والنسب وإما أن يعيش على هامش الحياة.
والجديد في الأمر هو أن المخابرات العسكرية والداخلية دخلت على خط تأسيس الشركات، وأصبحت تلك الأجهزة إلى جوار الجيش والمخابرات العامة تملك مئات الشركات التي تعمل في كل المجالات.
الأمر الآخر الخطير هو أن الجهاز الإداري للدولة، بدءا من المحليات وحتى الوزارات، تمت عسكرته بالكامل، فالوزير لا يستطيع أن يتخذ أي قرار دون العودة لوكيل الوزارة الذي عادة ما يكون أحد جنرالات الجيش، وهو الوزير الفعلي، أما رؤساء أجهزة المدن والأحياء في كل الجمهورية، وكذلك المحافظون وغيرهم، فكلهم من اللواءات أو العمداء المرضي عنهم، وكل موارد المحافظة أو المدينة أو المركز تحت يديه يفعل فيها ما يشاء.
كما أن كل المديرين وحتى السفراء وكبار المسؤولين في الدولة ممن لديهم الخبرة الفنية والإدارية قد تم استبعادهم لصالح جيل جديد من مرتزقة النظام، فالسيسي يعمل بمبدأ من ليس معنا فهو ضدنا حتى في الوظائف العادية، من ثم تم تفريغ جهاز الدولة من كل الكفاءات والخبرات أو تهميشها لصالح عسكرة الدولة، وهذا أدى إلى هوة عميقة وعملية إفقار منظمة طالت فئات كثيرة من الناس، لذلك باختصار فإن مصر على فوهة بركان.
بقلم : أحمد منصور
من أراد أن يعمل فليعمل من خلالها وإلا فإن مصيره الإفلاس والضياع هو وكل العمال والموظفين الذين يعملون معه، لقد أصبح العسكر وكلاء في كل شيء، وبدلا من التفرغ لصيانة الوطن والدفاع عنه، أصبحوا جميعا رجال أعمال، كل حسب رتبته، كما أن كل مؤسسات الدولة لا تستطيع أن تشتري بدءا من القلم الرصاص وكل أنواع القرطاسية وحتى أكبر شيء إلا من خلال الجيش والمؤسسة العسكرية، اللذين يلعبان دور الوسيط، حيث يضاعفان أثمان الأشياء عشر مرات أحيانا عن أسعارها الموجودة بالسوق، ويبيعانها لمؤسسات الدولة.
وبالتالي أصبحت كل ميزانية الدولة تصب في جيب الجيش، الذي تفرغ للتجارة ولم يعد لديه مجال لأي شيء آخر، أما قصة الإرهاب المخترعة في سيناء فكل من يريدون التخلص منه من جنود وضباط الجيش المشاغبين الرافضين لهذه الأوضاع أو المختلفين معهم في قسمة الموارد فإنهم يرسلونهم إلى سيناء ليلقوا مصيرهم المحتوم، أما الراضون عنهم فإن البدلات والحوافز والأرباح والمكافآت كفيلة بأن تحولهم إلى أثرياء يملكون القصور وليس الفلل وقطع الأراضي وكل ما يمكن أن يخطر على بالك من ممتلكات، لقد خسر معظم رجال الأعمال الشرفاء خسائر فادحة وأصبح علي الجميع إما أن يتعايش مع هذا الوضع أو يفلس، إما أن يدفع الرشاوى والهدايا والمكافآت والنسب وإما أن يعيش على هامش الحياة.
والجديد في الأمر هو أن المخابرات العسكرية والداخلية دخلت على خط تأسيس الشركات، وأصبحت تلك الأجهزة إلى جوار الجيش والمخابرات العامة تملك مئات الشركات التي تعمل في كل المجالات.
الأمر الآخر الخطير هو أن الجهاز الإداري للدولة، بدءا من المحليات وحتى الوزارات، تمت عسكرته بالكامل، فالوزير لا يستطيع أن يتخذ أي قرار دون العودة لوكيل الوزارة الذي عادة ما يكون أحد جنرالات الجيش، وهو الوزير الفعلي، أما رؤساء أجهزة المدن والأحياء في كل الجمهورية، وكذلك المحافظون وغيرهم، فكلهم من اللواءات أو العمداء المرضي عنهم، وكل موارد المحافظة أو المدينة أو المركز تحت يديه يفعل فيها ما يشاء.
كما أن كل المديرين وحتى السفراء وكبار المسؤولين في الدولة ممن لديهم الخبرة الفنية والإدارية قد تم استبعادهم لصالح جيل جديد من مرتزقة النظام، فالسيسي يعمل بمبدأ من ليس معنا فهو ضدنا حتى في الوظائف العادية، من ثم تم تفريغ جهاز الدولة من كل الكفاءات والخبرات أو تهميشها لصالح عسكرة الدولة، وهذا أدى إلى هوة عميقة وعملية إفقار منظمة طالت فئات كثيرة من الناس، لذلك باختصار فإن مصر على فوهة بركان.
بقلم : أحمد منصور