تشكل العلاقات الاجتماعية جانباً مهماً من جوانب الحياة البشرية. فالإنسان يميل إلى العيش ومد جسور التواصل بينه وبين الآخرين، لأن ذلك يشعره بالأمان، والألفة، والانتماء، والسعادة المتأتية من كونه محبوباً ومحباً. لهذا السبب، نسعى جميعاً إلى كسب الأصدقاء، ونفتش عن الأحبة في كل مكان، ونرغب بشدة في توسيع دائرة معارفنا التي نحلم أن تضم أناساً يكنّون لنا الاحترام والحب، كما نكنه لهم، ويقفون إلى جانبنا في السراء والضراء، ويكونون عوناً لنا في هذه الحياة.
ورغم هذا المسعى الكبير، إلا أننا نقع في مصيدة المشاعر، ونخطئ التصرف في مناسبات عدة لجهل أو قلة خبرة أو اندفاع، مما يؤثر سلباً على علاقاتنا بالغير. فإذا ألقيت نظرة على حياة الكثيرين فإنك تجد العديد من المشكلات التي تتخلل علاقاتهم بالناس من حولهم، والتي منشأها سوء إدارتهم لتلك العلاقات، وعدم معرفتهم لأبسط معايير التعامل الراقي، وكيفية كسب قلوب الآخرين.
دعني أخبرك في الفقرات القادمة حول بعض الأسرار التي إن طبقتها، فستحظى بعلاقات اجتماعية أكثر إرضاء، وستعلي شأنك في أعين الناس وتضمن احترامهم، في الوقت الذي تحافظ فيه على كرامتك وصورتك في أذهانهم.
في البداية لا بد أن تعرف بأن علاقاتك الاجتماعية بالآخرين أشبه بعلاقتك بالبنك؛ في بداية تعرفك إليهم، تضع في رصيدك قليلاً، ثم تزيد الإيداع في ذاك الرصيد شيئاً فشيئاً المرة تلو الأخرى، مع الحرص على عدم السحب منه بتاتاً أو بإسراف، حتى لا يأتي يوم ينفد فيه تماماً، وتنتهي العلاقة.
لا تفرض نفسك على أحد، ولا تطلب الاهتمام أو الحب أو الاحترام من أي إنسان؛ لأن هناك أموراً وأشياء في هذه الحياة لا تستطيع أن تطلبها مهما كان السبب، وإنما بمقدورك أن تفرضها فرضاً من خلال شخصيتك، وأقوالك، وأفعالك، وأخلاقك.
يقول الأديب المصري أحمد توفيق: «نحن لا نحتاج سوى للرأفة ببعضنا البعض؛ الرأفة في الحديث، الرأفة في الفعل، الرأفة في التمسك، والرأفة حتى في التخلي». بمعنى أن من واجبك كإنسان أن تعامل الناس باحترام؛ أن تكون محترماً في حبك وفي خصامك، فلا تفرط في المحبة، ولا توغل في الخصام.
وحتى تكون مثال الشخص الراقي، تذكر دوماً أنك في يوم من الأيام كنت زوجاً أو صديقاً أو قريباً من أحدهم، ثم ربما صرت في مرحلة لاحقة غريباً؛ فليس من الرجولة ولا بالمروءة أن تسيء لمن كان في الماضي شريك درب، وليس من الإنسانية بمكان أن تنشر عرض من كان ذات يوم شرفك وعرضك.
عزز قيمة الاحترام في جميع تعاملاتك. كن محترماً في نهاية أي علاقة، كما كنت تبدو محترماً في بدايتها. وإذا كانت لك الكلمة الأخيرة في علاقة صداقة أو حب أو ما شاكل ذلك، فتعلم أن تحترم كلمة وضعتها في نهاية السطر؛ فلا عودة ولا ملاحقة للطرف الآخر تحت أي سبب كان.
عندما تضع نقطة في آخر السطر، فهذا يعني أنك لن تعود جزءاً من حياة الآخر، ولن يعود جزءاً مما يشغلك كل يوم. فلا تتدخل فيمن تركته، بل احترم خصوصيته، واتركه يعيش كما اختار أن يعيش، وعش وجودك كما تريد أن تعيشه بعيداً عن تلك العلاقة التي لم يُكتب لها النجاح.
كن وفياً في البعد، كما كنت وفياً في القرب. فإذا كان شخص ما قريباً منك سابقاً، ثم انتهى ما بينكما؛ فصن كرامته، وحافظ على أسراره، ولا تسعَ للانتقام لأن العلاقة لم تنجح. بل تعلم من تلك التجربة الماضية، فلربما تكون عوناً لك في النجاح مع شخص آخر في المستقبل.