شعار بالقراءة نرتقي، ومبادرة قطر تقرأ، وبرنامج اقرأ وارتقِ، جميعها فعاليات تعكس المكانة الكبيرة التي تشغلها قطر في دنيا الثقافة، وهذا ما نشاهده ونعيشه عمليا من خلال يوميات معرض الدوحة الدولي الثاني والثلاثين للكتاب التي تتواصل بنجاح متكامل، نجاح من حيث موعده، والإقبال الجماهيري الكبير على شراء أحدث الإصدارات، والتنوع الحقيقي في الفعاليات، وعمق الموضوعات التي تناقشها الندوات، فضلا عن الأنشطة النوعية لضيف الشرف، بجناح المملكة العربية السعودية، التي تذكرنا بمهرجان الجنادرية والثراء الثقافي الفريد الذي تكتنزه المملكة الشقيقة، والتي تميز معرضنا هذا العام وتمنحه من موروثها الإبداعي العريق، ففي الدورة الحالية يأتي المعرض متوهجا ومتألقا في كل شيء، وهذا يؤكد ويرسخ الإيمان بأهمية وكفاءة القيادات الشابة التي تؤمن بضرورة الإبداع والابتكار والتجديد، وتميل دائما إلى التجريب، وليس التجريب العشوائي، وإنما المبني على رؤية استشرافية، ومتابعة لما يدور على الساحة العالية، فالقيادة الشابة لوزارة الثقافة لعبت دورا مهما في إعطاء الثقافة والفنون مكانتهما التي تليق بهما وبدولتنا الغالية، فالصورة الذهنية عن دولتنا عالميا توضح أنها الأولى رياضيا واقتصاديا، ولابد أن تكون كذلك ثقافيا، وهذا هو الواقع الذي يشهد بذلك الآن، وجعلت له حراكا بديعا، ليس من خلال المعرض فقط، ولكن من خلال فعاليات أخرى متعددة تابعنها في سنة 2022، منها على سبيل المثال لا الحصر ملتقى المؤلفين وغيره، وهذا فعلا ما يليق بقطر بعد النجاح الذي شهد له العالم أجمع خلال المونديال، فأية معارض أو ملتقيات أو فعاليات تقام بعد المونديال يجب أن تراعي ضرورة الإتيان بجديد المكانة الكبيرة للدولة عالميا، ومن حسن الطالع وحسن حظ المثقف القطري أن تتوج سعادة الشيخة المياسة رئيس مجلس أمناء هيئة متاحف قطر المشهد الثقافي بكتاب «سحر الثقافة» الصادر بعدة لغات، وتتحدث عنه وتستعرضه في ندوة متزامنة مع فعاليات معرض الكتاب، بحضور كوكبة من الشخصيات البارزة المهتمة بالثقافة، فقدمت سعادتها من خلال هذا الكتاب خريطة طريق للتميز الثقافي، ومصدر إلهام لكل من ينال شرف المساهمة في المشهد الثقافي للوطن الغالي، وشرف اقتناء هذا الكتاب في مكتبته وقراءته بالتدبر والتحليل.
من أهم ما هو جديد في المعرض الحالي اتخاذ القرار الجريء بتعديل موعده ليبدأ من حيث انتهى العام الدراسي وموسم الامتحانات، فيستطيع طلابنا من مختلف المراحل الدراسية والمعلمون والأسر زيارة المعرض بأريحية دون الانشغال بالتدريس ومتابعة الدروس، وشراء ما يلزم من الكتب لينهلوا من معينها في الإجازة الصيفية التي يتسع فيها وقت الفراغ، بينما كان في السابق ينصب الاهتمام وقت تنظيم المعرض على الكتب المدرسية والاستعدادات التي تُجرى للامتحانات.
ومن بين الندوات ندوة على قدر كبير من الأهمية، تناولت مكانة الصحف الورقية مقارنة بالأخرى الإلكترونية، وهذا الموضوع يشغل حيزا كبيرا من اهتمام الجمهور عامة وكوادر الإعلام على مستوى العالم، وكأن الجميع يطرحون سؤالا واحدا: هل ستختفي الصحف الورقية بالفعل مع مرور الزمن؟، لتقدم الندوة جوابا قاطعا عن هذا السؤال بأن الصحف الورقية باقية، فلن تستطيع الصحيفة الإلكترونية أن توفر للقارئ متعة لمس الورق ورائحة الأحبار وتقليب الصفحات باليد، هذا فضلا عن بقية الندوات التي يتابعها الجمهور، فالمسرح الرئيسي يحتضن مجموعة كبيرة من الندوات الثقافية والفكرية والأمسيات، وكذلك الصالون الثقافي، وما يقدم من أمسيات شعرية وأدبية، ومناقشة علاقة كأس العالم المتينة بالإبداع، والوجه الآخر للمثقف وشعراء قطر في الماضي، وجهود الدول في صون التراث، فضلا عن حفلات توقيعات الكتب، وتخصيص ساحة للطفل تقام عليها ورش وفعاليات متنوعة لهم، مسرح مخصص لأعمالهم الأطفال، والكثير مما لا يتسع المجال لسرده.
المعرض تظاهرة ثقافية محلية عالمية عززت مكانة قطر، وإن كانت شهادتنا مجروحة، فقد شهد بتميزه الناشرون والمؤلفون والنقاد الذين وفدوا من خارج البلاد، شكرا لوزارة الثقافة واللجنة المنظمة للمعرض وشكرا لكل من يقرأ ليرتقي، فدولتنا الحبيبة تستحق منا الأفضل.