+ A
A -
في العام 1860م، كُتب في سيرة الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن أنه قرأ كتابا، وهو في الحقيقة لم يقرأه، فسارع الرئيس لقراءته لأن الكذب عيب!
طبعًا لم أبدأ المقال بهذا الخبر للحديث فيما بعد عن فضائل لينكولن، فلستُ بصدد التأليف في «سير أعلام الرؤساء» غير أن الحكمة ضالة المؤمن، والتصرف النبيل يبقى نبيلًا ولو اختلفنا مع صاحبه، كذلك يبقى التصرف المشين مشينًا ولو اتفقنا مع صاحبه، فالعدالة تقتضي أن الحكم على الفعل من حيث ما هو فعل، لا أن نحكم عليه بناءً على فاعله، ولا ينتطح عنزان في أن تصرف لينكولن يحمل في طياته الكثير من النُبل، «ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا»!
المهم؛ دعكم من لينكولن فقد أفضى إلى ما قدّم، وتعالوا أحدثكم عن ظاهرة لاحظتها كثيرًا في الفترة الأخيرة، سواءً في مواقع التواصل أو من خلال احتكاكي المباشر مع فئة «المثقفين» ألا وهي ظاهرة ادعاء قراءة كتاب ما يتبين لاحقًا أن هذا المدّعي لا يعرف عن الكتاب أكثر من عنوانه واسم مؤلفه! والناس ينقسمون في هذا إلى قسمين، قسم يشتري الكتاب ليصوره بجانب فنجان قهوة، لأن الشاي من خوارم الثقافة! ثم يضع الصورة في مواقع التواصل الاجتماعي، وتنتهي هنا علاقته بالكتاب! وقسم آخر يسطو على هذه الصورة ويوفر على نفسه عناء شراء الكتاب وثمن فنجان القهوة، فينشر الصورة معلقًا: هذا الكتاب رائع!
محاولة الإنسان تجميل صورته في عيون الآخرين غريزة بشرية، فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه، يُحب أن يلقى تقديرًا في محيطه، ونحن نلبس ثيابًا أنيقة، ونضع عطورًا، إشباعاً لغريزة التقدير، سواءً التقدير من قبل الآخرين، أو تقدير أنفسنا لأنفسنا!
ولا شيء في التجمل، إن الله يُحب أن يرى أثر نعمته على عبده، ولكن الله ذم الذين «يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا»! فإن كانت قراءة كتاب ما فضيلة، فلا يعني أن عدم قراءته رذيلة، ثم إن الأمر لم يتعلق يومًا بقراءة الكتب، بل بمدى التغيير الذي تحدثه الكتب فينا، كيف تنير عقولنا، وتوسع أفكارنا ومداركنا، وترينا العالم بعيون الآخرين، هذه هي الغاية من القراءة فإن لم تتحقق كانت القراءة مجرد إضاعة للوقت في تقليب الصفحات، هذا هو الحال في حالة قراءة الكتاب فعلًا فكيف في حالة ادعاء قراءته!
السعي لنيل احترام الناس أمر محمود، ولكن يجب ألا يتعارض هذا مع احترام الإنسان لنفسه أولًا، فالإنسانية في أجمل صورها أن يحترم الإنسان نفسه قبل أن يسعى لنيل احترام الآخرين وتقديرهم، وادعاء قراءة كتاب إهانة من الإنسان لنفسه، فما فائدة أن أُري الناس أني ممتلئ وأنا في الحقيقة فارغ!
بقلم : أدهم شرقاوي
طبعًا لم أبدأ المقال بهذا الخبر للحديث فيما بعد عن فضائل لينكولن، فلستُ بصدد التأليف في «سير أعلام الرؤساء» غير أن الحكمة ضالة المؤمن، والتصرف النبيل يبقى نبيلًا ولو اختلفنا مع صاحبه، كذلك يبقى التصرف المشين مشينًا ولو اتفقنا مع صاحبه، فالعدالة تقتضي أن الحكم على الفعل من حيث ما هو فعل، لا أن نحكم عليه بناءً على فاعله، ولا ينتطح عنزان في أن تصرف لينكولن يحمل في طياته الكثير من النُبل، «ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا»!
المهم؛ دعكم من لينكولن فقد أفضى إلى ما قدّم، وتعالوا أحدثكم عن ظاهرة لاحظتها كثيرًا في الفترة الأخيرة، سواءً في مواقع التواصل أو من خلال احتكاكي المباشر مع فئة «المثقفين» ألا وهي ظاهرة ادعاء قراءة كتاب ما يتبين لاحقًا أن هذا المدّعي لا يعرف عن الكتاب أكثر من عنوانه واسم مؤلفه! والناس ينقسمون في هذا إلى قسمين، قسم يشتري الكتاب ليصوره بجانب فنجان قهوة، لأن الشاي من خوارم الثقافة! ثم يضع الصورة في مواقع التواصل الاجتماعي، وتنتهي هنا علاقته بالكتاب! وقسم آخر يسطو على هذه الصورة ويوفر على نفسه عناء شراء الكتاب وثمن فنجان القهوة، فينشر الصورة معلقًا: هذا الكتاب رائع!
محاولة الإنسان تجميل صورته في عيون الآخرين غريزة بشرية، فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه، يُحب أن يلقى تقديرًا في محيطه، ونحن نلبس ثيابًا أنيقة، ونضع عطورًا، إشباعاً لغريزة التقدير، سواءً التقدير من قبل الآخرين، أو تقدير أنفسنا لأنفسنا!
ولا شيء في التجمل، إن الله يُحب أن يرى أثر نعمته على عبده، ولكن الله ذم الذين «يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا»! فإن كانت قراءة كتاب ما فضيلة، فلا يعني أن عدم قراءته رذيلة، ثم إن الأمر لم يتعلق يومًا بقراءة الكتب، بل بمدى التغيير الذي تحدثه الكتب فينا، كيف تنير عقولنا، وتوسع أفكارنا ومداركنا، وترينا العالم بعيون الآخرين، هذه هي الغاية من القراءة فإن لم تتحقق كانت القراءة مجرد إضاعة للوقت في تقليب الصفحات، هذا هو الحال في حالة قراءة الكتاب فعلًا فكيف في حالة ادعاء قراءته!
السعي لنيل احترام الناس أمر محمود، ولكن يجب ألا يتعارض هذا مع احترام الإنسان لنفسه أولًا، فالإنسانية في أجمل صورها أن يحترم الإنسان نفسه قبل أن يسعى لنيل احترام الآخرين وتقديرهم، وادعاء قراءة كتاب إهانة من الإنسان لنفسه، فما فائدة أن أُري الناس أني ممتلئ وأنا في الحقيقة فارغ!
بقلم : أدهم شرقاوي