+ A
A -
أن تكون لك علاقات طبيعية بجيرانك، فتلك هي طبيعة الأشياء وما تقتضيه الإنسانية والمصلحة، أما أن تعلن رفضك لدولة ما، بل وتعادي من يقيم معها علاقات طبيعية، في العلن، بينما تتودد إليها في السر، وتسعى إليها، وتوسط الوسطاء من أجل التقارب معها، فذلك ما لا نعلم له توصيفا إلا «الازدواجية والفصام»، وإن شئنا الدقة فهو «النفاق».
الأسرار تنجلى بأسرع مما هو متوقع، فقد كشف وزير الداخلية العراقية، قاسم الأعرجي، عن طلب سعودي رسمي، للقيام بوساطة بين الرياض وطهران.
الطلب الرسمي المباشر، حسب الأعرجي، كان على لسان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لدى استقباله وزير الداخلية العراقية مؤخرا.
وحسب الأعرجي أيضا، فإن ذات الطلب، كان قد تقدم به في وقت سابق، العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز.
تصريحات الأعرجي، التي قالها في مؤتمر صحفي رفقة نظيره الإيراني عبدالرضا رحماني فضلي، في طهران، وهو ما لا يخلو من دلالة، لها ما يسبقها من استقبالات، ولقاءات حميمية، بين كبار المسؤولين السعوديين، ومسؤولين إيرانيين كبار أيضا، فخلال اجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، في إسطنبول بتركيا، نقلت الكاميرات هرولة وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، نحو نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، للسلام عليه واحتضانه بحميمة لافتة، أو محاولة التقرب من عراقيين تجمعهم علاقات تصل إلى وشائج القربى الشديدة مع طهران.
الانفصام السياسي، في المملكة العربية السعودية، التي دأبت على التخويف من سياسات إيران واستهدافها للمنطقة، ومن ثم مبادلتها حبائل الود والوصال، في مفارقة تبعث على الدهشة، لم يتوقف عند الجبير، فقد كان استقبال الأمير محمد بن سلمان، للزعيم العراقي مقتدى الصدر في السعودية، كانت السعادة التي تعلو وجه ولي العهد، تشي بأن تلك الزيارة، بأهمية الزيارة، والمهام المنوطة بالزائر، وهي المهام التي وإن لم يعلنها الصدر، فقد صرح بها الأعرجي، الذي كان له أيضا نصيب من الاستقبالات الحميمية، في جدة حيث استقبله وزير الداخلية السعودي عبدالعزيز بن سعود بن نايف، قبل أن يلتقيه ولي العهد، ويبدو أن تلك الزيارة، كانت هي المناسبة التي طلب فيها الأمير محمد بن سلمان، من الأعرجي، الوساطة لدى إيران، للتقريب بين الرياض وطهران.. من المهم هنا أن نشير إلى الازدواجية السعودية، التي كانت تصف كثيرا من الساسة العراقيين، بأنهم أدوات إيران، ثم تحولوا إلى زوار مكرمين، ترسل لهم الطائرات الخاصة، ووسطاء مقدرين يستجدى تدخلهم!
كما أسلفنا فإن العلاقات الطبيعية، أمر مقبول ومطلوب، بين الدول، لكن ما ليس مقبولا، هو إعلان العداء لدولة ما أمام الكاميرات، وعبر الميكروفونات، واستجداء الوساطة للتقارب معها، ممن كانوا يوصفون بأنهم أدواتها وعملاؤها، من قبل.
بالمناسبة فإن من عبارة من قبل، هذه، لن تعيدنا للوراء إلا لنحو مائة يوم لا أكثر، ففي شهر يونيو الماضي، كان ولي العهد السعودي، ليس غيره، يتحدث للإعلام السعودي، وقد أسهب كالعادة، في الحديث عن إيران، واستحالة التعامل والتعاون معها.. وكان مما قاله، «إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، وإن السعودية تعرف أنها هدف لأطماعهم يقصد إيران، وإن بلاده لن تنتظر، حتى تكون المعركة في السعودية، وإنما سننقل المعركة إلى إيران».
لست بصدد مناقشة، حديث ولي العهد السعودي الساخن. لكن من حقنا أن نسأل، عما جرى، خلال الشهور الثلاثة التي أعقبت الحديث الساخن، فهل خانت المؤمن فراسته، وهل انقلب مفهوم دعم الإرهاب، الذي تتهم به دول الحصار قطر، ظلما وعدوانا، وأصبح متطابقا بين الرياض وطهران؟
من المهم بالطبع، أن نذكر، بأن ما حدث بعد حديث ولي العهد السعودي، لم يكن له علاقة بإيران، وإنما كانت علاقته الأساسية بقطر، التي قررت الرياض ومعها شركاؤها الثلاثة الإمارات – البحرين – مصر محاصرتها جوا وبرا وبحرا، لكن اللافت أن الرياض وحلفاءها قد سوقوا، أن أهم أسباب الجور الذي تعرضت له قطر، هو علاقة الدوحة بطهران، ورغم أن تلك العلاقة، تحتل الرقم خمسة، من بين دول التعاون الست، على صعيد التبادل التجاري، إلا أن قائمة المطالب التي قدمتها دول الحصار بقيادة السعودية، تضمن قطع الدوحة علاقتها بطهران، التي لم تقطعها السعودية إلا بعد حادث الاعتداء على قنصليتها في طهران ومشهد، مطلع العام الماضي، ومن ثم على الرياض الآن، أن تشرح لنا هذا التناقض، وذلك الالتباس في السياسة السعودية، التي تحاصر دولة شقيقة، بتهمة، هي تسعى لارتكابها، وبشكل مركب!
ليست قطر فحسب من تحتاج إلى شرح وتوضيح، فالأشقاء في اليمن يحتاجون نفس الأمر، أسباب ومآلات الحملة على وطنهم، بهدف صد المد الإيراني، كما كانت تسوق وتردد، فإذا بها تسعى حثيثا، أو تهرول هرولة للتقارب مع الدولة التي تدعي الوقوف لصد مد مشروعها!
بقلم:عبدالرحمن القحطاني
الأسرار تنجلى بأسرع مما هو متوقع، فقد كشف وزير الداخلية العراقية، قاسم الأعرجي، عن طلب سعودي رسمي، للقيام بوساطة بين الرياض وطهران.
الطلب الرسمي المباشر، حسب الأعرجي، كان على لسان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لدى استقباله وزير الداخلية العراقية مؤخرا.
وحسب الأعرجي أيضا، فإن ذات الطلب، كان قد تقدم به في وقت سابق، العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز.
تصريحات الأعرجي، التي قالها في مؤتمر صحفي رفقة نظيره الإيراني عبدالرضا رحماني فضلي، في طهران، وهو ما لا يخلو من دلالة، لها ما يسبقها من استقبالات، ولقاءات حميمية، بين كبار المسؤولين السعوديين، ومسؤولين إيرانيين كبار أيضا، فخلال اجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، في إسطنبول بتركيا، نقلت الكاميرات هرولة وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، نحو نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، للسلام عليه واحتضانه بحميمة لافتة، أو محاولة التقرب من عراقيين تجمعهم علاقات تصل إلى وشائج القربى الشديدة مع طهران.
الانفصام السياسي، في المملكة العربية السعودية، التي دأبت على التخويف من سياسات إيران واستهدافها للمنطقة، ومن ثم مبادلتها حبائل الود والوصال، في مفارقة تبعث على الدهشة، لم يتوقف عند الجبير، فقد كان استقبال الأمير محمد بن سلمان، للزعيم العراقي مقتدى الصدر في السعودية، كانت السعادة التي تعلو وجه ولي العهد، تشي بأن تلك الزيارة، بأهمية الزيارة، والمهام المنوطة بالزائر، وهي المهام التي وإن لم يعلنها الصدر، فقد صرح بها الأعرجي، الذي كان له أيضا نصيب من الاستقبالات الحميمية، في جدة حيث استقبله وزير الداخلية السعودي عبدالعزيز بن سعود بن نايف، قبل أن يلتقيه ولي العهد، ويبدو أن تلك الزيارة، كانت هي المناسبة التي طلب فيها الأمير محمد بن سلمان، من الأعرجي، الوساطة لدى إيران، للتقريب بين الرياض وطهران.. من المهم هنا أن نشير إلى الازدواجية السعودية، التي كانت تصف كثيرا من الساسة العراقيين، بأنهم أدوات إيران، ثم تحولوا إلى زوار مكرمين، ترسل لهم الطائرات الخاصة، ووسطاء مقدرين يستجدى تدخلهم!
كما أسلفنا فإن العلاقات الطبيعية، أمر مقبول ومطلوب، بين الدول، لكن ما ليس مقبولا، هو إعلان العداء لدولة ما أمام الكاميرات، وعبر الميكروفونات، واستجداء الوساطة للتقارب معها، ممن كانوا يوصفون بأنهم أدواتها وعملاؤها، من قبل.
بالمناسبة فإن من عبارة من قبل، هذه، لن تعيدنا للوراء إلا لنحو مائة يوم لا أكثر، ففي شهر يونيو الماضي، كان ولي العهد السعودي، ليس غيره، يتحدث للإعلام السعودي، وقد أسهب كالعادة، في الحديث عن إيران، واستحالة التعامل والتعاون معها.. وكان مما قاله، «إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، وإن السعودية تعرف أنها هدف لأطماعهم يقصد إيران، وإن بلاده لن تنتظر، حتى تكون المعركة في السعودية، وإنما سننقل المعركة إلى إيران».
لست بصدد مناقشة، حديث ولي العهد السعودي الساخن. لكن من حقنا أن نسأل، عما جرى، خلال الشهور الثلاثة التي أعقبت الحديث الساخن، فهل خانت المؤمن فراسته، وهل انقلب مفهوم دعم الإرهاب، الذي تتهم به دول الحصار قطر، ظلما وعدوانا، وأصبح متطابقا بين الرياض وطهران؟
من المهم بالطبع، أن نذكر، بأن ما حدث بعد حديث ولي العهد السعودي، لم يكن له علاقة بإيران، وإنما كانت علاقته الأساسية بقطر، التي قررت الرياض ومعها شركاؤها الثلاثة الإمارات – البحرين – مصر محاصرتها جوا وبرا وبحرا، لكن اللافت أن الرياض وحلفاءها قد سوقوا، أن أهم أسباب الجور الذي تعرضت له قطر، هو علاقة الدوحة بطهران، ورغم أن تلك العلاقة، تحتل الرقم خمسة، من بين دول التعاون الست، على صعيد التبادل التجاري، إلا أن قائمة المطالب التي قدمتها دول الحصار بقيادة السعودية، تضمن قطع الدوحة علاقتها بطهران، التي لم تقطعها السعودية إلا بعد حادث الاعتداء على قنصليتها في طهران ومشهد، مطلع العام الماضي، ومن ثم على الرياض الآن، أن تشرح لنا هذا التناقض، وذلك الالتباس في السياسة السعودية، التي تحاصر دولة شقيقة، بتهمة، هي تسعى لارتكابها، وبشكل مركب!
ليست قطر فحسب من تحتاج إلى شرح وتوضيح، فالأشقاء في اليمن يحتاجون نفس الأمر، أسباب ومآلات الحملة على وطنهم، بهدف صد المد الإيراني، كما كانت تسوق وتردد، فإذا بها تسعى حثيثا، أو تهرول هرولة للتقارب مع الدولة التي تدعي الوقوف لصد مد مشروعها!
بقلم:عبدالرحمن القحطاني